لست أدري..... بقلمي
آخر
الصفحة
شجرة الفلين

  • المشاركات: 4098
    نقاط التميز: 2506
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
مشرفة سابقة
شجرة الفلين

كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
مشرفة سابقة
المشاركات: 4098
نقاط التميز: 2506
معدل المشاركات يوميا: 1.9
الأيام منذ الإنضمام: 2147
  • 14:01 - 2019/10/23

التفت يلقي نظرته الأخيرة على البيت بعدها خطى خطواته الأولى خارجه مغلقا الباب بهدوء، تاركا خلفه امرأة كانت قبل لحظات زوجته تتبع حركاته كلها بعينين دامعتين على ما وصلا له كنهاية.
قبل شهر فقط كانا يحتفلان بعيد ميلاد ابنهما الثاني ونظرات الحب تتراشق بينهم جميعا أسرة متكاملة مكونة من أب وأم وطفلان. حتى أن أعين الحاضرين من الأجداد والأعمام والأخوال كانت تقرأ في سرها المعوذتين خشية التأثير سلبا على السعادة التي كللت سنوات الزواج الذي دام تسع سنوات.
لكن هذه الليلة صار الزوج شخصا آخر كأنه استبدل بين صبح وعشية. ما إن دخل البيت حتى صار يكسر ويصرخ مستغلا غياب صغيريه بيد أنه طلب من أبويه مساء أن يأخذاهما ليمضيا الليلة رفقتهما وكأنه خطط للعاصفة التي ستعقب رجوعه للبيت.
حاولت الزوجة بكل طيبتها أن تحتضن غضبه ذاك. غضب لم يفصح حتى عن سببه رغم تساؤلاتها ومحاولاتها أن تعرف. كان جل كلامه:
- هذه ليست حياة.. هذا ظلم.. لماذا أنا؟..ماذا سأفعل؟..
مرت ساعة على حاله ذاك استنفذت كل قوته فألقى جسده على الأريكة يلهث استسلاما وهو مطأطئ الرأس. اقتربت منه رنى بهدوء ثم انحنت على ركبتيها وأمسكت وجنتيه بكلتا يديها رفعت رأسه موازيا لوجهها وقالت وهي تتأمله بعينيها الزرقاوين:
-مابك حبيبي؟
رفع بصره ونظر إليها بعمق ثم أخذ يديها بين راحتيه وقال بأسى:
- رنى .. ليس هناك حل آخر غير أن نفترق.
سحبت يديها وأشخصت بصرها تحاول استيعاب مقولته الأخيرة فما كادت تدرك قوله حتى أردف:
- أنت طالق
بعدها وقف واتجه نحو غرفتهما.
ظلت رنى على وضعها تتأمل الأريكة الفارغة وهي واجمة تبحث بين ملفات ذكرياتها عما فعلته معه استحق كل هذا. وما هي إلا لحظات حتى خرج غرفته يسحب حقيبة ملآ بثيابه وأوراقه كمهاجر لا ينوي الرجوع.
وقفت بترنح من هول الصدمة وبدأت تنظر إليه وحقيبته بذهول غير مستبينة بعد حقيقة اللحظة من عدمها.
وقف علي قرب صور تجمعه وأسرته تلمسها جميعها وأخذ واحدة تجمع زوجته وصغيريه ضمها بقوة لصدره ثم غادر بعد أن ألقى نظرته الأخيرة على البيت.
جلست رنى تبكي ليلتها تلك لا تعرف ماذا تفعل. ماذا حدث؟ وأي ذنب اقترفت؟ وكيف استطاع أن يلغيهم من حياته بكلمة نطقها؟ أسئلة تزيدها ألما مادامت لا جواب لها. ظلت على حالها ذاك حتى نال النوم منها.
استيقظت بدفء أشعة الشمس المتسللة من النافذة. نهضت مسرعة على أمل أن يكون ما مرت به مجرد حلم لكن رؤيتها للمكان مبعثرا أكد لها أن ما عاشته واقع لا مفر منه.
