لم يكن (أدريان) فتى التوصيلات المنزلية يتوقع أن يكون يومه استثنائيا بهذه الدرجة .. يوما مميزا لا يشبه
باقي أيامه الروتينية الرتيبة .. يوما يقلب حياته رأسا على عقب .. يوما يكون منطلقا جديدا آمنا لمركبة
عمره المتأخرة في سباق الحياة ! قد يبدو الأمر كلاما حكيما شاعريا لكنها الحقيقة التي سيعيشها (أدريان)
بكل جوارحه...
بعد مرواغات (أدريانية ) متمرسة لكل ما هو متحرك وغير متحرك في طريقه وصل أخيرا أمام البوابة
الحديدية لقصر رجل الأعمال الامريكي الشهير (آرثر جيمس ) ..على كل حال فمن مميزات هذه الوظيفة
الصعبة والمزرية عند كثير من الناس أنك قد تطرق جميع الأبواب بلا استثناء ماعدا ربما أبواب البيت الأبيض
حيث يقبع الرئيس الكبير المجنون بشعره المثير للجدل..
تقدم نحو مدخل البوابة ببراعة ، وأشار إلى الحارس البدين ( جونسون ) الذي كان ينتظر وصوله بلهفة
خلفة مكتب الحراسة الذي لم يكن بعيدا عنها . وعلى غير العادة فلم تكن البوابة مغلقة بل كانت
مفتوحة على مصراعيها ، ويدلف منها كثير من الزوار إلى القصر من كل طبقات المجتمع ، مما أثار
استغراب (أدريان ) الذي كان على ما يبدو في عجلة من أمره.. ترجل عن دراجته ، ثم أوقفها بجانب
المكتب الأنيق ، وأخرج علبة كبيرة ساخنة من البيتزا تنبعث منها رائحة شهية جعلت الحارس البدين
( جونسون) يرتعد ، وأسنانه تصطك ، ولعابه يسيل !!
- كعادتك ( أدريان ) في الوقت تماما ..
قال (جونسون) وهو ينظر لساعته . رد عليه (أدريان ) بسرعة مفتخرا بنفسه :
- أنت تتعامل مع الرقم 1 في التوصيل في كامل أمريكا ... لا تنسى ذلك ( جونسون ).
اختطف ( جونسون ) العلبة الساخنة المثيرة من يد ( أدريان ) كدب ألاسكا البني وهو يظفر بفريسته
بعد سباته العميق ..
لبس (أدريان) خوذته ، وركب مجددا دراجته ، وهم بالرحيل وهو يودع البدين (جونسون) ، ويشكره على
البقشيش الحلو الذي تحصل عليه مع ثمن العلبة .. كان المزيد والمزيد من الغرباء يعبرون البوابة الحديدية،
وعلى غير عادته اخترق ( أدريان) القاعدة الأولى المهمة في وظيفته وهي : لا تتدخل في حياة الزبائن
الخاصة أثناء العمل ...كان ( جونسون ) تقريبا يفترس آخر قطعة من البيتزا اللذيذة التي دغدغت معدته
الرهيبة ، المستعدة لثور أمريكي ضخم مشوي !
- ماذا يحصل اليوم عندكم ( جونسون ) ؟ هل حدث شيء للسيد ( آرثر) ؟
رد (جونسون) وقطعة اابيتزا الأخيرة المسكينة بين فكيه ، والكاتشوب والمايونيز حول فمه :
- ألم تسمع بالخبر حقا ؟ أم ماذا ؟
رد (أدريان ) بعدما ندم على خرقه للقاعدة المهمة :
- أي خبر لعين يفترص بي سماعه ؟
ضحك (جونسون ) مبديا أنيابه الليضاء اللامعة المفترسة :
- يالك من أحمق !! خبر ال 100 مليون دولار !!! الكل سمع به حتى الجرذان في مجاري البلدة !
أجاب ( أدريان ) بغضب :
- أتراني ذئبا من ذئاب ( والستريت ) الأشرار ، ببذلاتهم السوداء الفاخرة ، و ابتسامتهم الخبيثة ؟!
هدأه (جونسون) البدين وهو يمسح فمه بمنديل ورقي ، فهو لا يريد أن يخسر الشخص الذي يحضر
له وجبته اللذيذة دون تأخير. وقال شارحا الأمر بنبرة هادئة :
- حسنا .. السيد ( أرثر ) قرر من دون أن أعرف السبب أن يمنح جزءا من ثروته المقدر ب 100
مليون دولار لشخص واحد غير معين بشرط أن يقدم له خدمة مميزة !!
