(( أنا أختبرك فقط أعرف أنك لا تخاف و لا تفزع ، دعني أذكرك فقط أن الخوف شعور طبيعي .......لذا يجب عليك أن تخاف ))
.....
تواصل المركبة الرباعية الضرب في غربة الأرض و الضرب في ظلمة الليل تنتاب الراقي مشاعر بين خوف و جزع بين أمل و رجاء ، لم يحس أنه بحاجة إلى الدعاء حاجته له الليلة
_ انتهى دوره ، أتدري منذ متى و هو بعيد عن قريته و أهله فقط منتظرا لحظة أن تحدثه حديث الجمار ؟
_ أنا "جوير" من قرية مغربية تسمى ريني ، منذ وعيت على الدنيا و أنا فيها ، أنا خادم كغيري من الجن
أحس الراقي بقشعريرة تسري في جسده و ازداد نبض قلبه و كاد يغمى عليه من وطأة الكلام
فجأة انتفض السائق، أوقف محرك السيارة و تحول إلى حيوان لقد كان أبشع كلب أسود رآه الراقي في حياته
أغمي على صاحبنا فقط من حدة نظرة الكلب و من كلامه بدل نباحه ، من يصبر على موقف كهذا في ليلة مظلمة وسط صحراء غريبة
مضت لحظات طويلة قبل أن يستفيق صاحبنا على أصوات و لغط ، محرك السيارة متوقف و لا أثر للسائق ، خيالات و هالات تدور حولها و غبار يتطاير أصوات منكرة و ضحكات عالية و بكاء ، عواء صياح ، ثغاء نهيق و نباح ، أمسك الراقي برأسه و وضع أصابعه في أذنيه و استسلم لما هو آت ، فجأة سكت كل صوت و توقفت كل حركة و ساد السكون و الهدوء فلا يكاد يسمع إلا همس أصوات بعيدة و تبتعد .
يكلم الراقي نفسه : لن أخرج من السيارة حتى الصباح و سأنتظر ، كان الصبح قريبا لكن صاحبنا المنهك لم يتحمل و أخذه النوم لم يستفق إلا مع أول شعاع للشمس يداعب جفنه المتعب ، ينظر حوله فلا يرى إلا قطيع من العنز تركض باتجاهه و تمر من حوله يتبعها راعيها ....
..........................................
(( لا يغرنك مظهري ربما أنا شخص آخر ليس من تظنه .... كن حذرا دوما في تعاملك معي ....))
......
حين دلف الراقي مع الباب الكبير للزاوية و اجهته قاعة كبيرة هي للصلاة و القراءة ، جمع غفير من الطلاب و الزوار يغلب اللباس الأبيض على أكثرهم ، يتوسط المشهد هناك تحت المنبر شيخ حوله هالة من نور ، يكلم طالبا و يبتسم له ، حين رفع بصره و نظر تلقاء الباب ، التقت عيناه بالراقي ، قام من مقامه فسكت الجميع و ساد الهدوء ، يبدو أن
الشيخ لا يقوم من مقامه إلا لأمر مهم
_مرحبا بالضيف ، مرحبا بالشيخ و مرحبا بمن معه
_ السلام عليكم ، و لكن لا أحد معي يا شيخ!
_ و عليكم السلام و رحمة الله
و يبتسم الشيخ ،
_لست وحدك
_ لا علينا يا شيخ فقد رأيت العجب اليوم المهم أنا محمد يوسف ،
_ و أنا الشيخ مستور الوزان و أنت و من معك في ضيافتي
_ اشكرك يا شيخ
أنت متعب من السفر ، خذوه للمضيفة و ليقدم علينا بعد أن يرتاح ، و التفت إلى جانبه الأيسر و كأنه يكلم شخصا بجانبه
_ حتى أصحابك سيكونون في ضيافتنا في الجهة الأخرى
_ أشكرك على كرمك سيدي
مضى الراقي رفقة بعض الطلبة إلى منزل مجاور فيه كل سبل الراحة ، تناول طعامه و أدى صلاته و استسلم لبعض النوم و الراحة فقد كان يومه شاقا .
