| ليس متوقعا أن تحقق الصين قفزات واسعة على صعيد التنمية في المستقبل القريب. والحكومة الصينية في بكين تتبع سياستها الاقتصادية على هذا الأساس، من أجل تفادي أي مؤشرات متفائلة تؤثر سلبيا في الحالة العامة. ويبدو واضحا، أن المشرعين الصينيين يعملون، وفق المعطيات الموجودة فعليا على الأرض، على الرغم من أن الاقتصاد الصيني سيحقق هذا العام نموا كبيرا، وفق التوقعات المرصودة، مقارنة ببقية الاقتصادات الرئيسة الأخرى، وإن كان هذا النمو أقل بكثير مما كان عليه في الفترة التي سبقت جائحة كورونا، وأن النمو في الاقتصادات الكبرى، سيبقى متواضعا ربما حتى منتصف العقد الحالي، نتيجة الضغوط التي لا تزال تواجهها، في وقت تظل فيه هذه الضغوط موجودة في الاقتصاد العالمي لفترة لن تكون قصيرة.التنمية في الصين تصطدم بثلاث عقبات، وفق المشرعين في بكين، في مقدمتها انكماش الطلب العالمي، لأسباب معروفة ترتبط مباشرة بالمشكلات الاقتصادية الراهنة للدول المستوردة من الصين، ولا سيما مواصلة زيادة أسعار المستهلكين فيها، أو بقاءها عند مستويات عالية. إلى جانب طبعا صدمة العرض في الوقت الراهن، مع ضعف التوقعات. ويعتقد المسؤولون الصينيون أنه لا بد من مواجهة هذه العوامل من أجل ضمان العودة إلى مستويات تنمية مقبولة على مستوى البلاد كلها. والمشكلة تتعمق بعض الشيء في البر الصيني، مع تراجع العمالة في المناطق الحضرية، للمرة الأولى منذ ستة عقود، وهذا مؤشر مزعج وانعكاسه سلبيا على صعيد الاقتصاد، إلى جانب تراجع نصيب الفرد من الإنفاق، بتأثيرات مباشرة من القيود الصارمة، التي فرضتها الحكومة في بكين، لمحاصرة الآثار التي تركتها الجائحة العالمية.ولا شك في أن هذه القيود كانت السبب الأول والأهم في تراجع توقعات النمو، على الرغم من أن النمو في الصين سيشكل، وفق المؤسسات الدولية المعتمدة، محركا أساسيا للنمو العالمي بمساهمة تصل إلى أكثر من ربع هذا النمو بنهاية العام الجاري. وقد تركت القيود الصحية آثارها، التي تتطلب التحرك في كل القطاعات من أجل تأمين مستوى نمو مقبول للحكومة، التي وضعت حدا أدنى له عند 5 في المائة، لكن لا يبدو أنها ستحقق هذا الهدف في العام الجاري على الأقل. لكن المسألة لا ترتبط فقط في بلد كالصين، فمهددات النمو أصابت "ولا تزال" دولا كبيرة وعديدة، من بينها الولايات المتحدة التي بات الحديث يتزايد فيها عن إمكانية انزلاقها إلى دائرة الركود، على الرغم من بعض التوقعات، التي تشير إلى إمكانية أن يحقق أكبر اقتصاد في العام نموا هذا العام يصل إلى 1.4 في المائة.ولا شك أن الاقتصاد الصيني يمكنه أن يتجاوز المرحلة الراهنة، ولكن بمدة زمنية ليست قصيرة. فالعودة إلى النمو الذي كان قبل كورونا ممكنة على المدى الطويل. والأمر لا يتطلب حراكا قويا جديدا على الساحة الصينية فحسب، بل يستدعي أيضا ضرورة عودة الطلب العالمي إلى ما كان عليه في العقد الماضي. وهذا الطلب ما زال دون المستوى، نتيجة الضغوط الاقتصادية المختلفة في هذا البلد أو ذاك. والتنمية في الصين وغيرها من الدول، التي تسعى إلى نمو معزز للحراك الاقتصادي بشكل عام، لا يمكن فصلها عن الحالة الاقتصادية العالمية، التي لا تزال تمر بمرحلة من عدم اليقين، رغم بعض المؤشرات الإيجابية، التي ظهرت أخيرا، بما في ذلك تراجع الاضطراب في سلاسل التوريد، والإبقاء على مستويات مرتفعة للفائدة لكبح جماح التضخم.-- الاقتصادية |
|