كتب "ديفيد فروم" مقالا في مجلة "الأتلانتيك" يتناول فيه حقيقة نشأة فيروس كورونا، ويُفنِّد الكاتب، الذي عمل بين عامَيْ 2001-2002 كاتِبا لخطابات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، النظريتَيْن الأكثر تداولا في العالم: نظرية انتقال الفيروس من الحيوانات المُصابة إلى البشر، ونظرية تسرُّب الفيروس من معمل ووهان، التي قلَّل الإعلام من شأنها أثناء رئاسة ترامب.
هيمن على الساحة السياسية خلال جائحة فيروس كورونا سؤالان، فقد تساءل الديمقراطيون وخبراء الصحة العامة: ماذا علينا أن نفعل؟ أما الرئيس السابق دونالد ترامب فقلَّل من الحاجة إلى التحرُّك، وآثر على ذلك الحديث باستمرار عن تساؤل آخر مختلف تماما: مَن الملوم على انتشار الفيروس ابتداء؟
"في الشهور الأخيرة، ضربت أمتنا والعالم أجمع جائحة لا تتكرَّر في القرن الواحد مرتين، والصين هي مَن سمحت بانتشارها حول العالم، وكان بإمكانها منع الجائحة"، هكذا تحدَّث ترامب في أغسطس/آب 2020 ضمن خطاب ترشيح الحزب الجمهوري له من أجل خوض الانتخابات الرئاسية، كما قال في المناظرة الرئاسية أمام جو بايدن في سبتمبر/أيلول 2020: "هذا خطأ الصين، وما كان يجب أن يحدث أبدا". في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قرَّرت أغلبية من المصوتين الأميركيين أن السؤال الأول -ماذا علينا أن نفعل؟- هو الأكثر إلحاحا، وأن بايدن وحزبه هم مَن قدَّموا جوابا أفضل له.
لكن الآن وبينما تُحقِّق إدارة بايدن نجاحا في السيطرة على الجائحة داخل الولايات المتحدة، بدأ السؤال البديل الذي فضَّله ترامب -مَن الملوم؟- يحوز مزيدا من الانتباه. لقد كان سؤال ترامب منذ البداية ذا دوافع سياسية، فقد تطلَّع مع مؤيديه إلى احتمالية اجتماع عدد كافٍ من الأميركيين على تحميل الصين مسؤولية إطلاق شرارة الأزمة، وأن ذلك بطريقة ما سيعفيه من مسؤولية استهتاره وسوء إدارته للأزمة. وبحسب ما ذكر "غابرييل شِرمان" في مجلة "فانيتي فير" في مايو/أيار 2020: "يقول واحد ممّن قابلوا ترامب الأسبوع الماضي إنه ’كان في حالة غضب عارم‘. ويُقال إن ترامب صرَّح بأن ’ما يحدث لي ليس عادلا! وأن كل شيء كان يسير على نحو عظيم، وكنا منطلقين نحو إعادة انتخابنا!‘".
لم يذهب السؤال أدراج الرياح، رغم رفض الجماهير لمحاولة ترامب إلقاء اللوم على الصين واتخاذها عذرا له. فقد اتضح مبكرا أن السلطات الصينية كذبت بالفعل بشأن عدد الوفيات التي تسبَّب فيها المرض. وبحسب تقرير أعدَّه الصحافي "نيك باتون" لشبكة "سي إن إن"، ونُشر في ديسمبر/كانون الأول 2020، تُرجِّح وثائق داخلية للحكومة الصينية أن السلطات المحلية في مدينة ووهان قصَّرت على نحو هائل في الإبلاغ عن حالات العدوى بـ "كوفيد-19" في الأسابيع الأولى من تفشي المرض. كما بثَّت شبكة "إتش بي أو" في يناير/كانون الثاني 2021 وثائقيا للمخرج "نانفو وانغ" يُفصِّل بدقة تقليل الصين المُتعمَّد للأرقام.
اشتبه كثيرون منذ البداية في أن السلطات الصينية تُخفي سرا حول تفشي الفيروس؛ سرا أحلك من تعداد الصين للمصابين والوفيات، إذ اشتبهوا في أن الصينيين كذبوا أيضا حول بداية تفشي الفيروس؛ مُشكِّكين في الرواية الرسمية القائلة إن الانتشار حدث عبر الانتقال من الخفافيش إلى البشر، وأن ذلك مجرد غطاء لإخفاء حقيقة أخرى: منشأ الفيروس هو معمل صيني.
