بسم الله الرحمن الرحيم .
اليوم سنتطرق إلى أقدم حضارات العالم وهي الحضارة " السومرية " وأهم المحطات التي مرت بها إلى غاية سقوطها .
تعدُّ بلادُ الرافدين من المناطقِ الجغرافيّة التاريخية التي احتضنت أوائل المراكز الحضارية في تاريخ العالم، وتشمل حاليًا كلًّا من: العراق وسوريا تركيا، ومن الجدير بالذكر أن المنطقة قد شهدت حضارات متعاقبة أسهمت في ازدهارها وتقدمها، ومن أهم هذه الحضارات الحضارة السومرية والأكادية والآشورية والكلدانية والبابلية، وكان لكل واحدة منها لغة وفلسفة وأساطير وأدب خاص بها تنفرد به عن الأخرى، وتمكنت من إثبات وجودها جميعًا في مختلف الميادين كالطب والفلك والرياضيات، كما تعددت أيضًا الديانات فيها وفقًا للاعتقادات السائدة آنذاك .
الحضارة السومرية من الحضارات القديمة المعروفة في جنوب بلاد الرافدين وقد عرف تاريخها من الألواح الطينية المدونة بالخط المسماري. وظهر اسم سومر في بداية الألفية الثالثة ق.م. في فترة ظهور الحيثيين لكن بداية السومريين كانت في الألفية السادسة ق.م. حيث استقر شعب العبيديين بجنوب العراق وشيدوا المدن السومرية الرئيسية كأور ونيبور ولارسا ولجاش وكولاب وكيش وإيزين وإريدو واداب (مدينة). واختلط العبيديون بأهل الشام والجزيرة العربية عن طريق الهجرة أو شن غارات عليهم. وبعد عام 3250 ق.م. وكانت خاصة بهم وابتكروا الكتابة على الرقم الطينية وهي مخطوطات ألواح الطين (انظر مسمارية). وظلت الكتابة السومرية 2000 عام، لغة الاتصال بين دول الشرق الأوسط في وقتها .
تعدُّ الحضارة السومرية بأنّها أقدم حضارة في العالم، وقامت الحضارة في الأجزاء الجنوبية من بلاد الرافدين، واشتُقّت التسمية من اسم أراضي بابل التي كانت تحمل اسم سومر قبل 2000 قبل الميلاد، واحتضنت الحضارة بين ربوعها عددًا من المدن المستقلة في القرن الرابع، ومنها: لارسا، سيبار، إريدو، سيبار، أوما، نفر وغيرها الكثير، أما فيما يتعلق بالملوك الذين حكموا المنطقة فقد سُجلّت أسمائهم في مخطوطةٍ قديمة مكتوبة باللغة السومرية تعرف باسم صحيفة الملك، ورصدت هذه الصحيفة أسماء الملوك منذ مرحلة ما قبل الطوفان وحتى آخر السلالات سلالة إيسن، وبالنسبة لأصولهم فإنّ الدلائل تشير إلى أنهم أقوام هاجروا من المناطق الشمالية في العراق نحو الجنوب .
نشأتِ الدولة السومريّة في مطلع الألفية الرابعة قبل الميلاد حيث عصر أورك، وانفردت هذه الحضارة بإقامة المدن الأولى التي يغلب عليها الطراز الفخاري المنبثق عن ثقافة العبيد، ويشار إلى أن هذه الحضارة قد تأثرت بالمستوطنات الزراعية الممتدة فوق ضفاف نهر الفرات في الألفية السادسة قبل الميلاد، ومع قدوم السومريين فقد أقاموا المزيد من القرى الزراعية والمستوطنات للتطور فيما بعد إلى مدن، ويعدُّ الحاكم إنانا أول حكام للحضارة، ويُنسب إليه المعبد المشهور في المنطقة معبد إنانا، ويشير تاريخ الدولة إلى أنها مرّت بعدت مراحل خلال حياتها وانقسمت إلى دولة قديمة وأخرى حديثة، ومن أبرز إنجازاتهم أنهم أول من عرف علم الفلك، ودباغة الجلود وغزل الصوف والخياطة، كما برعوا بالهندسة، وسن القوانين والتشريعات .
 |
تطلق سومر على الأراضي التي أطلق عليها بعد 2000 ق.م. اسم بلاد بابل. وسهل بلاد شنعار هو أراضي ما بين النهرين، التوأمين، دجلة والفرات. وقد أطلق الإغريق على هذه الأرض اسم (ميزوبوتاميا)، وهي كلمة تعني بلاد ما بين النهرين. ويشكل أغلبها اليوم جزءاً من دولة العراق الحديثة، برغم أن الفرات يرتفع من سوريا، ودجلة في تركيا. وفيما بين الحدود التركية وجبال أرمينيا في الشمال حتى الخليج العربي في الجنوب، يمتد ما يقرب من ستمائة ميل، هي المساحة التي تمتد من أبردين إلى دوفر. وفيها بين الصحراء السورية في الغرب وجبال فارس - جبال زاجروس - في الشرق ما يقرب من مائة إلى مائة وخمسين ميلاً. في هذه المنطقة، وبالذات في الجنوب منها، تحققت الحضارة السومرية في الوجود في النصف الثاني من الألفية الرابعة ق.م .