جلس الشيخ مستور إلى طائفة من الجن يحدثهم لم يكن غيره يراهم ، كان بعضهم رفقة الراقي طوال رحلته و بعضهم قادم من أمكنة أخرى
قال قائل منهم :
_ سبحان الله...... و الله لو لا أني رأيت سيدنا سليمان يسقط بعد أن أكلت الدودة منساته لقلت أنه لا يزال حيا
فرد آخر
_ و لولا أننا شهدنا دفنه لقلت أن الله أحياه
_ يا سيدي الشيخ أنت تشبهه كثيرا
_ لعلك من أحفاده
لم يتكلم الشيخ و لم يرد عليهم ، كان يقف على رأسه حارساه جوير و صوبر ، فلا يجرأ أحد على الإقتراب منه أكثر مما سيمح به هو ، كان هناك غير بعيد عن المجلس جني يافع تظهر عليه علامات القوة و العلم كان ملازما للصمت ، أشار إليه الشيخ أن يتقدم
_ من أنت و ما علاقتك بالراقي ؟ و لما هو هنا ؟
_ أنا الفارو قائد حرس سيدي جوسر ملك البر و البحر ، أعرف أنك سمعت عنه و أنك تعرفه ، فحارساك من خيرة جنوده
_ أعرفه و قد سمعت أنه شارف على الفناء !
_ اكتم الخبر سيدي ، فالمسألة كلها تتعلق بهذا الأمر
_ أقصص علي القصة كاملة
_ لكنك تعرفها !
_ أريد أن اسمعها منك ، و أريد أن يسمعها هؤلاء أيضا
_ في عهد سيدنا سليمان أخطأ سيدي الجوسر الأول فعاقبه النبي بأن جعله حارسا أبديا لكنز بلاد الغرب افريقية و أغلق عليه و عائلته أبواب المغارة و عين عليه حراسا من أقوى الجن و أوفاهم و أصدقهم و .....
_ قبل أن تكمل أريد !!!! أن يستمع الراقي لحديثك
خرج الشيخ من باب الغرفة و أرسل في طلب الراقي ، أحضروه و إن كان نائما فأيقظوه ، لم يمض وقت طويل حتى دخل الراقي على المجلس ، تعجب أول الأمر من المنظر لكن وجود الشيخ طمأنه ، وجد الشاب جوير و بائع الشاي و وجد الشاب سليم الذي تركه في مدينته و شخصان آخران لم يعرفهما
_ هذا هو الراقي مفتاح كل المسألة يقول الشيخ مستور
_ أية مسألة و أي مفتاح ؟ يسأل الراقي
_ ستفهم كل شيء حين ينهي الفارو و من معه قصصهم ، أنت الآن في حضرة الجن و أنا و أنت البشر الوحيدين في الغرفة ، و لا يمكن لأحد سوانا رؤيتهم ، أما السبب فلا أعرفه لحد الآن ، اسكت و استمع
أكمل يا الفارو
_ كان يجب أن يطلق سراح سيدي الجوسر الأول بعد وفاة سيدنا سليمان لكن الحرس على المغارة لم يسمحوا لأحد بالاقتراب ، فهم لم يصدقوا أن سليمان يمكن أن يموت
_ و أين هو الجوسر الأول اليوم ؟
_ مات الجوسر الأول و تولى ابنه الجوسر الثاني الملك بعده و هو مسجون في مغارة قرية ريتي بالمغرب و عرشه هناك و لا يمكنه الخروج منها بوجود الحرس ، فقد توارثوا الحكم و حتى أبنائهم لا يسمحون بخروج آل جوسر
_ و مالمطلوب منا ، أنا و الراقي ؟
_ أنت تشبه النبي سليمان كثيرا و قد أحضرت هؤلاء ليشهدوا ، نريد أن تأمر الحرس بالانسحاب و أن تسمح بالتالي للملك بالخروج
_ لكنها مخاطرة
_ هي كذلك لكن اعلم أن عدم خروج الجوسر جعل مردة الجن يقومون بتمرد ستكون عواقبه وخيمة على الجميع
_ أنا لا أعدك بشيء ، لكن ما دخل الراقي ؟
_ هل عملت في شبابك في مدينة بالشمال
_ نعم فعلت
_ ألم تتزوج و تترك خلفك زوجتك ؟
_ بلى فعلت ، رفضت العودة معي فطلقتها
_ كانت حاملا و الراقي ليس سوى ابنك ، ألا ترى أن له نفس عينيك و أنه الوحيد الذي يملك قدرتك على رؤيتنا و الحديث إلينا ......
((..كنا نلعب فقط لكن اللعبة تحولت إلى مأساة ...))
..........
نظر الشيخ مستور إلى الراقي .... أول مرة يراه بعين القرب لا بعين البعد
_ هو يشبهني فعلا ، عيناه كعينا أمي ، كعيني ، هل يمكن أن يكون إبني فعلا ؟
نظر
إلى الفارو نظرة أخرى غير التي كان ينظر إليه بها قبلا :
_ أنت تعرف ما يمكنني فعله بك ؟
_ أعرف ، و أنا صادق ، أنت تعرف أنني لا يمكن أن أكذب عليك
_ أعرف ، و بما أنه إبني فأنت تساومني به ؟
_ نعم سيدي ، نحن لا نقدر عليك لكن يمكننا أن نؤذيك من خلال إبنك
_ تعجبني صراحتك ، سأقبل عرضك لكن عليك أن تحذر مني بعد أن ينتهي كل هذا
_ أريدك أن تنقذ سيدي الجوسر و بني قومي و بعدها أنا خادمك الأبدي.