إذا كنت تتابع الصحافة الأميركية المتوازنة، فإنك على الأغلب لم تسمع عن هذه التكهُّنات إلا من خلال تقارير تُندِّد بها وتُفنِّدها. ففي 29 يناير/كانون الثاني 2020 نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا بعنوان "الخبراء يدحضون نظرية مُتطرِّفة تربط فيروس كورونا في الصين بأبحاث في السلاح". وحينما أعرب السيناتور "توم كوتون" عن هذه التكهُّنات في فبراير/شباط؛ عنونت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لها بـ "السيناتور توم كوتون يُردِّد النظرية المُتطرِّفة حول منشأ فيروس كورونا".
بمرور الوقت، خفَّف المُشكِّكون لهجة الاتهام قليلا. وفي ربيع 2020، كان ترامب والمحيطون به يجادلون أن الفيروس ليس مشكلة كبيرة، وما من سبب وجيه لإغلاق اقتصاد الولايات المتحدة، وقد ذهب هو وأنصاره إلى القول إن ارتداء الكمامات حماقة ليس إلا، وإن مسؤولي الصحة العامة مُصابون بالهستيريا. بيد أن المرء لا يسعه أن يقول بالحُجتين معا: إن مسألة الفيروس ضُخِّمت تضخيما عبثيا، وإنه نشأ في الوقت نفسه ليكون سلاحا صينيا فتاكا. وحالما أيَّد وزير الخارجية "مايك بومبيو" النظرية القائلة إن الفيروس معملي المنشأ في مايو/أيار 2020، انخفضت حِدَّة الشبهات حول منشأ الفيروس من كونه "سلاحا فتاكا" إلى "خطأ أثناء تجربة طبية".
رغم هذه النبرة الناعمة، فإن أغلب المجتمع الطبي استمر في رفض نظرية النشأة المعملية للفيروس رفضا قاطعا. لقد بدأت الجوائح السابقة حينما انتقل فيروس من الحيوانات أو الطيور إلى الإنسان، فلماذا سيختلف الأمر في حالة فيروس كورونا الجديد؟ ربما كان علماء الولايات المتحدة متأثرين باحترام نظرائهم الصينيين، فبينما حاول المسؤولون الصينيون تضييق الخناق على تدفُّق المعلومات إلى العالم، أظهر العلماء الصينيون عموما تعاونا كبيرا مع نظرائهم الغربيين. وحينما توصَّل العلماء الصينيون إلى الشفرة الجينية للفيروس في وقت مبكر من يناير/كانون الثاني 2020، سارعوا بنشر النتائج الكاملة إلى العامة للاطلاع عليها، ولم يبدُ ذلك بالنسبة إلى معظم العلماء في الغرب سلوكا يسلكه متآمرون.
حينما انتهت فترة إدارة ترامب في يناير/كانون الثاني، اضطرت وزارة الخارجية بقيادة بومبيو إلى الاعتراف بعدم تيقُّنها في بيانها الرسمي النهائي حول أصل جائحة كورونا: "لا تعلم الحكومة الأميركية على وجه الدقة كيف وأين ومتى انتقل فيروس "كوفيد-19″ إلى البشر للمرة الأولى. لم نُحدِّد ما إذا بدأ التفشي عبر اتصال مع حيوانات مُصابة أم نتيجة حادث في معمل بمدينة ووهان الصينية".
لعل الفيروس ظهر ظهورا طبيعيا نتيجة اتصال بشري بحيوانات مُصابة، ثمَّ تفشَّى وفق نمط يتَّسق مع أنماط الوباء الطبيعي. في المقابل، لربما أثار حادثٌ معملي تفشيا طبيعيا إذا تضمَّن التعرُّض الأوَّلي عددا قليلا من الأفراد سرعان ما تضاعف بواسطة عدوى لا أعراض لها. فقد أجرى العلماء في الصين أبحاثا على أنواع مختلفة من فيروس كورونا حيوانية المنشأ في ظل ظروف رفعت من خطر التعرُّض له على نحو غير مقصود.
يسع العلماء أن يتعايشوا مع عدم اليقين، لكنّ السياسيين يبغضونه جدا. فأثناء عام 2021، بات المدافعون عن نظرية تسرُّب الفيروس من المعمل أكثر جزما وصراحة، فقد أيَّد "روبرت رِدفيلد"، المدير السابق لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) في إدارة ترامب، نظرية تفشي الفيروس بسبب خطأ معملي في مارس/آذار الماضي، قائلا في مقابلة تلفزيونية على "سي إن إن": "ما زلت عند رأيي أن النشأة المُرجَّحة بقوة لهذا المرض في ووهان كانت داخل معمل". هذا وانتقلت حُمَّى الاهتمام بنظرية النشأة المعملية للفيروس خلال الأشهر الماضية من عالَم "فوكس نيوز" إلى عدد من منابر الإعلام الأكثر اعتدالا.