حملت نفسها بتثاقل للحمام، نظرت للمرآة فلمحت شكلها المأساوي، كحل هرب من عينيها لينال من وجنتيها وانتفاخ ملأ جفنيها .. تذكرت نفسها ليلة أمس تتزين لزوجها وتختار من ثيابها المثيرة ما يحبه ظنا منها أنه أرسل ولديهما ليحظيا بوقت يجمعهما معا على انفراد، فعادت الدموع للاحتقان في مقلتيها مسحتهما بسرعة وقالت:
-لا يجب أن تنهاري فكري بولديك هيا قومي لتبحثي عن إجابات أسئلتك لابد ولديه هم ما استطاع تحمله ، علي ما كان ليتخلى عن أسرته إلا لأمر جلل. لكن ماهو؟ ماهو؟
اغتسلت وأعادت تزبين وجهها بشكل خفيف يخفي ذبوله ثم غيرت ثيابها واتجهت للصالة ترتب الكراسي المرمية وتجمع الزجاج المكسور على الأرض بعدها غادرت لبيت حمويها علها تستبين الأمر.
هناك في غرفة الفندق المجاور لبيته قضى علي ليلته يتأمل الصورة ويتساءل هل ما فعله صحيح؟ كل ذرة من جسمه تؤيد فعلته مما أراح باله. ومع شروق الشمس اتجه للمدينة المجاورة ليبدأ مشوارا لا يعلم نهايته.
وصلت رنى لبيت حمويها. دخلت بضحكتها المعتادة وما إن تبينت أن ولديها لا زالا نائمنين حتى ارتسمت ملامح الحزن والحيرة على وجهها مما دفع حماها سؤالها:
- ما بك بنيتي؟ هل حدث شيء؟
قصت عليهما رنى كل ما جرى وهما يستمعان باستغراب للأمر، تأكدت من ردودهما أنهما كذلك لا يعلمان من أمر ابنهما شيئا. مما زاد من أساها. هنا قالت حماتها:
- لا تبتئسي يا صغيرتي لا بد وسيعود ابني. في شبابه أيضا كان حين يعاني من مشكلة ما يختفي حتى لا يتعبنا بها. حالما تنحل سيعود أنا أكيدة.
ردت رنى بحزن:
- أن يختفي يا خالتي ليس أن يطلقني ويرحل.. لا أرى له من عودة.
لم يجد حماها كلمات يخفف بها عنها لأنه يتفق معها فيما قالته. موضوع الطلاق هذا لا يبشر بخير. تنهد وقال في سره:
- يا رب الطف بابني وأهله.
استيقظ كريم ومنى ما إن رأيا أمهما حتى جريا وارتميا في حضنها. احتضنتهما رنى وهي تمسح دمعة انفلتت من عينها اليمنى. قبلتهما ودعتهما لتناول الافطار حتى يعودوا للبيت. هنا قال عبد الله:
- لما لا تبقوا هنا معنا فما دام علي مسافر لا داعي لتظلوا لوحدكم في البيت.
نظرت له رنى متفهمة ما رمى إليه. وقالت:
- معك حق يا عمي. شكرا لكم
فنطق كريم:
- أين سافر أبي؟
وجمت رنى لغياب أي جواب على لسانها فصوبت نظرها نحو جده فقال مجيبا وهو يمشط شعر كريم الكثيف بأصابعه:
- لديه أعمال كثيرة تخص الشركة التي يترأسها خارج البلاد سيتأخر قليلا في عودته.
نطقت كريمة مغيرة سير الحديث:
- هيا يا صغار قوما للاغتسال لنتناول الإفطار جميعا حتى يتسنا لنا الذهاب للملاهي.
صرخ الصغار فرحا بالفكرة وجريا يتسابقان للحمام.
شكرتها رنى وقالت:
- هل يمكن أن تأخذاهما للملاهي دوني. لابد وأبحث عن علي. سأسأل كل معارفنا من يدري قد أجد خيطا أتتبعه. وبعدها سأحضر بعضا من ثيابنا فعلى ما يبدو بقاءنا معكم سيطول.
طأطأت رأسها تخفي عبراتها وأكملت:
- اعذراني سأتعبكما معي. فحتى بعد أن صرت مطلقة ابنكما تتحملان مشاكلي.
نهرتها كريمة قائلة وهي تتقدم نحوها:
- ماذا تقولين؟ أنا اتخذتك ابنة لي منذ أن دخلت بيتنا. مكانتك في قلوبنا لا تتحكم فيها ورقة مضيتها مع ابننا.
ثم جلست قربها وضمتها يبكيان معا.
تأملهما عبد الله بحزن وأردف :