..... خلال كل الحوار كان الراقي ينظر و يسمع و لا يتكلم كأنما ربط لسانه ، تعجب من كونه ابن الشيخ مستور و تذكر كيف أن أمه أخبرته أن أبوه قد توفي و لم يسألها يوما عن اسمه الثاني .... كان مصابا بشرود ذهني و انفصام ، هو لا يعلم ماهو دوره بالتحديد ، لكنه الأن فقط فهم لما طلب الفارو منه أن يحضر الشيخ لبلدتهم ، هناك أمر ما اكتشفه الشاب سليم و صديقيه خلال بحثهم عن الكنز بالمقبرة القديمة
_ هل للمقبرة القديمة علاقة بالموضوع ؟
_ أيةمقبرة ؟ يتساءل الشيح مستور
_ نعم المقبرة هي بوابة المغارة البعيدة من ناحية الشرق ،
يرد الفارو على سؤال الراقي و يواصل حديثه :
كان الشاب سليم و صديقين له يتبعان إشارات وضعها الأسلاف ليعرفوا بها مدخل المغارة الشرقي ، استطاع الشباب المرور على الحارس الأول دون أن يحس بهم ، لكن الحارس الثاني اكتشف امرهم و لولا أن تدخلت و انقذتهم لكان قضى عليهم كما فعل بالكثير من الإنس و الجن قبلهم ، انا اعرفه شخصيا وقد سلمهم إلي و اشترط أن أعاقبهم و قد فعلت .... و سيكون حسابهم عسيرا إذا لم ينجح الشيخ في اقناع الحراس بأنه سليمان النبي
_ هذا الأمر خطير جدا ، لو اكتشف أمرنا هلكنا جميعا
_ لا تخشى شيئا ، كل ما عليك فعله هو الوقوف حيث كان سليمان يقف و ترفع عصاك كما كان يفعل ، هم ينتظرون بفارغ الصبر هذا اليوم و سينسحبون فورا من مواقعهم
_ و أين سيذهبون ؟
_ سيكونون في خدمتك
_ لا أريدهم
_ إذا وجه عصالك ناحية الشرق و اضرب بها الأرض ، سيتفرقون في الأرجاء و لن تقوم لهم قائمة و هم متفرقون ، سنحميك منهم في حال فكروا في العودة
_ أشترط أن تخلو سبيل الشباب أولا و أن يعود ابني إلى بلدته و يكون له خمس حراس من نخبة الملك قبل أن أقوم بأي شيء
_ لك ما طلبت و قد نفذ الأمر
في بيت الشيخ سليمان يجلس مع الراقي و إبنه سليم ، يبتسم الأب فرحا بعودة عقل إبنه إليه
_ الحمد لله ، أشكرك يا محمد على مجهوداتك و إن كنت لم أفهم كيف فعلت كل ما فعلت
_ لم افعل شيء ، المهم الحمد لله على سلامته
_ لقد كنت في عالم آخر ، لقد كنت في .....
أشار الراقي إلى سليم بالسكوت فسكت و خرج إلى بيته ، حين وصل وجد حقيبته أمام الباب و إثنان من الحراس ينظران إليه و يبتسمان .
........................................
بعد ثلاثة اشهر جاء أحد الحراس و همس في أذن الراقي
_ سيدي إن الشيخ مستور قادم لزيارتك
قام الراقي و استعد لاستقبال أبيه ، أعد له الضيافة و خرج مع حارسيه إلى خارج البلدة :
_ السلام على أبي و رحمة الله
_ و عليكم السلام
، الحمد لله على سلامتك خشيت عليك من الأمر
_ الحمد لله ، تم الأمر كما تمنيناه ، و هاهو الفارو في رئاسة الحرس عندي
_ كيف حالك الفارو ؟
_ لا يمكنه الرد عليك ما لم أسمح له أنا
_ الحمد لله سيدي لقد أنقذنا أبوك و أنقذ الجميع معنا ، ترك الحراس مواقعهم و خرج سيدي الجوسر الثاني و هو على عرشه اليوم و قد طلب من سيدي أن يزوره و أنت معه
_ نعم يا ولدي ، فهل توافق على زيارة الجوسر الثاني ملك البر و البحر ملك الجن ؟ سأسافر له بعد يومين
_ أنا طوع أمرك يا أبي
......................انتهت
الى موعد آخر .
عنتر .
...........................................