- وما هي هذه الخدمة المميزة ؟
سأل (أدريان) مندهشا .. وقد دخله السرور ، فتحطيمه للقاعدة الأولى لم يأت بشر ، بل بالعكس
ربما سيفتح له أبواب السعادة على مصراعيها ...
هز ( جونسون ) كتفيه قائلا بكل برودة :
- لست أنا من تسأله عن الخدمة المميزة..ادخل واعرف بنفسك ، وأتمنى لك حظا طيبا يا صديقي
( أدريان ) مع السيد ( آرثر) . يمكنك ترك دراجتك هنا في مكتبي فهي في أمان معي .
وخطا نحو البوابة المفتوحة ، وقام بغلقها ، وقال مستهزئا لمن جاء متأخرا عن العرض ، وكان واقفا
خلف القضبان الحديدية :
- لقد أغلقنا اليوم ... يمكنكم المجيء غدا مع خدمتكم المميزة !!!
............... تابع 1 .................
تردد ( ادريان ) في الدخول لقصر المسابقة ، ولكن جائزة 100ملبون دولار لم
تترك له مجالا للتردد او الرجوع للوراء.. انها ليست مليونا او مليونين بل 100
مليون ! يا إلهي ، لو عملت الف سنة ما حصلت على عشرها ! .. ساجرب حظي ،
ولن اخسر شيئا .. خدمة مميزة لعجوز ثري مجنون ! ليست بمهمة مستحيلة على
كل حال. بل تحد و إثارة ، ورغم كل عيوبي دائما أفوز بالتحدي ، فهو يوقظ
بداخلي البطل الخارق الذي كان من المفروض أن أكون.. يوقظ بداخلي طاقة جبارة
تجعلني اتخطى جميع المصاعب ...
لم يكن وحده ، بل كان معه كثيرون قبله وبعده ، كلهم شغوف ب100 مليون !
وكلهم له خدمة مميزة للثري المحظوظ !
- صباح الخير سيدي ، من هنا من فضلك.
قال الخادم المؤدب الذي كان يستقبل الزوار الطموحين للجائزة عند المدخل
الرئيسي للقصر .. كانوا أشبه بمرتزقة تجمعوا من هنا وهناك للقيام بمهمات
قذرة ! . الكل منبهر بروعة القصر ،وهندسته المعمارية الفريدة . تبع ( أدريان)
وبقية المنافسين الخادم إلى قاعة واسعة مضاءة بنوافذ كبيرة مطلة على حديقة
القصر الخلابة . ونظرا لتزايد عدد الزوار ، فقد اضطر الخدم لزيادة عدد الأرائك
أيضا ، وضعت طاولات صغيرة بالقرب منها ، عليها مشروبات وعصائر وحلويات
للضيوف المميزين حتى يمضوا وقتا ممتعا اثناء انتظار دورهم ...
كان الزوار يدخلون الواحد تلو الآخر على السيد ( آرثر ) في غرفته بالطابق العلوي،
ليعرضوا عليه خدمتهم المميزة !
كاد ( ادريان ) أن ينفجر من الضحك ، وهو يرى آخر منافس أدخله صديقه البدين
( جونسون) قبل ان يغلق البوابة .. كان يبحث عن مكان يجلس فيه في القاعة
المكتظة ، لم يكن منافسا غريبا فحسب ، بل شديد الغرابة ! كانت شابة في العقد
الثاني من عمرها بجسم نحيف ، وقصة شعر مضحكة ، كان شعرها واقفا على
شكل أشواك ، كانها قنفذ في حالة تأهب قصوى !
ولباس لا علاقة له بالموضة او عروض الأزياء ، تساءل ( ادريان ) في نفسه ، وهو
يمسك نفسه من الانفجار بالضحك بسبب هذا المشهد الهزلي الذي أمامه :
- أي خدمة مميزة سوف يقدمها هذا القنفذ الغريب للعجوز المجنون ؟
........... تابع 2 ......
كان الجميع متأهبا لاخذ فرصته امام العجوز ، كانوا اشبه بمتسابقي البرنامج الامريكي
الشهير " American got talent" لكن للاسف من دون الاصلع المرح ( هاوي مانديل)!
والجائزة هنا اكبر ب 100مرة .. فجأة سمع صراخ من الاعلى ، وبالتحديد من غرفة العجوز
( آرثر )، و قس يهرول في السلالم و هو يقبض بقوة على كتاب الإنجيل المقدس على صدره ،
نظر إليهم ، وهو يتمتم بكلمات سريعة :
- عجوز مجنون .. يحب الذهاب إلى جهنم !