في وقت سابق من شهر مايو/أيار المنصرم، نشر مُحرِّر العلوم "نيكولاس وَيد" تحليلا يأخذ فرضية نشأة الفيروس المعملية على محمل الجد. جاءت حجة وايد مدعومة بتفاصيل علمية مُتقنة وتعريف مهيب وُضِع بجانب اسمه على المقال: عمل لسنوات عديدة مُحرِّرا علميا مرموقا في مجلة "نيتشر" وصحيفة "نيويورك تايمز". ليس ذلك فحسب، بل حوى المقال إضافة أخرى أكثر إثارة، فقد اتَّهم المقال، ليس الحكومة الصينية فحسب، بل المجتمع العلمي الأميركي أيضا بالتواطؤ من أجل إخفاء الحقائق.
إذا صحَّت فرضية النشأة المعملية لـ "كوفيد-19" وعزَّزتها أدلة لا يسع تجاهلها، فلماذا لم تُعرَف على نطاق أوسع من ذلك؟ كما يتضح الآن، يبدو أن الكثيرين لديهم أسبابهم في عدم الحديث عنها. تقع السلطات الصينية على رأس هذه القائمة، لكن علماء الفيروسات في الولايات المتحدة وأوروبا أيضا ليس لديهم أدنى اهتمام بإشعال الجدل حول التجارب التحويلية التي مَوَّلوها لسنوات (تجارب تُجري تعديلات على كائن ما أو مرض ما، فتتسبَّب في رفع قدرته على الإصابة أو قابلية انتقال المرض، أو توسيع نطاق الكائنات المعيلة له).
في هذا الصدد، تتشارك الحكومة الأميركية والسلطات الصينية في مصلحة مشتركة غريبة: لا يرغب أيٌّ من الطرفين في جذب الانتباه إلى حقيقة أن عالمة الفيروسات الصينية "شي تشنغ لي" تُجري تجارب على فيروس كورونا بتمويل من المعاهد الوطنية الأميركية للصحة. ويمكن للمرء أن يتخيَّل الحوار الدائر خلف الكواليس الذي تقول فيه الحكومة الصينية: "لو كان هذا البحث بهذه الخطورة، فلماذا موَّلتموه، ولماذا على أراضينا أيضا؟"، ليكون الرد الأميركي المتوقَّع: "يبدو أنكم مَن سمح بتسرُّب الفيروس. لكن هل علينا أن نخوض هذا النقاش على الملأ؟".
وسَّع وَيد انتقاده ليشمل المؤسسات الإعلامية الكبرى قائلا: "على حد علمي، لم تُزوِّد أي صحيفة أو شبكة تلفزيونية كبيرة قُرَّاءها بتقارير إخبارية مُعمَّقة حول سيناريو تسرُّب الفيروس من المعمل، على غرار ما قدَّمته لكم في مقالي، ومع ذلك، فقد نشرت بعضها افتتاحيات أو مقالات رأي قصيرة. فكيف نُفسِّر هذا الافتقار الواضح إلى الفضول لدى الإعلام؟".
أحد التفسيرات هو صمت علماء الفيروسات، فمُحرِّرو العلوم، على عكس مُحرِّري السياسة، يقل لديهم حس التشكيك بالسليقة في دوافع مصادرهم، إذ يرى معظمهم أن دوره بالأساس تصدير حكمة العلماء إلى الجمهور غير المثقف. لذا، حينما لا يحصلون على مساعدة من مصادرهم، يشعر هؤلاء الصحافيون بالتيه. ولعل هنالك سبب آخر يتمثَّل في نزوح الكثير من وسائل الإعلام نحو يسار الطيف السياسي، فبما أن ترامب هو مَن قال إن الفيروس تسرَّب من معمل في ووهان، لم يمنح المُحرِّرون بالتبعية تلك الفكرة أي مصداقية تُذكَر. اجتمع إذن هؤلاء المُحرِّرون مع علماء الفيروسات على الرأي القائل إن نظرية النشأة المعملية للفيروس محض نظرية مؤامرة يجب رفضها.
