تحت سطح الأرض في ولايتي كاليفورنيا ووايومنگ، يكمن بركانان في حالة سبات كانا قد ضربا المنطقة بعنف بالغ لا يمكن تصوره. وإذا ثارا فقد يغطيان خلال ساعات غرب الولايات المتحدة بسنتيمترات متعدّدة من الرماد البركاني. وبالفعل فقد ثارا على الأقل أربع مرات خلال المليوني سنة الماضية. وثمة براكين عملاقة أخرى مماثلة تكمن تحت أندونيسيا ونيوزيلندا.
ويكون لانفجار بركان عملاق (سوپر بركان) supervolcanoالقوة المدمّرة نفسها لنجيم صغير يصطدم بالأرض ـ وقد تكون هذه القوة أحيانا أشد بعشر مرات، ما يجعل مثل هذا الانفجار أحد أكثر الكوارث الطبيعية تدميرا وينبغي للبشر توقّع حدوثها. وإضافة إلى ما تسبّبه البراكين العملاقة الثائرة من دمار مباشر ناجم عن تدفق الرماد البركاني المُحرق، تقذف هذه البراكين العملاقة الناشطة غازات تؤدّي فيما بعد إلى تقلبات مناخية خطرة على الكرة الأرضية قد تدوم عدة سنوات.
ولذلك يتلهف الباحثون إلى معرفة الأسباب التي تؤدّي إلى اندفاع البراكين العملاقة ومعرفة كيفية التنبؤ بزمن ما سوف تُحدثه ثانية من دمار وما هي التحديات التي يمكن أن تستتبع آثارها الكارثية. وقد أشارت التحاليل الحديثة للبلورات الميكروية في رواسب الرماد البركاني الناتج من الاندفاعات البركانية القديمة إلى بعض الأجوبة. وهذه الأفكار، إضافة إلى التقنيات المحسّنة لمراقبة مواقع الكوارث المحتملة، جعلت العلماء أكثر ثقة بإمكان تحديد إشارات منذرة قبل وقوع انفجار اندفاع كبير. ومع ذلك تُلمّح الأعمال الجارية إلى أنّ انبعاثات بركان عملاق يمكن أن تُطلق تفاعلات كيميائية مزعجة في الغلاف الجوي جاعلة الأشهر التي تعقب مثل هذا الحدث أكثر خطورة ممّا كان يظنّ من قبل.
يسود اتفاق كامل تقريبا بين جميع خبراء البراكين أنّه من غير المحتمل إلى أبعد الحدود أن يعاني الذين يعيشون حاليا على الكرة الأرضية تأثيرات بركان عملاق ناشط؛ إذ تنزع الاندفاعات البركانية الكارثية إلى الحدوث مرة واحدة كل عدة مئات من آلاف السنين. ومع ذلك فإنّ ضخامة مثل هذه الأحداث وتأثيراتها في الكرة الأرضية هيمنت على اهتمام العلماء منذ خمسينات القرن الماضي.
رَهْبَة مبكرة(**)
من الأشياء الأولى التي اكتشفها الجيولوجيون، وديان دائرية ضخمة ـ بقطر يراوح بين 30 و 60 كم وعمق عدة كيلومترات ـ وهذه الوديان تبدو مشابهة على نحو لافت للنظر إلى الكلديراتcalderas الحوضية الشكل التي تقع على قمة الكثير من براكين الكرة الأرضية المشهورة. تتشكّل الكلديرات بصورة نموذجية عندما تُفْرِغ حجرةُ الصخور المنصهرة الواقعة تحت منفس بركاني محتواها (من الصُّهارة magma) إلى سطح الأرض مسببة بذلك انهيار الأراضي التي فوقها. ويلاحظ أنّ هذه الوديان الشبيهة بالكلديرات تقع بالقرب من بعض أكبر الرواسب على الكرة الأرضية من الصخور البركانية التي توضّعت خلال انفجار بركان واحد. وبحسب ما توصّل إليه الباحثون فإنّ تلك الرواسب ما هي إلاّ بقايا براكين عملاقة ـ أكبر بمئات، بل بآلاف، المرات من البركان Mount Saint Helens المشهور في ولاية واشنطن. عرف الباحثون، من المقاس المفرط للكلديرات والحجم العملاق المقدّر من المواد البركانية المندفعة، أن حجم حجرات الصخور المنصهرة الموجودة تحتها كان هائلا أيضا.
