《 مغامرة بحرية 》☆ خاص بمسابقة القصة المختارة ☆ بقلمي
آخر
الصفحة
SHAADI

  • المشاركات: 46673
    نقاط التميز: 59014
مشرف سابق
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
ناقد أدبي
فريق النقد الأدبي والقصصي
SHAADI

مشرف سابق
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
ناقد أدبي
فريق النقد الأدبي والقصصي
المشاركات: 46673
نقاط التميز: 59014
معدل المشاركات يوميا: 6.6
الأيام منذ الإنضمام: 7087
  • 17:33 - 2021/01/27

New Quay Boat Trips

 

مهما مرّت الأيام و تعاقبت السنون فلن تستطيع يد الدهر أن تمحو من مخيلتي أحداث ذلك اليوم الصاخب والذي عشت فيه مشاعر و أحاسيس مختلطة من لهفةٍ وفزعٍ و رُهاب ...

كنا ثُلةً من الأصدقاء و الأقرباء نمضي إجازة نهاية الصيف في احدى القرى الساحلية الجميلة بشواطئها و الغنية بدفء شمسها و رونق طبيعتها..

و بينما كنا في جلسة سمرٍ مقمرة نتجاذب بود و انسجام أطراف الأحاديث و نتبادل الطرفات و النكات و نسيم الجبال العليل يداعبنا بحنان مضفياً سحراً هائماً و ألفةً عذبةً , فجأة قفز أحد الموجودين من بيننا بفكرة أسطورية :

"ما رأيكم أن نتوجه غداً صباحاً في مغامرة بحرية وسط هذا البحر؟" قالها و هو يشير بيده نحو البحر الأزرق الواسع ..

علت صيحاتنا جميعاً معلنين موافقتنا على اقتراحه بالرغم من اعتراض احد الموجودين بدعوى أنه يعاني من دوار البحر و أنه يفضل أن يبقى وحيداً على الشاطىء و ينتظر عودتنا ..

"علمت من أحد سكان هذه القرية أن هناك جزيرة صغيرة قريبة من هذه الشواطىء , ما رأيكم أن نبحر نحوها و نستكشفها ؟ ربما نعثر فيها على كنز قديم مدفون ! " (قال صاحب الفكرة مازحاً) ثم تابع قائلاً:

تعلمون جميعكم أن لدي خبرة مناسبة في البحار و قيادة المراكب البحرية , سأكون لو وافقتم قائد هذه الرحلة و المسؤول عنها ! ...

شعرنا جميعاً بالارتياح لما سمعناه و كان حماسنا و شوقنا للمغامرة القادمة كبيراً جداً..

مع اللحظات الأولى من فجر اليوم التالي و بعد أن أنهينا كافة الترتيبات اللازمة لرحلتنا البحرية , صعدنا إلى المركب المستأجر و انتشرنا على سطحه و أخذنا ننظر بشيء من اللهفة و الأمل إلى الأفق البعيد ..

كان البحر ساكناً والسماء صافية إلا من بعض الغيوم المتناثرة و طيور النورس و التي  كانت تحوم فوق الشاطىء و تقترب من السفن و المراكب الراسية , في مكان ما ليس ببعيد , تجمّعت مراكب الصيادين حاملةً معها آمالاً واعدة بيوم صيد وفير..

انطلقت مغامرتنا البحرية مع بزوغ شمس الصباح و افتراشها قلب السماء و بدأت الشمس تدلي بجدائلها الذهبية خيوط الأمل و التفاؤل , كان مشهداً رائعاً أبدعه الخالق عز و جل و أحسن إبداعه ..

أمضينا أوقاتاً جميلةً ممتعةً على متن المركب بينما كان قائد الرحلة يقودها نحو الجزيرة المجهولة ..

كنّا نستمتع مع بعضنا البعض بالألعاب الطريفة و التسالي الخفيفة في جو مفعم بالدعابة و المرح , و ما أن نشعر بالجوع حتى نباشر بتحضير أطعمة و مأكولات متنوعة كنّا قد أحضرناها معنا من أجل رحلتنا البحرية , مضى الوقت بسرعة و أخذت أشعة الشمس تستند على زاوية الغروب، تلتقط أنفاسها المتطايرة خلف الأفق، نهاية رحلة الشمس بكل عنفوانه نحو الغرق في مياه البحر الهادئ , هو منظر لطالما ملأ القلوب بمشاعر تختلط عند رؤيته , رؤية حالمة أمام بحر عنيد  بأمواجه الهادئة المنكسرة , هو شعور صفاء و سكينة بعيداً عن الهموم و الغموم , البحر والشمس يتواعدان , يتهامسان , لعلهما يتبادلان الأسرار و القبل , أصوات أمواج البحر تغرس الشوق في قلبي، إنّه شوق الرؤية إلى السماء والشمس في أفول , مشهد وداع ساحر سيكون بمشيئة الله لقاء عاصف واعد بعده , منظر فتّان يسحر العيون الهائمة و يحيي القلوب البائسة ...