إذا كانت هناك مجموعة يبغضها أنصار ترامب أكثر من الشيوعيين الصينيين فهُم المجتمع العلمي الأميركي لا شك. لقد ضاق مؤيدو ترامب ذرعا بالعلماء على مدار أشهر، لا لشيء إلا لأنهم لم يصطفوا مع الصوت القائل إن مسألة الفيروس ضُخِّمت وإنها ليست مشكلة كبيرة. على وجه الخصوص، تحوَّل "أنطوني فاوتشي" إلى شخص مكروه بين مؤيدي ترامب، ورُغم غرابة وصعوبة شرح الأمر، فإنها باتت حقيقة في واقع السياسة الأميركية اليوم: فاوتشي رمز لكل ما يبغضه "الترامبيون"، أكثر حتى من بايدن ومن الديمقراطيين في الكونغرس. كما وُجِّهَت ضد فاوتشي دعوات من حشود تدعو لإقالته، بل وانطلقت دعوات مُبطَّنة تُحرِّض على أعمال عنف ضده. ففي أذهان الموالين لترامب، يُعَدُّ فاوتشي المجرم الحقيقي في هزيمة ترامب.
لذلك، حينما أدلى فاوتشي بشهادته في مجلس الشيوخ بعد أيام قليلة من نشر مقال وَيد، استغل السيناتور "راند بول" (جمهوري عن ولاية كنتاكي) الأمر على النحو الأمثل، ووجَّه بول سؤاله إلى فاوتشي: "هل ما زلت تؤيد تمويل معاهد الصحة الوطنية الأميركية للمعمل (المذكور) في ووهان؟". أنكر فاوتشي أن معاهد الصحة الوطنية دعمت ما يُسمى بالأبحاث التحويلية في ووهان، لكن ذلك لم يُغيِّر شيئا. فقد اعتمد بول على سلطة تحظى باحترام في عالم ترامب أكثر من العلماء: المقال، الأقرب إلى المونولوج، الذي نشره "تاكر كارلسون"، المذيع في "فوكس نيوز"، في الليلة السابقة لجلسة الإدلاء بالشهادة.
عرض وَيد عددا كبيرا من الأدلة تؤيد أن الفيروس نشأ في معهد ووهان لعلوم الفيروسات في الصين، وتبدو أدلته منطقية. فبينما بدأ التفشي في الخريف الماضي، كان معهد ووهان يُجري تجارب على طرق نقل العدوى الفيروسية من الخفافيش إلى البشر، وقد موَّلت أموال الضرائب الأميركية هذه التجارب، وفاوتشي هو مَن أعطى الموافقة عليها وأدار تمويلها من واشنطن. يصعب تصديق الأمر، لكنها حقيقة من الحقائق التي طرحها وَيد. ويطالب الجمهوريون الآن في مجلسَيْ النواب والشيوخ بإجراء تحقيقات رسمية، لا في منشأ فيروس كورونا فحسب، بل أيضا في دور المجتمع العلمي الأميركي.
يُذكِّرنا ما يجري الآن من أوجه عدة بالمعارك المناهضة للشيوعية في أواخر أربعينيات ومطلع خمسينيات القرن الماضي. ففي تلك الأيام، واجهت الولايات المتحدة تحديا خارجيا خطيرا من الشيوعية السوفيتية. ولم يهتم الجمهوريون الداعمون للانعزالية الأميركية بمواجهة هذا التحدي، إذ إنه سيُكلِّف الأموال وسيجلب التزامات خارجية. كما أنهم عارضوا خطة مارشال (أو مشروع مارشال لإعادة تعمير أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية) وتشكيل الناتو، وكل شيء أمكنه أن يصنع فارِقا على أرض الواقع. عوضا عن ذلك، استخدم الانعزاليون التهديد الأجنبي ذريعة لشن حملة تطهير ضد عدو داخلي: المعارضين الأيديولوجيين لهم في الولايات المتحدة.
تواجه الولايات المتحدة اليوم خطر تكرار هذا التاريخ المؤسف، إذ يريد أنصار "الترامبية" استخدام سوء السلوك الصيني -الحقيقي منه والمُختلَق في آنٍ واحد- سلاحا في حرب ثقافية داخل الولايات المتحدة. وليس لدى هؤلاء أدنى اهتمام بترجيح الأدلة والنظر فيها، بل يسعون فحسب للثأر من الجراح السياسية والثقافية التي لحقت بهم بسبب العلماء كما يعتقدون، لا سيما فاوتشي. أما نحن، فما يجب علينا فعله هو السعي نحو الحقيقة.