بصوت غاضب وبخ العجوز خادمته الكبيرة في السن ( دولوريس) ، وهو جالس على سريره:
- كم مرة اخبرتك يا ( دولوريس) ألا تدخلي علي هؤلاء الدجالين ! ولو كنت على فراش
الموت .. أم انك أصبت بالزهايمر ! .. انا اعلم مكاني في جهنم ! لا اريد موعظتهم ، لست
مجرما محكوما عليه بالإعدام !
بارتباك أجابته ( دولوريس ) :
- عذرا سيدي .. كان هذا خطأ الخادم الجديد ( جونسون ) ، ولن يتكرر مجددا..
- من الأحسن لكم الا يتكرر ، وإلا ...
قاطعته قائلة:
- فهمت سيدي.. هذا يوم جميل ، وارجو ان تجد فيه سعادتك سيدي ...
هدات عاصفة العجوز قليلا ، اعتدل في فراشه ،وتنهد قائلا بصوت خفيض :
- آسف ( دولوريس) ! هؤلاء الدجالون يغقدونني أعصابي منذ كنت صغيرا ! ..
ناوليني من فضلك حبة الدواء المهدئ حتى اكمل هذا اليوم في سلام !
بعد فترة وجيزة نادى الخادم الجديد ( جونسون) - الذي كادت غلطته تودي بحياة
العجوز - على المتسابق التالي ، وكأنه يريد أن يصحح ما فعل من غير قصد ..
كان المتسابق التالي مهرجا حقيقيا ، بلباسه المزركش ، وقصة شعره الغريبة ،
بلونه البرتقالي المخيف ! و تجميله الذي زاده قبحا ورعبا .. نظر إليه ( أدريان ) ،
وهو يحدث نفسه :
- إذا دخل ( it) هذا على السيد ( آرثر ) ، فعل ال 100 مليون دولار السلامة !
فصل جديد لم يكتبه ( ستيفن كينج ) بعد ...
كان العجوز يضحك ، وتسمع قهقهاته من الأعلى ، لأنه يترك باب الغرفة مفتوحا
بعد دخول كل متسابق ، و كانه يريد منهم ان يشاركوه متعته على الهواء مباشرة ..
ولحسن الحظ لم تكن مدة العرض في الغرفة تتجاوز أكثر من 5 دقائق ، و إلا لدام
المهرجان شهورا بل سنوات عديدة ، وصار مسلسلا هزليا بعنوان : " آرثر ومجانين
الجائزة الكبيرة " ...
مازال دور ( أدريان ) بعيدا ، لكنه يستمتع بكل لحظة من لحظات عرض السيرك ..
بعد المهرج ( it) دخل عليه شخصان ، الظاهر من لباسهما أنهما طبيب وممرضة .
استغرب ( آرثر) من وجودهما ، لأنه يبدو بحالة جيدة بعد الضحك الهستيري الذي
كان بسبب العرض الكوميدي الرائع للمهرج ( it) ..
قال الطليب بنبرة هادئة :
- سيد (آرثر ) هل تسمح بغلق الباب ؟
اجابه ( آرثر ) على الفور :
- لا .. اتركه مفتوحا . انا لست بحاجة لطبيب .( دولوريس) اين انت ؟
- أنا هنا سيدي .
- رافقي من فضلك الطبيب والممرضة ، لقد حدث خطا ما هنا ..انا لم استدعهما .
عندها قال الطبيب ، وهو يجلس بلطف قرب العجوز الشقي :
- أنا هنا من اجل الخدمة المميزة سيد ( آرثر ) .
- آه ، طبيب . أنت منافس إذا .
- نعم ، وهذه الآنسة ( مارتا ) الممرضة المرافقة لي .
- تشرفت آنسة ( مارتا ) .. منذ مدة لم أحظ بممرضة جميلة مثلك.
ابتسمت الممرضة الشابة ، وقالت بصوت جذاب :
- خدمتك تشرفني سيد ( آرثر ) .
مسك العجوز المتصابي يد الطبيب بإحكام ، وهمس في أذنه :
- ارجو ألا تكون خدمتك المميزة الشيء الرهيب الذي خطر ببالي !!
نظر إليه الطبيب بعيني صقر جارح ، وهز راسه موافقا ، دون ان يتلفظ بأي
كلمة ...
............................... يتبع ..........