بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم و رحمة الله و بركاته تحياتي لجميع القراء و المشاركين
في الحقيقة فكرة هذا الموضوع هي عبارة عن توسيع و تعميم لبعض الأفكار التي خطرت في ذهني عند قراءتي و نقاشي لموضوع الأخ جواد عشتار الذي كان بخصوص الصداقة و ما سأطرحه في هذا الموضوع هو تعميم على الحياة بكاملها مما يحتاج لفتح موضوع مستقل خاص مع دقة الأفكار و تنوعها
في حقيقة الأمر معظم البشر كائنات اجتماعية و يهم الإنسان من حيث الأصل و يحب أن يشعر بأن لديه قيمة و أهمية عالية في نظر غيره طبعا دعك من الكلام الفارغ الذي يضحك به جماعة التنمية البشرية على الناس بأن الإنسان الواثق من نفسه يستمد تقديره من داخل نفسه و لا يبالي و لا يعنيه نظرة الناس إليه و هذا طبعا كلام فارغ كل الناس حتى الذين يخالفون التوجه العام لعامة الناس و يخالفون التيار السائد و يتمسكون برأيهم يهمهم و يعنيهم نظرة الناس لهم لكن شدة تمسكهم برأيهم و إيمانهم به و إخلاصهم له به يفوق الثقل و الألم الذي يستشعرونه جراء عدم رضا الناس عنهم و لذلك يثبتون على رأيهم
فتنتاب الإنسان أفكار معينة يظن أنها يفترض أن تكون منطقية لكن على أرض الواقع يجد أن الأمر لا يسير حسب المنطق السليم الذي يفكر به فهو يظن أنه عندما يفعل أمور و يبذل مجهودات كبيرة من أجل الناس و ينتظر التقدير منهم و يهمه أن يحصل عليه لكنه للأسف لا يجده،مثلا أنا في مجموعة و أنا أبذل أكبر جهد فيها و أتعب نفسي و أريح غيري و أبدي الاهتمام بهم فأفترض أنه ببذلي هذا الجهد الكبير و حرقي لنفسي من أجلهم و اهتمامي بهم أنه يفترض أن ترتفع قيمتي لديهم و يحترموني و يبادروا هم و يحرصوا على أن أكون أنا مقدما عليهم سواء في الكلام أو وضع اسمي أولا في مسودة مشروع أو الاعتراف بأنني بذلت الجهد الأكبر أو أكون مقدما عليهم في زيادة الراتب أو الترقية إلخ،و ذلك ليس من باب حبي لنفسي بل بمقياس الحق و العدل المجرد كون الأكثر إنجازا و اجتهادا هو الأكثر استحقاقا لنيل المكافأة و التقدير و الاعتراف بأن لديه الدور الأكبر في إنجاز هذا العمل،لكن على أرض الواقع لا تجد أي شيء من ذلك على الإطلاق،بل تجد العكس تماما هو الذي يحصل يتم ظلمك و إجحافك تثق بهم و بأخلاقهم و بأنهم سينصفونك لكن في النهاية يوضع اسمك في الأخير و كأنك شيء هامشي لا يذكر دورك و لا تعبك و لا مجهودك أبدا و لا يقام له أي اعتبار و عند الترقية و الزيادات تجد من حولك رغم أنهم مرتاحين و كسولين يقاتلونك عليها و كأنهم هم الذين كانوا يحترقون و يبذلون الجهد و كأنك نكرة لا قيمة لك و لم تفعل أي شيء مع أنك كنت متفضلا عليهم و يشعرونك بأنك مخطئ و متجاوز و لا تستحق أن تتقدم عليهم و يستاؤون من ذلك،فأستغرب بشدة بعد كل ما فعلت و فعلت و بذلت و نحتت الصخور و في النهاية ليس لي أي قيمة أبدا و لا أحد يبالي بي و بكياني رغم إنجازاتي و أفضليتي و يذوب ما فعلته و ينصهر تحت مظلة المجموعة و ينسب إليها كاملا و يختفي تماما و لا يوافقون على أن يبرز دوري لكي لا يكشف تقصيرهم فأصبح مجرد جسر يعبرون عليه للتغطية على فشلهم و مجرد أداة لا أكثر،و الله شيء غريب عجيب هذا الذي يحصل،و تستغرب حينها ماذا تفعل هل تتشاجر مع هؤلاء و يصير هناك ضغائن و حزازات و ينظر لك بصورة النرجسي المغرور و يتم حسدك و كراهيتك و ربما إضرارك أم أنك تبتلع الأمر و تتألم و تكون سلمي و مسالم تحتار ماذا تفعل
