انا شاب خجول..لا اقول من طبعي..ولكن اقول عرفت هذا الاحساس,عندما بدأ يعتريني شيء من الحب..والحقيقة كنت اقيس شخصيتي على اطار المرآة..كان همي من وراء ذلك,هو تمرين النفس,وضبطها,لم يكن همي الهندام..كنت لاابالي بمظهري الخارجي..ولعل السبب انني كنت في غنى عنه..غير الذي كان يهمني ,هو كيف اواجهها..كيف اعترض سبيل هذا الحب الذي طرأ فجأة,وتملكني,وانا الشاب الذي اشتهرفي الحي,وداع صيته فعرف بالاستقامة,والرزانة,حتى خيل لاهل حينا انني اشبه بملاك,لو قيل في شخصي كلام يعتريه نقص,او ادنى شيئ يمس سمعتي لحلف الحي كله براسي..والواقع شيئ..والتصديق بمسلمات الظاهر شيئ اخر..لقد جعلوا مني ما لا استطيع تحمله..وكنت دائما عند الخلوة بنفسي..ألوم شخصي..كما ألوم اهل الحي..حتى انني في احد الايام لكثرة ما تعرضت له من ضغط بسبب هذه الامانة التي لاتستطيع الجبال حملها,اصبحت انا مكان هذه الجبال اتحمل كل وزر ظنون كل الجيران..واحيانا عندما تكون الاعصاب قد هدأت ,وسكت مني الغضب,ولم اعد الوم احد..اشعر ,وانا اعيد هذه المدائح..وثقة اهل الحي..كأنني من اولياء الله الصالحين..فينتابني شعور غريب..وتقشر شعيرات بدني على قلتها-حتى لا يذهب ظن البعض اني مشعر الجسد-فانا في هذه الحالة,استطيع ,ان اصبح من الاجسام الطائرة,التي تحلق في كبد السماء ,ولاتستطيع رادارت المراقبة ضبط سرعتها المتناهية..ولعلني في حالي هذا ,اشبه الى حد ما ,تلك الطائفة من الصوفية التي تدعي انها بمقدروها ان تحقق المعجزات..نعم المعجزة الوحيدة التي اشعر بها وقد فقدت مقود الوعي هي انني اسبح بخيالي خارج البيت حتى اصل الى باب دار المحبوبة..
فمثلي في هذه الاحوال, هو اقرب الى حالة الهديان..ان لم يكن الجنون بعينيه ورجليه..احيانا عند فقدان الوعي يستطيع الهديان ان يتحول الى كائن يسير..وكثير من النفسيين ومما بحثوا في هذه الظاهرة,اعتبروها من الوعي الباطني..وفسروها ,ان الانسان في هذه الحالة,شبيه بما يصيبه من الاحلام التي تتسرب الى علقه الباطني..ياريت تكون من العقل الباطني,على ان تكون شيئا اخر..عندما استوي..و قد انهيت حواراتي مع المرآة ..وهي لاتعدو سوى مخاطبة وجهي لااكثر ولا اقل..فهو شيء مألوف بامكاني ان ابوح له, بل ان اتحدث له بكل جرأة,فما ينقصني الا هذه الجرأة,فهي عدوة الخجل,وهي اخت الثقة,فان ذهبت,غشيك الخجل..وذبلت امام الحب كما تذبل الوردة المحتاجة للماء,او التي من فرط ما اشربت من الماء..
لا اعرف كيف اصور لكم هذا الاحساس الاولي الذي انتابني دون سابق انذار,حين دخلت الى الفصل..وتقاسمت معها نفس المقعد..ولولا استاد القسم الذي اشار علي آمرااياي بالجلوس الى جنبها,ما انتبهت اصلا لوجودها..لكم من مرة, لكم ان تتخيلوا لحظة حدث التماس بيني وبينها..كيف كان شعوري حيالهاوكيف تمثل هذا الشعور في دواخلي,من شدة التوتر,تصورته كالحدود بين المانيا وفرنسا التي اشتعلت من اجهلها الحرب العالمية الاولى, والثانية,وها هي على وشك ان تشتعل مرة ثالثة بيني وبينها حرب البسوس..او حرب 100 سنة بين انجلترا وفرنسا..
ما حد من هذه المشاعر الدافقة..وهذه الاحاسيس المزمجرة ,غيرصوت الاستاد,قاطعا حبل تفكيري الغارق في ردهاته..