وبسبب ندرة وجود قشرة قارات continental crust ثخينة ومصادر حرارية ضرورية لإحداث أمثال هذه الحجرات الكبيرة جدا من الصهارة، فإن وجود البراكين العملاقة نفسها نادر أيضا. فخلال المليوني سنة الماضية، قذفت هذه البراكين في آن واحد نحو 750 كيلومترا مكعبا على الأقل من الصهارة في أربع مواقع فقط: موقع يلوستون ناشيونال پارك في ولاية وايومنگ وموقع لونگ فالي في ولاية كاليفورنيا وموقع طوبا Toba في جزيرة سومطرا وأخيرا موقع تاوپو Taupo في نيوزيلندا. هذا ويستمر البحث عن اندفاعات بركانية كبيرة جدا مماثلة في المناطق الأخرى التي تتمتع بقشرة قارات ثخينة، كما هي الحال في غرب أمريكا الجنوبية وأقصى شرقي روسيا.
وفي الأحداث الماضية خلال سبعينات القرن الماضي، أظهرت التحقيقات الأسلوب الذي يمكن أن تتشكّل به حجرات الصهارة وتصبح خطرة. ففي موقع يلوستون وتحت سطح أرضها تتحرّك صفيحة أمريكا الشمالية التكتونية فوق دفق plume عائم من صخور منصهرة حارة لزجة القوام يصعد من وشاح الأرض(1)mantle. وهذا الدفق الحار الذي يدعى البقعة الحارة hotspot ويقوم بوظيفة حرّاق بُنزن Bunsen ضخم أدّى إلى صهر، بمقدار كاف، القشرة الأرضية المتوضّعة فوقه ليحفّز الاندفاعات البركانية الكارثية خلال الـ16 مليون سنة الماضية. أمّا في موقع طوبا بجزيرة سومطرا فيبدو أنّ أسلوب منشأ حجرات الصهارة يكون مختلفا. فهذا المكان يقع فوق نطاق الانغراز(2)subduction zone، حيث تنزلق فيه صفيحة تكتونية تحت صفيحة أخرى؛ إذ يسبّب تقارب الصفيحتين تأججا حراريا واسع الانتشار خصوصا من خلال الانصهار الجزئي لوشاح الأرض فوق الصفيحة المنغرزة.
وبصرف النظر عن منشأ الحرارة، فإنّ الضغط في حجرات الصهارة يزداد مع الزمن مع تجمّع المزيد من الصهارة فيها وتحت تأثير الوزن الهائل للصخور الموجودة فوقها. ويحدث الاندفاع البركاني الكبير بعد أن ترفع الصهارة المنضغطة القشرة الأرضية المتوضّعة فوقها بمقدار كاف لإحداث شقوق شاقولية تمتد حتى سطح الكرة الأرضية. تندفع الصهارة نحو الأعلى في هذه الشقوق الجديدة الواحد بعد الآخر لتشكل، في آخر الأمر، حلقة من المنافس vents البركانية (الاندفاعية). وعندما تلتحم هذه المنافس بعضها ببعض لا يبقى للأسطوانة الصخرية الكبيرة المتشكّلة ضمن حلقة المنافس أي دعامة تحملها. وهذا «السقف» ينهار، قطعة واحدة أو كتلا مجزأة، على ما تبقّى من الصهارة في الحجرة، مثلما ينهار سقف منزل فَقَدَ دعائمه. وهذا الانهيار يدفع نحو الأعلى وبشدة مزيدا من الغاز واللابة(3) بحيث ينفجر على محيط حلقة المنافس