
مقارنة أعمال فنية مختلفة ببعضها البعض ليست بالأمر السهل كما نفترض دائماً. وخاصة عندما نتحدث عن أفضلية وتفوق عمل فني على الأخر. هنا يجب في البداية طرح السؤال التالي: هل الأفكار التي يتم تقديمها والعمل عليها في عمل فني معين تأتي من العدم؟ أم إنها نتاج ما تم تقديمها مسبقاً في أعمال فنية اَخرى بحيث إن العمل الفني الجديد الذي يبني على أفكار سابقة لا يقلد ويكرر هذه الأفكار فقط (وإلا سيكون مصيره الفشل كما هو الحال مع العديد من الريمكس) وإنما يطورها ويأخذها إلى مستوى جديد (لهذا السبب في الكثير من الأحيان لا يكون ريميك فاشل سوى دليل على محدودية العمل الأصلي والأمثلة هنا كثيرة من سلسات مثل سيد الخواتم وحرب النجوم).
ملخص الحديث هو أن الاستقلالية التي نفترض وجودها بين أعمال فنية مختلفة (والتي من خلالها نحكم على أفضلية عمل ما مقارنة بالاَخر) لا تكون موجودة دائماً. كمثال: بيتر كول استفاد من الكثير من الشخصيات التي قدمها بريكينغ باد من بينها سول وغاس ومايك ومن جهة اَخرى كان مقيد في جوانب كثيرة كونه سيكول لبريكينغ باد ولا يستطيع أن يحسم مصير الشخصيات بشكل مستقل عما رأيناه في المسلسل الأول. ولذلك الأفضلية أو الضعف الذي نفترض وجوده لا يكون بالمعنى السطحي الذي نتصوره وإنما هي سوء أو أفضلية مبنية على (عدم) تكملة أو تطوير ما هو موجود مسبقاً. وهنا نصل طبعاً إلى صلب الموضوع: حتى نبين كيف نجح مسلسل بيتر كول سول في تقديم نهاية أفضل من نهاية البريكينغ باد يجب أن نحلل أولاً المسلسل الأصلي ونبين نقاط ضعفه وكيف بنى مسلسل بيتر كول سول على نقاط قوة وضعف بريكينغ باد وطورها إلى الأفضل.

لو يمكن تلخيص فلسفة المسلسلين في جملة واحدة فستكون: ليس هناك شخصيات شريرة أو طيبة. وهويتنا الشخصية مبنية على القرارات التي نتخذها والعوامل والأشخاص المحيطين بنا. ولذلك مع اختلاف هذه العوامل والظروف ستختلف هويتنا وأهدافنا كبشر. الاَن مسلسل بريكينغ باد كان يبدو في البداية بأنه ماشي على هذا المبدأ: والتر وايت كان شخص بريء ولكن بعد اصابته بالسرطان وتدهور حالته المادية اضطر للدخول إلى عالم الإجرام وتحول إلى شخص شرير وهذا ما شاهدنا بشكل تدرجي حتى الموسم الأخير. كل هذا تم تصويره بشكل درامي مذهل جداً لم يصل إليه أي عمل فني اَخر. ولكن المعضلة الكبيرة حدثت مع النهاية. وكما نعرف النهاية لها وزن كبير جداً في تكملة رحلة شخصية معينة. الاَن كان هناك مبدئياً ثلاثة سيناريوهات كان من الممكن إنهاء المسلسل معها:
1. والتر وايت يكفر عن ذنوبه التي ارتكبها (وهي كثيراً جداً طبعاً) ويتحمل مسؤولية أفعاله. مبيناً إنه ليس فقط شرير في نهاية المطاف، ولكنه قادر أيضاً على القيام بالخير.
2. نهاية مفتوحة يُترك فيها للمشاهد تفسير النهاية المناسبة لشخصيته (وهذا بالنسبة لي كان سيكون الخيار الأنسب والطريق الذي سلكه مسلسل بيتر كول سول، ولكن سأتحدث عن ذلك بشكل أوسع بعد قليل)
3. والتر وايت ينحدر أكثر في طريق الشر.
بداية السيناريو الأخير واضح بأنه يتعارض مع فلسفة المسلسل. لأننا تتركنا مع استنتاج وحيد لا بديل عنه: والتر وايت كان من البداية التجسيد الحقيقي للشر والشخصية الطيبة التي شاهدناها في البداية لم تكن سوى وحش تم قمعه من قبل المجتمع وينتظر للحظة المناسبة لكي يخرج ويفرض نفسه.
الاَن السيناريو الأول هو الذي تم تقديمه كختام للمسلسل، ولكنه كان يحوي على مشاكل عديدة. أولها هي بأن والتر وايت ارتكب شر كبير جداً في الماضي، ولكن ما شاهدنا في النهاية لم يقترب اصلاً لفكرة القيام بالخير والتكفير عن أخطاء الماضي والتحول إلى شخص أفضل. ربما كان يجب في البداية التخفيف من أفعال هاينزبيرغ الإجرامية حتى تكون نهاية مثل هذه مقنعة أكثر. ولكن ما شاهدنا في النهاية المطاف هو والت يحقق كل ما كان يريده بدون أن يتقبل بأن ما كان يحاول أن يفعله (تمويل عائلته بعد موته وهذا كما عرفنا في النهاية لم تكن إلى زريعة لتحقيق هدف شخصي) كان هدف يجب عليه التخلي عنه في النهاية والاعتراف بأنه كان خطأ ولا يوجد هناك ما يصححه سوى ذلك. ولكن للأسف كل هذه النقاط لم نشاهدها في نهاية المسلسل.