قال الاستاذ معتقدا في نبرته, متسائلا في لهجته:اظن انكم هيئتم بما فيه الكفايةالاجابة عن سؤال الامس؟
وقع علي السؤال كما لو ان شخصا كان نائما في سبات عميق ,ثك فجأة وجد نفسه مستيقظا..
في هذه اللحظة ظننت انني معني انا ايضا بهذا الكلام..ترى هل الحبيبة في صورتي المخجلة تعرف الجواب,هكذا رددت هذا الصوت في نفسي ..كانت نظراتي مستقرة على اتجاه واحد حيث الاستاد والسبورة..
في هذه الحالة شعرت كأنني فقدت الحركة..كل التلاميذ يتحركون, ومنهم من كان يقف,ومنهم من كان في حركة الذهاب والمجيئ,فيأتي بعضهم من اول الصف,ويصل الى آخر الصف..ولايبالي ,هل هناك استاد ام لا..
الا انا كنت رغم استطالتي في الغيبوبة والخيال..استشعر الاستاد ,كما استشعر بحساسية فارطة الفتاة التي بجنبي ,والجالسة حيث اجلس, ولكنني لا استطيع ان ادير نحوها وجهي..فقط هي العبرات تعبر مني اليها في صمت وباحاسيس خفية,كما لو انها صواريخ عابرة للقارات..كانت متدفقة,مسترسلة..فيها شيء من العتاب..وفيها كثير من الحب..
وسرعان ما تبدل المشهد الروتيني الى مشهد جذاب,مشهد كان في البداية ثقيل..وجه متجمد على لوحة السبورة واحيانا على حركات الاستاذ,وهذا اكثر ما استطيع فعله..فالحب الذي اصابه الخجل في مقتل..لاشك انه حب يترنح مثل ديك مذبوح..لايستقر..بل هو اصلا جامد..مستقر..
الجديد في هذا المشهد الطارئ ,هو صوت فتاتي ..انه صوت لاول مرة اسمعه عن قرب.. خيل الي انني اسمع صوتا من الجنة..رقيق ..كله محنة..كله حلاوة,وعلى قول الشامين عليه حليوة, انني احتاج الى هذه المحنة..فانا مثل اليتيم المحروم..الذي طال علي الزمن وقسى..وحين سمعتها لاول مرة بهذه النبرات..وبهذه اللهجة الانثوية.. خفق قلبي,وطار فؤادي ,وخفت ان اطرد من الجنة التي ..اصبح خوفي اكثر من ان اتعرض في اي لحظة للطرد من القسم..فقط لانني بدأت ارتجف..لقد تحول الخجل فجأة الى خوف ,ورعب..
حاولت ان اتمالك نفسي ,واضبط ساعة نحسي,وازداد هذا من سوء حظي عندما توسع تفكيري,وانشغل ظني في من حولي,حتى اعتقدت ان الكل يراقبني...
كنت خائفا..صدقوني كانت كل احاسيسي ومشاعري قد اختلطت بالخوف..فلم اعد اميز..,هل انا خائف ام انا عاشق؟حتى ملابسي,شعرت انها من فرط افرازات الجسد تبللت,مثل انسان تعرض لوابل من الامطار..
وفي غفلة من لحظات هذا المشهد,مالت الفتاة قليلا نحوي,فهمست في اذني,برنة صوت ملائكي:
اعرف انك تطاردني,واعرف انك تحبني,وانا ارمقك من بعيد,كما ارمقك من قريب..
اذا كان اول انسان يشعر بذوبان ثلوج القطب الشمالي,فلن يكون الا انا..اعوذ بالله من قولة انا..
حاولت ان استدرك ما قالت ,بجزء من كلامها,لقد جاءتني الفرصة بين يدي,فلماذا لاأسألهاانا كذلك وقد ذكرت حبي لها,ان كانت هي ايضا تحبني..
ولكنها لم تعطني فرصة الحديث..واكتفت بان مررت تحت يدي ورقة صغيرة..حينما ابصرتها..وجدت عليها كلمة"احبك انا ايضا"
بعدها رايتها تقف وهي ترفع اصبعها السبابة ,مشيرة الى الاستاد,كانت تبدو انها جادة في الرد على السؤال..
ويظهر ايضا من حالها,انها تشبهني,فمن خلال النظرة,تبين لي انها التلميذة الاولى في الفصل..
ملاحظة :للاخوة انني اكتب اي شيء دون تهييئ مسبق..اقصد اكتب مباشرة منذ الوهلة التي ادخل فيها الى المنتدى,لماذا اقول لكم هذا الكلام ربما تعتري كتابتي بعض الاخطاء الاملائية او شيء من هذا القبيل