في ليلة ليلاء لاح في الافق البعيد، فجر يوم جديد، فأخذت خيوط الفجر البيضاء تتسلل رويدا الى هذا العالم المعتم الاسود. تتصارع مع خيوطه السوداء القاتمة، وكانه صراع ابدي يجمع بين الشيء و نقيضه. صراع سرمدي سيظل الى المنتهى، و الى ان يرث الله الارض و من عليها... في هذا الوقت بالذات حاول ربان سفينة ان يصل بين النقاط البيضاء عساه يلمح شيئا، فتراءى له من بعيد بوادر عاصفة هوجاء فتوجسه الخوف ، حاول ان ينبه الطاقم الى هول الكارثة المقبل لكن سرعان ما أصبحت السفينة لعبة بين أيدي القدر و غضب البحر و قسوة الطبيعة. آنذاك فقط يدرك الانسان انه ضعيف الحيلة، و انه لا شيء وسط لا شيء لا شيء امام عظمة الخالق و جبروته فلا احد كان يتوقع ان تستقر السفينة في القاع بعد ان كانت تمخر عباب البحر في مأمن...
و بعد ساعات قرر اليم أن يكفر عن خطئه. فقذف بالناجين الى شاطئ مجهول، و لم يكونوا كثرا، بل كانوا اقل من عدد اصابع اليد الواحدة. ممددين على الارض، و الرياح القوية تميد بهم ذات اليمين و ذات الشمال، حتى افاقوا... بدوا مترنحين و كأنهم سكارى خمر، و ما هم بذلك، لكن هول الكارثة كان شديدا... فرحوا في بداية الامر بنجاتهم ،فراحوا يستكشفون المكان، و لما انهكهم التعب. اخذ الثلاثة يتأملون امواج البحر من بعيد، و ظنوا انهم بعيدين عنه، بيد انهم وسط جزيرة يحتويها...
و بعد شهر قرر القدر ان يبقي على واحد منهم فقط. هكذا و جد الياس نفسه، و حيدا وسط عالم موحش، تحدق الاخطار به من كل جانب. فلم يكن يجد ما يسد به رمق جوعه الا اليسير، فكان يقتات من خشاش الارض، ومما تصطاده يداه، حتى رق عوده، وجحظت عيناه، و بات اشبه بالضواري منه الى الإنسان ولن ينس الياس لحظة وجد نفسه وجها لوجه مع ذي ناب من السباع، يتخذ جلسة ابي الهول في موضعه، و الذي ظل يحدق به حتى انصرف، ظنا منه انه و حش من طينته...
فصار يتجرد يوما بعد يوم منآدميته . فحينما يتجرد المرء من كل قيمة يصبح كل شيء متاحا اخلاقيا بهدف البقاء. فلم يكن يكترث لنفسه، وكان يأكل كل ما يدب على الارض. حتى انه بات لا دينيا لفترة فحينما يسقط المبدأ، يصبح كل شيء مبدآ، حينها يعيش الانسان العبث، و من يعيش العبث لا يتساءل، و ان تساءل لا يحسن الاجابة. فماهية التفكير التي ترى من الظل أنه اصل، و من الجذر انه فرع، لا تملك من مقومات التفكير الانساني الا القليل. فصار الشاب الياس لا يلمح الا اللحظة الانية و لا يرى أبعد من ذلك و لا يفكر الا بالنجاة و تحقيق شهواته الحيوانية ...
وفي يوم من الايام و بينما كان بمحاذاة الشاطئ سمع صوتا غريبا يناديه، و لم تكن تلك نبرات مخلوق بشري بل كان صوت البحر يناديه:
. يا بشري ادنو الي-
لكن كيف للبحر أن يناديني لعلي جننت أو لعلي احلم أجل لربما كانت اضغات احلام.
لا ليست تلك بالاماني و الاوهام بل هي الحقيقة .-
كيف تمكنت من معرفة ما يجول في خاطري؟ فانا لم انطق بكلمة.-
انا افعل ذلك عن طريق روح جسدك الصغير هذا.-
ماذا تجاوب روحي ؟؟هذا ما لا يقبله عقل بشر ؟-
هذا ما حدث بالفعل ، انه حدث قل ما يحدث لبشري وان حدث فانه يحدث مرة كل الاف السنين ، يالك من محظوظ ايها البشري
!!
يتبع...
