لطالما لم يكن راضيا عن تصرفاته الصبيانية الخرقاء التي ازدادت مؤخرا .. قرارات مستعجلة من
دون تخطيط ، ذهاب وإياب من دون جدوى ، كثرة حركة بلا تقدم ..انزلاق وشيك نحو الهاوية
العميقة المظلمة .. كان يتألم في صمت ، لا حيلة لديه قبل حلول الوقت ، كان يتعصر ألما وغضبا
وحنقا عليه.. يتمنى بشدة أن يشبعه ضربا مبرحا ليرده لجادة الصواب ، على كل حال الليلة يحين
الوقت ، وسوف يصوب الأمور الى الأفضل ... و يغادر هذا السجن اللعين الذي حبس فيه بلا
ذنب لمدة خمس وعشرين سنة ... الليلة سيتحرر ، ويكون سيد أمره ...
بعد تسكع هنا وهناك كنحلة ضلت طريق مرعاها عاد ( أدريان ) لشقته العفنة مرهقا .. فبعد
طرده من آخر عمل كان يجني منه قوت يومه قبل شهر ، لم يستطع أن يتحصل على عمل آخر
يناسبه .. و اليوم هو عيد ميلاده الخامس والعشرين ، لكنه نسي عادة الاحتفال بعد وفاة
والديه في حادث سيارة مؤلم قبل عشر سنوات .. هو وحيد والديه ، لا اخوة لديه ولا أخوات ،
حتى أصدقاءه الذين تعرف عليهم ، بعضهم في السجن ، وبعضهم لقي حتفه في صراعات دموية ،
أو بسبب جرعة مخدرات زائدة .. أما بقية العائلة فلا اتصال له بهم ...
بسرعة صعد سلالم العمارة حتى لا يراه صاحب الشقة فيذكره بثمن الايجار المتأخر ككل مرة
يراه فيها .. أدخل المفتاح في القفل بسرعة ، وهو ينظر خلفه ، ثم دلف شقته العفنة ، وأغلق الباب
خلفه بإحكام .. لم تكن شقة بل كانت مثل مكب القمامة ، رائحة العفن تغمر المكان، أغراضه مبعثرة
هنا وهناك ، الأواني متسخة ، كل شيء يبعث على الغثيان .. لحسن حظه الليلة كان هناك ماء ساخن
في الحمام ، استحم جيدا ، ثم ألقى بجسمه النظيف على الأريكة المهترئة ، وبيده مشروب بارد منعش.
ظل يشاهد مباراة في كرة السلة ، كانت مباراة ساخنة ، كانت الساعة تشير الى الحادية عشر وخمس
و خمسون دقيقة ليلا ، نهض في استراحة قصيرة ، مد ذراعيه ، و غلبه التثاءب والنعاس ، نظر لوجهه
في المرآة ، كانت الساعة الثانية عشر بالضبط .. الآن سيدخل في عام جديد من حياته البائسة ، لكن
ليس بوجهه القديم بل بوجه جديد مستعد أتم الاستعداد لأخذ مكانه في ملعب الحياة ....
كان الوجه الذي يراه في المرآة هو وجهه لكنه يتصرف بغرابة .. تراجع للوراء وهو يفرك عينيه ،
ربما يكون في كابوس يقظة ، لا يمكن أن يكون ما يراه حقيقة .. نظر إليه بغرابة ، وهو يرتدي
بذلته السوداء ، وبتسريحة شعر رائعة بدا كأنه أحد الشباب الأثرياء يستعد لسهرة مجنونة بأحد
النوادي الليلية .. لا يزال ( أدريان) متسمرا في مكانه ، وهو يحدق النظر في نسخته الثانية الأنيقة !
- هيا تعال أيها الفاشل ! السجن ينتظرك ... ههههههههه
بصوت متعجرف نطق الأنيق المستعجل للخروج .. تراجع ( أدريان) أكثر إلى الخلف ، وهو لا يدري
ما يفعل ، بعدما سمع هذا الكلام الخطير ... لم ينطق كلمة واحدة ، أصيب بالبكم المفاجئ ...
كان الأنيق ينظر في ساعته الفاخرة متذمرا ، صرخ مجددا من داخل المرآة :
- هيا أيها الفاشل ! لا وقت لدي لأضيعه ... يمكنك أن تحضر بعض الأغراض التي ترغب بوجودها
معك ..
بدون وعي أجابه ( أدريان) بغضب شديد :
- تبا لك .. فلتذهب إلى الجحيم ..
ورمى المرآة بالكأس الزجاجي الذي كان بيده بكل قوة ، تحطم الكأس إلى شظايا صغيرة لكن المرآة
ظلت سالمة كما كانت لم تخدش ولو بخدش صغير ..
- ههههههههههههه
ضحك الأنيق بصوت مرتفع ، وقال :
- لقد كنت مؤدبا معك ، و أعطيتك فرصة للدخول بهدوء ، لكنك لا زلت أحمق كما كنت .. ادخل الآن ....
بلمح البصر سقط (أدريان) في الجهة المقابلة التي استقبلته كسجين جديد مؤقت . كان يتألم من وقع
الاصطدام بالأرضية الإسمنتية اليابسة . أما الأنيق فكان يهم بالخروج مسرعا من الشقة العفنة مسرورا
بحريته الجديدة التي اكتسبها أخيرا لحسن سلوكه و اجتهاده في السجن ، و لفشل ( أدريان ) الذريع
في حياته ... نظر إلى ( أدريان) المحطم البائس ، و بابتسامة خبيثة ودعه قائلا :
- سفينتك تغرق يا صديقي ، لحسن حظها قبطان جديد متمرس يمسك دفة القيادة الآن ... تعلم جيدا
لعلك تسترجع مكانك يوما ما ... فلديك كل الوقت الكافي ... ههههههههههههههههه......
...................................................... تمت ..............