" يا ترى كم تبقى من الوقت كي نصل إلى جزيرتنا المقصودة ؟ "

قال أحد الموجودين بيننا بشيء من الفضول و الحذر ..

ساد صمت مطبق في المكان , لم يكن أحداً بقادر على الإجابة على هذا السؤال سوى صديقنا قائد رحلتنا ..

و ما هي إلا دقائق قليلة حتى ظهر قائد الرحلة و قد اكتسى وجهه بألوان العبوس و الشحوب ..

" يبدو أننا تهنا  وسط هذا البحر الواسع " قال و هو يشعر بخيبة أمل تجاهنا..

" كنت أتوقع وصولنا خلال بضعة ساعات فقط , ولكن ...!! "

عاد الصمت إلى المكان و سرعان ما تبدلت الأجواء و اضطربت , أصابنا الخوف و القلق و الفزع , أخذ بعضنا يتلو الصلوات و الأدعية و الابتهالات , بينما أصاب بعضنا الآخر يأس و احباط شديدين , فأطرق رأسه نحو الأسفل و غرق في أوهامه القاتمة و أفكاره السوداء , أما قائد المركب فعبثاً كان يحاول تغيير وجهتنا و العودة بنا وسط البحر الهائج و الغاضب..

حتى الطبيعة الساخطة أرادت أن تشاركنا قلقنا و فزعنا , برق و رعد و أمطار غزيرة أجبرتنا على الإحتماء داخل قمرة القيادة , يالهول ما رأينا ! أمطار في مثل هذا التوقيت من السنة !

" يبدو أننا وسط عاصفة مطرية قوية "

" تمسكوا جيداً و لا تبرحوا أماكنكم داخل القمرة " قال قائد رحلتنا وهو يحاول جاهداً السيطرة على المركب و العودة به بأمان نحو الشاطىء , مرّ الوقت ثقيلاً علينا و نحن بين أيادي الأقدار و لطف الله ..

فجأة , سمعنا صوتاً قوياً قادماً من جهة البحر , خرجنا جميعاً من قمرتنا لنتبين مصدره , إنه بوق احدى المراكب القادمة نحونا والتي أخذت تصدّر أضواءها الكاشفة إلينا , إنهم خفر السواحل جاؤوا لنجدتنا و إنقاذنا ..!!

اقترب مركبهم من مركبنا بسرعة و قفز رجلين من الخفر إلى سطح مركبنا..

"هل الكل على ما يرام هنا ؟ " قال أحدهم ..

" نحن على ما يرام و الحمد لله , شكراً لمجيئكم و إنقاذنا " أجبنا و نحن نشعر بشيء من التفاؤل و الفرج

" كنا في دورية اعتيادية عندما وجدنا هذا المركب فعرفنا أنكم تائهين وسط هذه العاصفة "

" لا تقلقوا , سيكون كل شيء على ما يرام " قال رجال خفر السواحل لطمئنتنا ..

تم ربط مركبنا بمركب خفر السواحل حيث توجهنا بعدها إلى الشاطىء حيث انطلقت رحلتنا البحرية المثيرة منه ..

عادت الطبيعة إلى هدوئها بعد غضبها و اهتياجها , و أظهر البحر بدوره تعاطفه مع الطبيعة , فعاد إلى هدوئه و سكونه , أما نحن فقد أخذنا نعيش متعة الانتظار و اللهفة للعودة إلى شواطىء البر و الأمان ..

أخيراً و بعد انتظار طويل وصلنا الشاطىء بسلام , وجدنا صديقنا الذي تركناه خلفنا ينتظرنا :

" أظن أنكم استمتعتم برحلتكم " قال صديقنا و تابع بالقول:

" كم كنت أتمنى لو أنني ذهبت معكم .! "

ضحك الجميع هنا و تابعنا طريقنا نحو شققنا ونحن نفكر بيوم آخر جديد ..

سنوات طويلة مرت على تلك الرحلة البحرية إلا أن لحظاتها المريعة و القاسية ما تزال تعشعش في ذاكرتي و تنقضُّ على تجاربي الخاطفة المريرة و التي خضتها في رحلة الحياة .

 

 

^^^^^^^^^^

 

تمت بإذن الله




 《 مغامرة بحرية 》☆ خاص بمسابقة القصة المختارة ☆ بقلمي
بداية
الصفحة