تظن أن معاملتك للشخص باحترام و تقدير و إعطائه من مالك و وقتك و جهدك و حرصك على حل مشاكله أنك أصبحت شيء كبير لديه و أنك أصبحت تحتل جزء كبير من قلبه و عقله و فكره لكنك تتفاجأ أنه لا يعترف بمعروفك و يعاملك و كأن شيئا لم يكن و لا يبالي بك و لا بوجودك و لا بما يحصل معك فتشعر أنك بعد كل المعروف الذي فعلته معه لا قيمة لكيانك عنده أبدا و ستكون آخر من سيخطر في باله
تظن أنك بالنخوة و الفزعة و الشهامة و الكرم و السماحة و المعروف الذي تعامل به الناس أن كيانك أصبح له قيمة كبيرة ثقيلة بينهم و أصبحت غاليا عليهم و أنهم سيردون لك هذه الأخلاق الحسنة بمثلها فتتفاجأ بأن معاملتهم لك ليس فيها شيء من هذا كله و كأنك نكرة لا قيمة لك و لا اعتبار و حتى شكر و عرفان و ذكر لمعروفك لا تجده لديهم
فتكتشف في النهاية أنه في حقيقة الأمر لا أحد يبالي بك أنت ككيان و كشخص حبا بك و بكيانك و حضرتك لست في دماغ الناس أصلا و لا أحد يبالي بك و لا أحد سائل عليك و كل يستقتل على مصلحته على حسابك و لو كنت أنت الأحق و المستحق لمكافأة ما سيجد نفسه هو الأحق و سيستاء و يغتاظ لو أنك نلتها،و لو كنت الأول و هو الأخير ستجده يظن أنه يستحق أن يكون الأول أكثر منك،نعم الحقيقة مرة،ستكتشف أن الشخصين الوحيدين الذين يباليان بك أنت كشخص و ككيان من أجلك أنت و من أجل كيانك أنت و شخصك أنت لمجرد ذلك حتى و لو لم تكن لك أي قيمة هما الأب و الأم و هما الوحيدان الذان يقبلا أن يتلقيا الضرر من أجلك على حسابهما و أن تتضرر مصلحتهما لينفعانك و تكون دائما في ذهنهما و الشغل الشاغل لهما في الحياة و على استعداد تام أن يموتا فعلا من أجل أن تبقى حيا،أما الباقي لن تجد غالبا أخ و لا أخت و لازوجة و لا أولاد و لا أصدقاء يهتمون لكيانك و شخصك إلا بما تقتضيه المصلحة التي يحصلونها منك،سواء مال أو حماية أو خدمة أو تسلية و تمضية وقت،أما أنت ككيان و كشخص لا أحد يهمه و لا أحد سائل،و عندما تكون في موقع قوة و نجاح و إنجاز و تتلقى الجوائز و التكريمات و تتولى المناصب و تستلم الإدارات و تجد الناس يهنؤونك و يبتسمون في وجهك و يمدحونك توقف انتظر،لا تظن أن كيانك و شخصك أصبح له قيمة و اعتبار و أنهم يحبونك لشخصك،هم في الحقيقة يصفقون و يهللون لغناك و منصبك و نجاحك فهذا الذي طبع في نفوسهم الاحترام و الإعجاب و الهيبة و ليس أنت كشخص فلا أحد سائل عليك و يبالي بك لشخصك أنت حقيقة
فالفكرة لا تحمل الأمر زيادة عما يحتمل و تتحسس كثيرا بشأنه و تعامل معه على أنه أمر طبيعي و أن ما يحتل عقلية و ذهنية أي إنسان هي حياته الخاصة و شؤونها آماله و همومه و تسلياته إلخ و يسعى في سبيل تحقيق مصالحه و راحته هو فهذا هو ما يهمه و ما يسأل عليه في الحياة و يفكر فيه 24 ساعة و لست أنت و لا معروفك معه و لا مساعدتك له فأنت خارج قائمة اهتماماته و همومه أصلا