- هيا كفاكما دراما سيعود الصغيران قريبا.
تقدم لكنته وقبل رأسها وقال:
- كل شيء سيتحسن لا تفقدي الأمل.
قاموا جميعا لتناول الإفطار بعدها كل منهم غادر لمشواره.
أمضت رنى وقتها من اتصال لآخر تبحث عن جواب لما حدث دون جدوى.
مر شهر على حالها ذاك سألت المخافر والمستشفيات دون أي بصيص أمل. كأنه فص ملح وداب.
وفي مساء دخل أخوه حمزة البيت مطأطئ الرأس ينبئ الجميع من منظره أنه ما وجد شيئا أيضا في سجلات المطار طوال هذا الشهر.
-أين ابني يا عبد الله؟ لم يسبق وأن غاب كل هذه المدة كانت تكفيه 3 أيام ويعود أفضل مما كان. قلبي ينبئني أنه حدث له مكروه.
قالت الأم تبكي وهي تضم زوجها بعدها انسحبت من حضنه واتجهت لكنتها سابقا وقالت:
- قولي يا ابنتي ما حدث بينكما حتى يرحل بهذه الطريقة؟ هل قمت بفعل أزعجه؟ قولي
نظر الجميع لها باستغراب لقولها ذاك و رد عبد الله مسرعا:
- ماذا تقولين يا امرأة؟ ألا ترين حالها طوال هذا الشهر؟ هي أيضا تتحرق لمعرفة سبب اختفائه.
نهرته كريمة قائلة:
- ومن سيعرف السبب إن لم تعرفه هي يا عبد الله. هي آخر من تواجد معه. أريد ابني أريد ابني.
ثم صوبت سبابتها لرنى وقالت:
- إن حدث لابني مكروه ما فسأحملك المسؤولية.
اختلطت المشاعر في قلب رنى لم تعرف هل تبكي أم تصرخ غضبا أم ترحل سخطا أم تنهار فاقدة الوعي علها تنسى هذه اللحظات كلها. اكتفت فقط بالانسحاب للغرفة التي تجمعها بصغيريها.
اقترب عبد الله من زوجته وقال:
- قبل مدة كنت تقولين لها ابنتي الآن عبرت أنك مجرد حماة جاهلة.
ثم غادرها يتبع رنى لغرفتها.
طرق الباب بلطف حتى لا يوقظ الصغار. لم تفتح له رنى فقد اتجهت للشرفة وأغلقت الباب عليها توجه عيناها نحو السماء تستمد من نجومها بصيص نور من أمل يحيي قلبها الميت.
دخل عبد الله وبحث عنها فلمحها في الشرفة فتوجه نحوها. فتح الباب وتقدم صوب كنته وقال:
- اعذريها فهي مجرد أم يائسة. تريد أن تلقي اللوم على أي شخص عل نار الفقد تبرد قليلا.
ردت رنى باستسلام دون أن تنظر إليه:
- معها حق فيما قالته. غدا صباحا سأعود لبيتي رفقة صغيري فما عاد لي مكان في حياتكم.
هنا لفها من كتفيها صوبه وقال:
-لا تكوني جاهلة مثلها. أنتن النساء تستخدمن عاطفة وهبها الله لكن لرحمة من حولكن استخداما بشعا يلغي كل معاني التعامل الرحيم بينكن. انسي ما قالته. يكفينا مصاب واحد لا تجعلي فراقك وأحفادي مصابا ثان لمجرد جمل طائشة.
نظرت إليه رنى باستسلام أخذت يده اليمنى قبلتها ثم قالت:
-تعلم مكانتك في قلبي عمي، أرجوك لا تحملني ما لا أطيق. مصابكم مصابي لكني لن أتحمل نظرات اللوم على هذا المصاب. لذا دعني أعود لبيتي، رحيلي لا يعني أن تخسر أحفادك بالعكس سأكون ممتنة لزيارتك لنا كل يوم. وأيضا تبقى أسبوع  على بدأ العام الدراسي الجديد من الأفضل لهما أن يعودا لمحيطهما المعتاد ليستعدا لعامهم الجديد.
علم عبد الله أن قرارها لا رجعة فيه فتقبله محترما ما تعانيه من ألم. قبل جبينها وخرج متمن لها أن يكون الغد أجمل.

 

 

يتبع

 لست أدري..... بقلمي
بداية
الصفحة