لكن في أعماقي أتساءل أيضًا عما إذا كان التنفيذيون القساة الذين يرفعون سقف الطموح جزءا لا مفر منه من الابتكار وليسوا انحرافًا عنه.
إذا كنا نريد تكنولوجيا تغير العالم، فهل هؤلاء المهوّلون جزء من الصفقة؟ هذه نسخة من السؤال الذي أواجهه بشأن التقنيات بما فيها فيسبوك (Facebook) وأوبر (Uber): هل أفضل ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا لا بد أن يكون مرتبطا ارتباطا وثيقًا بكل الأعمال السيئة الأخرى؟
لقد كنت أفكر في هذا مؤخرًا بسبب تسليط الضوء على اثنين من مؤسسي الشركات الناشئة، وهما آدم نيومان وتريفور ميلتون.
كان نيومان الرئيس التنفيذي لشركة "وي وورك" (WeWork) -شركة ناشئة لتأجير مساحات عمل للمكاتب- ولقد تفاخر بأن شركته ستغير طبيعة العمل (على الأرض والمريخ)، وستكوِّن روابط جديدة من التماسك الاجتماعي وتجني أحمالا ثقالا من المال، غير أن "وي وورك" لم تفعل أيا من هذه الأشياء.
ويورد كتاب جديد تفاصيل عن الطرق التي أجّرت بها "وي وورك" مساحات العمل المقسمة، واستنفدت أكواما من أموال الآخرين، وعاملت الموظفين مثل القمامة وجعلت نيومان فاحش الثراء، في حين كانت الشركة على وشك الانهيار في عام 2019. ومن دون نيومان، استمرت "وي وورك" لكن في شكل أقل غرابة.
وفي الأسبوع قبل الماضي، اتهمت السلطات الفدرالية ميلتون بخداع المستثمرين في شركة "نيكولا" (Nikola) -الشركة الناشئة لشاحنته الكهربائية- للاعتقاد بأن تكنولوجيا المركبات التي تعمل بالبطاريات والهيدروجين للشركة كانت أكثر قدرة عما هي عليه بالفعل. ومن بين المزاعم أن ميلتون أمر بإعداد مقطع فيديو ترويجي لجعل شاحنة نموذجية من نيكولا تبدو وكأنها تعمل بكامل طاقتها، في حين أنها لم تكن كذلك، وقال الفريق القانوني لميلتون إن الحكومة بهذا تسعى إلى "تجريم سلوك تجاري قانوني".
ومن السهل أن تهز رأسك في أسف على هؤلاء الأشخاص وغيرهم بما في ذلك مؤسسة "ثيرانوس إليزابيث هولمز" (Theranos founder Elizabeth Holmes)، التي ستحاكم قريبًا بتهمة الاحتيال، وربما تتساءل عن الإخفاقات الشخصية التي دفعتهم إلى مثل هذا التضليل والتهويل والانهيار ثم الخسارة.
لكنّ أشخاصا مثل هولمز ونيومان وميلتون لم يخطئوا عن غير قصد، فإنهم تجسيد للنتائج الواضحة لنظام الشركات الناشئة الذي يكافئ الأشخاص الذين لديهم أكبر الأفكار وأكثرها غرابة، حتى لو كان عليهم التلاعب قليلا (أو كثيرا) في ذلك.
أنا دائمًا غاضبة من هذا النظام الذي يبدو أنه يجبر الشركات الناشئة على السعي وراء أحلام القمر أو غير ذلك. لقد كان لدى "وي وورك" فكرة ذكية في الأساس -وإن لم تكن أصلية تمامًا- لإزالة الكثير من المتاعب المتعلقة بتأجير المساحات المكتبية التجارية. لكن هذا لم يكن كافيًا، وأكاد ألا ألوم نيومان على ذلك.
وتذهب المكافآت غير المتناسبة إلى رواد الأعمال والشركات التي يمكنها بيع رؤية تحوي مليارات المستخدمين والقيم بتريليونات الدولارات. لهذا السبب، لا تكتفي "إير بي إن بي" (Airbnb) بالقول إنها تتيح للأشخاص استئجار منزل في تطبيق ما، بل تقول إنها تساعد "الناس على تلبية حاجة بشرية أساسية للتواصل".
هذا هو السبب في أن شركات التوصيل مثل أوبر و"دوور داش" (DoorDash) تهدف إلى تقديم أي منتج محسوس متاح لأي شخص، وتعتقد الشركات أنه يتعين عليها جعل الواقع الافتراضي أمرا شائعا تماما مثل الهواتف الذكية، حيث إن مجرد الطموحات الأرضية ليست جيدة بما فيه الكفاية.
إذ تغري هذه الظروف الناس بالالتفاف حول ما هو صحيح وقانوني. ولكنني أتساءل أيضًا عما إذا كان الحد من تلك التجاوزات سيحد أيضًا من الطموح الذي نريده. في بعض الأحيان، يدفعنا الحماس لتخيل رؤى كبيرة تبعث على السخرية من المستقبل وينقلنا لأمثال "ثيرانوس" (Theranos)، وأحيانًا ينقلنا لمثل "غوغل" (Google). فهل هما وجهان لعملة واحدة؟
ويُظهر إيلون ماسك كلًا من الخير والشر لما يحدث عندما يحلم التقنيون بشكل غريب وكبير. ربما أكثر من أي شخص آخر، جعل ماسك من الممكن -لشركات صناعة السيارات والحكومات وكل واحد منا- تخيل السيارات الكهربائية وهي تحل محل السيارات التقليدية، وهذا تغيير يحتمل أن يغير الكوكب.
لكن ماسك عرّض أيضًا حياة الناس للخطر عبر المبالغة في تقدير تكنولوجيا مساعدة السائق، كما أفرط مرارًا وتكرارًا في المبالغة في وصف التكنولوجيا التي لم تكتمل بعد وتجاوزت القانون والأخلاق الإنسانية.
اعتدت أن أسأل زميلًا سابقا وأنا أمزح قليلا: لماذا لا يستطيع ماسك صنع السيارات وحسب؟ ولكن ربما يكون من المستحيل فصل هذا اللحوح المتهور المبهرج -الذي يخدع نفسه والآخرين- عن الأفكار الجريئة التي تساعد حقًا في تغيير العالم للأفضل.
أكره التفكير في هذا! أريد أن أصدق أن التقنيات يمكن أن تنجح من دون أن تهدف إلى إعادة برمجة البشرية جمعاء ومن دون الإغراءات بالانخراط في الاحتيال أو الإساءات، أريد ماسك الطيب من دون الشر. أريد العناصر الرائعة والتمكينية لوسائل التواصل الاجتماعي من دون إبادة جماعية. لكني لا أعرف ما إذا كان بإمكاننا حقا فصل ما هو رائع عما هو سيئ!