لذلك انطلق في تعاملك مع الناس من مبادئك و ما يريحك و ما تعتقده أنت و ليس من فكرة أنني أحزن و أفكر كون الناس لماذا لا يردون لي الإحسان بمثله و لماذا لم يكونوا مثلي فعامة الناس ليسوا كذلك و لكي لا تنصدم،الكرة في ملعبك في أي قرار ستتخذه بحسب الموقف و النفسية و المزاج و كل قرار خير ستتخذه من دون مقابل و حتى و لو كان سيؤثر عليك سلبا هو قرار صحيح طالما أنك أنت مقتنع به و ليس منطلقا بما تتوقع أن يرد الآخرين جمائلك عليه،على سبيل المثال شخصيا ربما أتعب في خدمة أناس من الأصدقاء و الأقرباء و في العمل فوق الجهد الطبيعي و أعلم أن الناس يرون طيبتي و سماحتي و تعبي في هذه الخدمة أنها سذاجة و أعرف أنهم يطلبون مني ذلك استغلالا لي و أعرف نيتهم أنها استغلالية و مع ذلك لا أشعر بأي انزعاج أو استغلال و أشعر بالراحة لأنني أنا أود تقديم هذه الخدمة و المعروف من داخلي دون مقابل و لا يكون هناك أي مشكلة بالنسبة لي حتى و لو رآها الناس سذاجة،ما في مشكلة في ذلك لأنه نابع من مبدأ و شيء أنت تعتقد به و ترتاح له و ليس نتيجة شيء خارجي كانتظار رد معروف أو المعاملة بالمثل و ما شابه،أحيانا خدمة لا تتجاوز دقيقة لا أقبل بها لأنني أعتبر ذلك إهانة لي،أحيانا أعطي بلا مقابل دون أن أنتظر رد معروفي لأنني مرتاح بفعل ذلك و لا أشعر بمشكلة،أحيانا أمرر و أتغاضى عن أخذ حقي و أبتلع ذلك و أحيانا لا أقبل و أعمل مشكلة عندما أشعر أن الأمر أصبح مزعجا لي و أطالب بالمعاملة بالمثل ،يعني نقطة الارتكاز هي ما أشعر به و أراه مناسبا بحسب الموقف و ليس أنني أفكر و أهدر تفكيري في قضية لماذا و الله الناس لا يفكرون و يفعلون مثلي و أجلس و أغوص في نفسياتهم و طرائق تفكيرهم و أحزن فهذا لا ينفع و لا طائل من ورائه،الذي ينفع هو اتخاذ القرار،رأيت الناس لا يبالون بمجهودك و لا يقدرونك و أزعجك ذلك و لا تريد أن تسكت اذهب و قل بصوت عال أنا الأحق بالتقدير و المكافأة أكثر من الجميع و أنا فعلت كذا و كذا و أنتم لم تفعلوا شيئا و لا أقبل بأن يحوز أعلى الامتيازات غيري،أما لا تفكر و لا تهدر تفكيرك و تقول لماذا الناس لم يردوا لي معروفي و أنا عملت كذا و كذا أنا مسكين أنا حزين و المفروض ألا يعاملوني بهذا الشكل إذا كان لديك حق اذهب و احصل عليه بالقوة و اصرخ و ادخل في عراك أو اصمت و ابلعها أو غير مكانك و انتقل لمكان فيه أشخاص يقدرونك و يكافؤونك و ارتح هذا كل ما في الأمر،طالما اتضح لك أن هؤلاء لؤماء جاحدون و لا يقيمون لك أي قيمة و اعتبار خلص الأمور واضحة و ثابتة هؤلاء ناس لا ينتظر منهم شيء و لا خير ليفعلوه معك تصرف على أساس هذه المعطيات لا تدخل في دوامة تفكيرات لا طائل من ورائها لأنها لن تحل لك مشكلة و لن توصلك إلى شيء و لن تجعلك تتخذ قرارا و ستدخلك في دوامة و حلقة مفرغة
طبعا لا أنكر أن هناك قلة ترد المعروف بمثله و تحفظه و لديها من الشهامة و الأصالة و العرفان بالجميل ما يجعلها ترد لك معروفك أكثر مما صنعت أضعافا مضاعفة لكن نذا القسم الذهبي النادر من الناس بما أنه قلة لا يقاس عليه و لا يبنى عليه أفكار و مبادئ يمكن أن يتعامل على أساسها مع بقية الناس و إنما يتم التأصيل و التقعيد على الفكرة العامة
هذا ما أحببت قوله أتمنى أن يكون الموضوع قد نال استحسانكم و إعجابكم أنتظر آراءكم و تعليقاتكم و السلام عليكم