كانَ هناك في قديم الزمان صيّاد له زوجة ,لم تعرف السعادة طريقها لحياته نظراً لكثرة شكوى الزوجة من ضيق الحال ,فكانت تكرر على مسامعه مراراً:
"إذا كنت لا تستطيع أن تنفق على بيتك فلماذا تزوجتني؟"
"كنتُ أعيشُ في نعيمٍ ببيت أبي والآن أنا عندك أكادُ لا أجد ما يسد رمقي"
كانت تُكثر من إهانته و توجيه الكلمات الغير لائقة له , فما كان من الصياد أن خرج ذات يوم مصطحباً أدوات صيده و عدة مهنته و أنطلق معاهداً نفسه إلا يعود و يرى وجه زوجته مرةً ثانيةً حتى يصبح غنياً, وطفق ينتقل من قرية إلى أخرى حتى بدأ الظلام يخيم ,فما كان منه إلا أن رمى بجسده النحيل عند أسفل أحد الأشجار عاتباً على حظه العاثر في هذه الدنيا القاسية,وصادف أن كانت تلك الشجرة والتي كان الصياد مستلقياً تحتها مسكناً لجنيٍ شرير لئيم يقطن فيها , فما أن رأى الجني الرجل الصياد حتى عزم على قتله و النيل منه,فخرج له و وقف أمامه كالنخلة الباسقة فارداً جناحيه و فاغراً فاه:
"سأقتلك أيها الصياد البائس,لن تفلت مني" قالها الجني وهو يقهقه ضاحكاً ...
فجأة نهضَ الصياد مستجمعاً قواه و دون أن يفقد صوابه و بالرغم من أن فرائصه كانت ترتعد من الخوف إلا أنه استدرك الموقف و رد بالقول:
"انتظر قليلاً أيها الجني , دعني أريك ما أضعه في حقيبتي هذه (مشيراً إلى الحقيبة التي يحملها) فثمة أمرٌ يُهمّك جداً أن تعرفه و موجود داخلها.!"
"ههه , أيها المسكين , وما يهمني و يعنيني أن أعرف ما بداخل حقيبتك الوضيعة" ردّ المارد بتهكم ...
"أنا أضعُ في حقيبتي هذه جنيّاً كنت قد أسرته من قبل و أنا بحاجة لجني آخر أضعه في حقيبتي و لحُسن حظي فإني وجدتك الآن " قال الصيّاد و هو يمدّ يده داخل حقيبته و التي يوجد فيها أدواته و عدته فأخرج مرآة صغيرة و وقف أمام الجني و وضعها أمام وجه قائلاً:
" هل تراه ؟ سأضعك أنت أيضاً في حقيبتي "
صدَّق الجني ما يقوله الصياد و اقتنع بحقيقة ما سمع و ما رآه فامتلاً خوفاً و قال للصياد:
" لا أرجوك, لا تضعني في حقيبتك,سأفعلُ أي شيء تأمرني به, سأعطيك كل ما تطلب "
"أنتم يا معشر الأشرار لا يُمكن الوثوق بكم,تعدون ولا توفون" أجاب الصياد
"أرجوك سيدي, ارحمني, سأحضر لك حالاً ما ترغب به وإلا تستطيع أن تضعني في حقيبتك" قال الجني للصياد متوسلاً ...
" حسناً, سأمنحك فرصة هذه المرة و أمتحن صدقك و نزاهتك, اجلب لي في الحال ألف قطعة ذهبية و إملأ بيتي بالطعام و في حال لم تنفذ طلباتي هذه سأضعك في حقيبتي" قال الصياد للجني..
رَضي الجني بشروط الصياد و مضى ثم عاد بعد وقت ليس بطويل ومعه كيساً كبيراً مملوءاً بالقطع الذهبية و سلّمه للصياد والذي قال له مُشدداً بالكلام:
"لا تنسَ أن تملأ بيتي بالطعام الكثير"
في صباح اليوم التالي عادَ الصيادُ إلى منزله مُحملاً بكنزه الثمين وأصابت زوجته دَهشةً عظيمةً لمّا رأتْ القطع الذهبية الكثيرة و انفرجت أَساريرها و رحّبت بزوجها العائد بالصيد الوفير..
في هذه الأثناء أخذَ الجني الشرير ينقل أكياساً محملةً بالطعام إلى منزل الصياد فرآه أحد أصدقاءه من الجان فسأله ماذا تفعل ؟ فروى له ما حصل معه مع الصياد..
" أيها الأحمق الغبي,لقد خدعك الصياد" قال صديق الجني و تابع بالقول:
"لا يمكنه وضعك في الحقيبة"
"لا يا صديقي.!صدقني يستطيع,تعال معي لنذهب إلى بيت الصياد لأريك"
ذهب الإثنان إلى بيت الصياد ووقفا عند النافذة ينظران إلى الداخل حيث الصياد و زوجته وعندما شَعَرَ الصياد بريحٍ تهبُّ من النافذة أدرك أن الجني قد عاد فما كان منه أن أخرج مرآته و وضعها نحو النافذة إلى الخارج في مواجهة الجني الآخر و قال له سأضعك أنت أيضاً في حقيبتي,فخاف الجني لمّا رأى وجهه في المرآة ووعده في تلك الليلة أن يُحضر له قطعاً ذهبيةً إضافيةً و الكثير من أكياس الطعام و هكذا صارَ الصيّاد رجلاً غنياً و عاش مع زوجته بسعادةٍ و سرور.
^^^^^
تمّت بعون الله