وهنا نأتي طبعاً إلى مسلسل بيتر كول سول الذي كان واضح في البداية إنه يسلك نفس طريق مسلسل بريكينغ باد فيما يخص بناء طريق الشخصية الرئيسية: لدينا جيمس ميغيل محامي موهوب ولكنه مقيد بعلاقات وقيم أخلاقية معينة تمنعه من تحقيق وتطويره نفسه. وهذا الأمر تم تجسيده بشكل واضح مع نهاية الموسم الأول من المسلسل حينما كشف جيمي عن حماقة ما قام به: التخلي عن الملايين من الأموال من أجل إرضاء كيم وقضاء وقت طويل في حياته وهو يتكفل بأخيه تشاك على غرار يومي الذي خانه في نهاية المطاف. ولكن هذه الصورة سرعان ما قام المسلسل بالتخلي عنها مع بداية الموسم الثاني وهذه كانت اللحظة التي نجح فيها المسلسل في الخروج عن فخ التكرار وتقديم قصة مختلفة تماماً عما شاهدناه في بريكينغ باد (أو القصة التي لمحت لها النهاية على الأقل لأننا لا زلنا قادرين على إيجاد عوامل مشتركة كثيرة في الموسم الأولى من المسلسلين):
الصراع الذي يعاني منه جيمي ليس سببه عوامل خارجية تؤثر عليه وإنما هو صراع داخلي له علاقة بسؤال حول الهوية ولكن بشكل يتجلى في علاقته مع أشخاص من حوله.
الاَن توجه مثل هذه في التعامل مع الشخصية الرئيسية له تداعيات كثيرة. أولها هي إنك لا تحتاج إلى أحداث تراجيدية مبالغة فيها حتى تفسر الخيارات التي تتخذها الشخصيات الرئيسية في المسلسل وهذا يجعل القصة بسيطة وواقعية أكثر. والت شاهدنا مثلاً في البداية كمدرس للكيمياء تعرض إلى السرطان ويملك مشاكل مادية وابن معاق ومسيرة مهنية فاشلة الأمر الذي سببه في الدخول إلى عالم الإجرام. مع بيتر كول سول الموضوع بسيط أكثر سواء مع جيمي أو كيم فالصراع الرئيسي الذي يعانيان منه طوال المسلسل هو ان كلاهما لا يعرفان ما هو العالم الذي يريدان أن ينتميا إليه. هل هذه الحياة التي أريد أن أعيشها؟ وهل القيم والأهداف التي أتمسك بها تستحق كل هذا العناء؟ هذه أسئلة أتوقع كل شخص منا طرحها لنفسه والمسلسل صورها بشكل بسيط ومتواضع، ولكن مع ذلك بتأثير درامي مذهل جداً. وكون جيمي وكيم يتعرضان لهذه المحن وهما شخصان يمارسان المحاماة (مهنة لا تعرف سوى منطق الأبيض والأسود) فهذا يضيف واقعية أكثر إلى القصة مقارنة بأستاذ كيمياء بريء لم يرتكب أي جريمة في حياته يتحول فجاءة إلى مجرم. الاَن بما أن الصراع الذي تعيشه الشخصيات الرئيسية داخلي بدرجة أولى فمن المنطقي بأن نهاية شخصياتنا ستأتي من خلال قرار شخصي أيضاً وهذه ما حدث تماماً في النهاية حينما قرر جيمي/سول/جين أن يتحمل مسؤولية أفعاله ويكافح من اجل الشيء الوحيد الذي يستحق التضحية.. وهذا الشيء بالنسبة له كان شخصاً وهي كيم.
النهاية هنا منطقية وتتناسب مع القصة والشخصيات التي شاهدناها بعكس ما حدث مع البريكينغ باد وسبب غياب نهاية كهذا عن المسلسل الأصلي هو برأيي الشخصية الخلل في الموازنة بين العوامل الخارجية التي تؤثر على شخصية والتر وايت وقدرته الشخصية على تكوين شخصيته وقراراته بمنعزل عن هذه العوامل أو بشكل يؤثر فيها ويغيرها حتى.أي أن والتر وايت بدا في النهاية كشخص مغرور منفرط بحب الذات لا تؤثر فيه الأحداث سوى بتعميق هذا الجانب من شخصيته بدون أي قابلية من جانبه للتغيير. من جهة اَخرى في بيتر كول سول شاهدنا شخصيات تتعرض إلى انقلابات متعددة تختلف فقط في العواقب التي تسببها بينما مع بريكينغ باد الموضوع كان راديكالي أكثر وأقرب إلى تحويل الشخصية من نقطة أ إلى ي (ولو إننا شاهدنا تقلبات كثيرة تعرض لها والتر في المواسم الأولى وترددها في العودة إلى عالم الإجرام في مناسبات متعددة) الأمر الذي يتركك في النهاية مع شخصية ليست معقدة أو رمادية وإنما تملك جانب واحد فقط إما أبيض أو أسود وهذا يتعارض بتقديري الشخصي مع مبدأ المسلسل.
ملخص الموضوع: بينما أغلب الناس كانت تتوقع بأن مسلسل بيتر كول سول سيشوه سمعة مسلسل بريكينغ باد ويكون بريكول اَخر فاشل, صانعي العمل نجحوا في تقديم قصة حسنت على جوانب كانت غائبة أو لم يتم التشديد عليها بشكل كافي في المسلسل الأصلي وخاصة في النهاية, وتعمقوا في جوانب اَخرى والنتيجة كانت عمل فني له طابع مختلف وناضج اكثر من العمل الأصلي.