
كان الوقت ليلاً , خرجت شكران و صديقاتها مريم و منال في نزهة بالغابة الفسيحة الخضراء الملاصقة لبيت أهلها الريفي الهادىء الجميل ...
كانت الغابة تقع في منتصف المسافة بين منزل عائلة شكران و البحيرة الكبيرة و التي كان يُطلق عليها اسم (بحيرة الغول) و لا أحد يعرف تماماً لماذا أُطلق عليها هذا الإسم المفزع ...
بعض سكان المنطقة من المحليين يذكرون أن هذه التسمية قديمة و ربّما تعود لنحو ألف سنة , حيث تقول الأساطير أن مارداً ضخماً شريراً كان يقطن البحيرة و أنه كان يخطف كل من يتجرأ و يقترب منها ...!!!
رغم هذه الأقاويل و التي يعتبرها الكثيرون خرافات لا أساس لها من الصحّة أو قصص واهية خيالية إلا أن بعض الغموض كان يكتنف حوادث ماضية لإختفاء أشخاص اقتربوا من ضفاف هذه البحيرة أو قصدوها , منهم صيادون طموحون أو مغامرون طائشون ..!!
أما الصديقات الثلاثة , فقد كانت روح المغامرة و فضول الاستكشاف تحوم بعنفوان شديد فوق رؤوسهن الطرية , كان شيئاً من التحدي العابث أصاب عقولهن الجريئة , خططوا طويلاً لهذه المغامرة الصاخبة , وغايتهن الآن أن يصلن إلى ضفاف البحيرة المثيرة حيث يقضون ليلة كاملة هناك حتى مطلع فجر اليوم التالي , يوقدون ناراً و يحتسون الشاي الساخن حولها ...
مضى الثلاثة و هم يشقون طريقهم وسط الغابة الجميلة الفاتنة , كان الهدوء و السكون يسودان المكان تماماً , أشجار كثيفة خضراء من حولهم تكاد تغطي السماء بشكل كامل , كان ضوء القمر منيراً ساطعاً , يمنحهم نوراً يكاد يسمح لهم بالتسكع برفق و أمان داخل الغابة الساحرة ...
" سأخرج مصباحي الصغير من حقيبتي " قالت شكران لصديقاتها و هي تهمّ بفتح حقيبة رياضية كانت قد علّقتها على كتفها ثم تابعت بالقول:
" الأفضل أن نكون حذرين , يجب أن نعتمد على ضوء المصباح هنا , فبعض الأماكن قد تكون شديدة الظلمة و لا نريد أن نلقى مفاجآت غير سارة هنا "
" أجل , أجل " ردّت كل من مريم و منال معلنتين موافقتهن الكاملة على ما قالته شكران ...
" كم من الوقت نحتاج لكي نصل إلى ضفاف البحيرة ؟ " قالت مريم وهي تشعر بشيء من التعب و الإعياء ..
" أظن أننا نسير وفق الخطة التي رسمناها مسبقاً , هذا يعني أننا قطعنا لحد هذه اللحظة أقل من نصف المسافة تقريباً "
" لن يستغرق الوقت معنا أكثر من نصف ساعة أخرى على الأرجح "
بدا الارتياح على وجه كل من مريم و منال بعد سماع كلام شكران و التي حاولت أن تشدّ من أزرهما و تشحذ من هممهن بترديد بعض الأغاني و الأناشيد المفضلة لديهن ...
مضى الثلاثة في طريقهم و لا شيء يعكّر من صفوتهن أو يثنيهم عن عزيمتهن بل على العكس تماماً , كنّ كلما اقتربن من وجهتهن المنشودة كلما زاد اصرارهن و ارتفعت معنوياتهن ..
" بدأنا نشعر بالبرد , يبدو أنها ستكون ليلة باردة بعض الشيء , الشكر لله أننا أحضرنا معنا بطانيات سميكة و ملابس ثقيلة " قالت شكران مخاطبةً رفيقاتها ثم توقفت فجأة و أشارت نحو حجارة كبيرة بالقرب منهن :
" ما رأيكن في أن نرتاح قليلاً هناك ؟ "
" فكرة صائبة يا شكران " أجابت مريم
" أُوافقكما الرأي " ردّت منال
جلست الفتيات في المكان الذي أشارت إليه شكران و أخذن يتبادلن النكت الطريفة و أحاديث الذكريات الشيقة حيث علت أصوات ضحكاتهن و غدت مسموعة في أرجاء الغابة الواسعة ..
" هيا بنا ننطلق " قال شكران مخاطبةً مريم و منال بشيء من الأمر ..
انتصب الثلاثة واقفين و انطلقن بهمة و نشاط نحو البحيرة الغامضة حيث ينتظرهن المجهول ...
كانت الغابة جميلة ساحرة في مثل هذا الوقت من السنة و كأنها ترحّب بضيوفها أحسن ترحيب , رائحة عبيرها فوّاحة , هواؤها نظيف لطيف , أشجارها خضراء مكتنزة , أرضها و ترابها و حجارتها ودودة ناعمة كأنها تقول لمن يطأها (أهلاً و سهلاً بكم)...
استمر الثلاثة بالمشي دون كلل أو ملل حتى بدأت تظهر لهن أطياف البحيرة الساحرة ...
"انظروا ..!! لقد وصلنا ..!!) قالت شكران بشيء من الفرح و الغبطة
انفرجت أسارير صديقاتها مريم و منال و فجأة أصبحت خطوات الجميع واسعةً كبيرة و كأنها في سباق للوصول إلى نقطة النهاية و الظفر بالجوائز الأولى ..
عند ضفاف البحيرة الغامضة , وقف الثلاثة يتأملونها بشيء من الرهبة و الخوف , بحيرة جميلة حقاً , مياهها صافية نقية , تحيطها الأشجار الكثيفة من جميع جهاتها , رمالها بيضاء ناعمة , هواؤها عليل رطب ينعش الفؤاد، يبعث السكينة و يدفع الهموم و الأحزان ...
" هنا سنقيم الليلة , دعونا نوضّب المكان بشكل يليق بنا , سنوقد ناراً بالمنتصف حيث سنجلس و نتسامر حتى بزوع فجر يوم غدٍ , و بعدها نعود إلى بيوتنا " قالت شكران لصديقاتها ..
" ستكون ليلة ممتعة " قالت مريم
" أجل .. سيكون أكثر من ذلك " ردّت منال ..
في صباح اليوم التالي ...
انتشر أهالي المنطقة برفقة رجال الشرطة و الإسعاف حول البحيرة الكبيرة و هم يبحثون عن الفتيات الثلاثة , كانت أغراضهن موجودة في المكان الذي جلسن فيه على ضفة البحيرة الهائمة , آثار موقد نار , بقايا طعام و شراب , بضعة ملابس و أمتعة شخصية و كل ما قد يوحي و يشير إلى وجودهن بالمكان ليلة الأمس ..!!
مرّ على غيابهم ثلاثُ سنوات و لا يزال قاطني منطقة البحيرة (بحيرة الغول) و ما حولها عاجزين عن إدراك ما حلّ بالفتيات الثلاثة و أين هنّ الآن .
^^^^^
تمّت بعون الله