أفربل هينز
رغم أن إدارة بايدن عليها الدفاع عن علماء الولايات المتحدة في مواجهة التشهير الحزبي بهم، فإنها لا تملك سببا لحماية الصين من الحقيقة، مهما كانت هذه الحقيقة. ففي إبريل/نيسان الماضي، أدلت "أفريل هَينز"، مديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة بايدن، بشهادتها أمام مجلس الشيوخ، مُوضِّحة أن المجتمع الاستخباراتي ما زال منفتحا على الاحتمالين؛ أن الفيروس "ظهر طبيعيا نتيجة اتصال بشري بحيوانات مصابة، أو ظهر نتيجة حادث معملي". وهو ما اتفق معه "ويليام بِرنز"، رئيس جهاز الاستخبارات المركزية، مُضيفا أن "القيادة الصينية لم تُظهر التعاون والشفافية الكاملة". الشيء الوحيد المؤكَّد الآن هو أن هؤلاء القادة بدأوا يُكذِّبون الرواية الصينية بأن الفيروس نشأ في أسواق ووهان حيث تُباع الحيوانات الحية.
بالبحث الدؤوب عن الحقيقة، ستقطع إدارة بايدن الطريق على أنصار ترامب الساعين نحو سلاح الحرب الثقافية المُوجَّه ضد العلماء. وفي طريق السعي نحو الحقيقة، يمكن لإدارة بايدن تجنيد العلماء ليكونوا حلفاء لها بعد أن حوَّلهم أنصار ترامب إلى أعداء. من جانبهم، نشر 18 أكاديميا مخضرما رسالة مفتوحة في مجلة "ساينس"، في 14 مايو/أيار الماضي، ذكروا فيها أن نظريتَيْ النشأة الطبيعية والنشأة المعملية واردتان بالقدر ذاته، وحثَّوا على إجراء تحقيق موضوعي وحيادي.
قد يتطلَّب الوصول إلى الحقيقة ما هو أكثر من الخبرة العلمية. وربما تعتمد الحقيقة بصورة أقل على تحليل الفيروس نفسه، وبصورة أكبر على الاستخبارات من داخل الحكومة الصينية. من الممكن جدا -وهذه النظرية غالبا ما يُردِّدها مسؤولو الاستخبارات- أن السلطات الصينية نفسها لا تعرف تماما كيف نشأ الفيروس. فلو كان هناك خطأ معملي، فقد يكون المذنبون في حالة رعب من حكومتهم نفسها، ولعلهم رتَّبوا التغطية المناسبة لحماية أنفسهم منها. تجدر الإشارة إلى أن أحد الاكتشافات المهمة أثناء المرحلة الأولى لكارثة فيروس كورونا هو أن المسؤولين الصينيين المحليين ذوي الشأن اعتادوا تضليل وإحباط حكومتهم الوطنية بفاعلية.
ما يُمكننا معرفته هو الآتي: ترامب هو مَن ضيَّع وقتا شديد الأهمية في ديسمبر/كانون الأول 2019 ويناير/كانون الثاني 2020 بقبوله الساذج للتأكيدات الصينية بأن كل شيء على ما يُرام. لقد أشعل ترامب حربا تجارية، وكان يخسرها بالفعل، فأراد صفقة تحفظ ماء وجهه وتُعطي دفعة للبورصة في عام الانتخابات. وبحسب حصاد أعدَّته مجلة "بوليتيكو"، أثنى ترامب على الصين ورئيسها "شي جينبينغ" 15 مرة على الأقل أثناء الأيام الأولى الحاسمة للجائحة. ولا يُبدي أنصار ترامب اهتماما يُذكَر بحقيقة منشأ الفيروس، مهما كانت هذه الحقيقة في النهاية. فلا يأبه هؤلاء إلا لمعارك حشد الأنظار نحو خصومهم من الأميركيين، لا الانتباه إلى المشكلات الحقيقية. وإذا كانت الصين تتحمَّل مسؤولية الوباء بدرجة أكبر مما عُرِف حتى الآن، فهذه مُعضلة حقيقية وقاسية.
يمكن لإدارة بايدن هزيمة هذا المُخطَّط القذر، الذي يُحوِّل مشكلة ملموسة إلى ساحة حرب ثقافية، وذلك عن طريق التحرُّك بسرعة وبحزم للوصول إلى حقيقة الفيروس. وإذا كانت المعرفة الحالية بحقائق الفيروس ما زالت مُلتبسة وغامضة، فلا بأس من قول ذلك على الملأ وبوضوح، بل وتكراره باستمرار. كلما انتقلت هذه المشكلة بسرعة من أيدي تجار الحرب الثقافية المشحونين الساعين خلف مصالحهم إلى أيدي الفاعلين العقلانيين الذين يسعهم التصرُّف حيالها بالفعل، كان ذلك أفضل للولايات المتحدة والعالم.
السـلام عليكم ورحمـة الله وبركـاته
بارك الله فيك على الطرح المميز والرائع
وجزاك الله خير لما تقدمه من مجهودات قيمة .
واصل تميزك ، في إنتظار جديدك / تحياتي.