الياقوتة
ظل يبحث عن الياقوتة
منذ أن وافاه طارق في الحلم
وأماط له الغطاء عنها
قائمة وسط الطست
في عنفوان
تتحدى عين كل مشاهد
أن يعثر بها على شعرة نقص واحدة
أو ثلمة تبخسها قدرها وتحط من قيمتها.
وزاد تصميمه على نيلها عندما تكرر الحلم ذاته أكثر من مرة.
وهو قد تشبع من ثقافته الشعبية بحقيقة لا يشك فيها إنسان
هي أن الحلم إذا تكرر عدة مرات،
فإنه يدل على صدق ما يقدمه للحالم
وأنه متحقق لا محالة في دنيا الواقع
إن تم التوفيق في العثور على السبيل المؤدية إلى نيله.
وهو قد ألم إلماما تاما بالجوهرة،
وامتلأت نفسه بألوانها الوامضة،
وإنها لتكاد تنطق كلما قرب ناظريه منها
لمزيد تدقيق والتثبت من سائر ما يميزها من دقائق وتفاصيل.
لكن الحجرة الكأداء التي كانت تنتصب في طريق بحثه
وتسد في وجهه كل متنفس للعبور نحو الهدف المنشود
ظلت تتمثل في امتناع الحلم عن تقديم أية إشارة توصل إلى المطلوب.
لا شيء؛
فهو الطست أمامه،
فوقه غطاؤه المعدني الملتمع،
ثم يد تتقدم وئيدا إلى أن تأخذ بأعلى الغطاء
فترفعه بشكل مسرحي
وكأنما هي تتعمد أن تنشر التشويق للاطلاع على الموجود،
وتبرز الياقوتة في حجم بيضة النعامة،
لم يسبق له أن رآها من قبل في صورة أو شريط سينمائي،
ولا هو اطلع على وصف لمثيلتها في صحيفة أو كتاب.
ياقوتة فريدة تأخذ بلب المشاهد
وتتلامع الوُجيهات الصغيرة التي تغطي سطحها الكروي
فتوشك أن تصيب الرائي بالدوار.
وظلت الجوهرة تملأ عليه أقطار تفكيره طيلة ساعات النهار وأطراف الليل.
ولم يجرؤ على مفاتحة أي ممن تشابكت خيوط حياته بحياتهم
بهذا الذي استبد بلبه وأصابه بطول السكوت ودوام التأمل.
والحق أن الحل إنما يكمن دوماً في المنبع..
وذاك ما ظل ينتظره طيلة الليالي التالية.
وكان أن حدث في أثناء حلم أن خرجت الجوهرة من مكمنها
وكبرت حتى ساوت قامته،
ثم في لحظة خاطفة انفرجت،
كزهرة تتفتح بسرعة،
وسقط طرفاها كجناحي طائر عملاق،
وانكشفت عن صورة مضبّبة لشخصين واقفين
سرعان ما تبين فيهما والديه
مرتديين لباس الحج،
فكبَّر واقترب منهما ثم ارتمى عليهما فتبادل الثلاثة العناق.
بعد أسابيع، تدبر حاله،
ونظّم لوالديه رحلة اعتمار إلى الديار المقدسة..
وفي المطار،
وفي المطار فقط،
قصّ عليهما تفاصيل الحلم المتكرر،
واستشفافه لدلالته،
فعانقاه مجدداً،
وغمراه بقبلاتهما،
واللسان منهما
لا يكف عن الدعاء له
بالرضى
والرضوان.