اللغة السومرية تُعتبر الحضارة السومرية من أقدم الحضارات في العالم وأعرقها، وقد امتدّ تاريخها في بلاد الرافدين واستمر لسنواتٍ طويلة، كما تُعتبر اللغة السومرية من أقدم اللغات السائدة في بلاد الرفدين، وهي لغة ذات حروف مركبة، حيث أن كلماتها تتركب بشكلٍ متمازج وتلتصق كل كلمة بأخرى وأحياناً تلتصق بأكثر من كلمة كي تُعطي معنى جديداً. لا يمكن وضع اللغة السومرية ضمن أي تصنيف يخص اللغات لأنها لغة فريدة من نوعها ولا تُشبه أي لغة من لغات الشرق العربي المعروفة مثل العربية والكنعانية والآرامية والعبرية. كانت اللغة السومرية في البداية عبارة عن مجموعة لهجات خاصة يتحدث بها بعض فئات المجتمع، مثل لغة رعاة الغنم، ولغة الكهنة، وكانت لغة النساء تُسمى "ايمي _ سال"، والتي تعني اللسان السليط. كانت اللغة الأكدية إلى جانب اللغة السومرية، وقد تأثرت الأكدية بالسومرية كثيراً وتأثرت بنظامها المسماري، ومن ثم تراجعت اللغة السومرية بتراجع الدولة السومرية السياسي وأصبحت تُستخدم بشكلٍ محدود .
 |
بدأ العصر السومري في بوادي الجزيرة العربية، التي تُعتبر الموطن الأصلي للقبائل العربية، ومنها انتشرت القبائل إلى بلاد الرافدين وباقي المناطق، وذلك في الألف الرابع قبل الميلاد. بدأت القبائل تتدفق إلى بلاد الرافدين على شكل دفعات متتالية، حيث وصل أولاً الأمورييون في نهايات الألف الثالث قبل الميلاد، ومن ثم وصل الآراميون في نهايات الألف الثاني قبل الميلاد، وبعدها العرب في نهايات الألف الأول قبل الميلاد، وقد بدأ العصر السومري بشكلٍ فعلي في نهايات الألف الرابع قبل الميلاد. لا يُعرف الكثير من التفاصيل عما كانت عليه الحال قبل العصر السومري، لكن جميع عناصر المجتمع السومري كانت موجودة قبل اختراع الكتابة، لذلك لا يوجد أي توثيق واضح عن تاريخهم في البدايات سوى ما تركه سكان العُبيد من آثار مادية. أصل السومريون مجهول ولا أحد يعلم من أين ينحدرون بالضبط ومن أي قبيلةٍ من القبائل، كما أن لغتهم ليست سامية، لذلك يُشير المؤرخون أن السومريين هم محصلة لاختلاط وتطور القبائل التي تجمعت في بلاد الرافدين. أنشأ السومريون العديد من المنشآت العمرانية التي تدل عليهم مثل المنشآت العسكرية والدينية والمدنية، لكن لم يسجلوها لأن الكتابة لم تكن معروفة بعد.
ساد النظام الديمقراطي في الدولة السومرية في الحقبة الزمنية 2700 قبل الميلاد، وظهرت العديد من الكيانات العسكرية واندلعت العديد من الخروب التي كان أبطالها جلجامش ملك الوركاء وآجا ملك كيش. انتقلت السيادة إلى ملك سومر الجديد زاجيري ملك أوما بعد أن انتصر في الحروب الأخيرة، وأحكم قبضته على البلاد ومكث في الحكم ربع قرن حتى فاز عليه خصمه سرجون الأكدي في 2334 قبل الميلاد. بُنيت العديد من المعابد السومرية وأهم الألهة عندهم: أنانا إله الأنثى، ان كي إله الماء، ونين مخ إله الأم المقدسة، ونانا إله القمر، واتو انه إله الشمس. تمتعت المعابد في العصر السومري بالكثير من التقديس وكان لها مركز سياسي واقتصادي وديني كبير وكانت نُصرف لها ثروات ضخمة. كانت بلاد سومر تشترك بعلاقات تجارية كبيرة مع البلدان المحيطة، وكانت تُتاجر بالعقيق الأحمر والذهب والفضة واللؤلؤ والصدف والنحاس. كان السومريون بارعين في الصناعة والزراعة والرعي والحرف المختلفة، كما برعوا بفن البناء، كما تطور الفن كثيراً في العصر السومري، وبرعوا في صناعة التماثيل وتأليف النوتات الموسيقية .
 |
تتضاربُ المعلومات التاريخية حول اندثار الدولة السومرية، فيقال بأنه من الممكن أن تكونَ قد تعرضت للحرق والنهب من قِبل العيلاميين، ويذكر بأن الكثير من حركات الكفاح السومرية قد توّجهت لمقاومتهم لكنها فشلت، وتلاشت اللغة تمامًا، كما أسهم العموريون أيضًا في القضاء عليهم، وقامت على إثرها الحضارة البابلية في العصر القديم . وتقول كارولين ستاسي وفريقها العلمي من جامعة أكسفورد في مقال نشرته مجلة "PNAS" عن استنتاجات العلماء: "منذ زمن بعيد، كنا نشك بحدوث كارثة مناخية في ذلك الوقت، تسببت في انقراض ليس فقط الحضارة السومرية، بل والهندية والمصرية أيضا. ولكن لم يكن لدينا ما يثبت هذا، باستثناء بعض الاكتشافات على ساحل البحر الأحمر وخليج عمان". وتعد الحضارة السومرية في بلاد ما بين النهرين وحضارة مصر القديمة وحضارة وادي السند في الهند، أقدم ثلاث حضارات على الأرض، ظهرت قبل حوالي 6 آلاف سنة على شكل مجتمعات كبيرة تمارس التجارة وتتنافس فيما بينها. وقبل حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، تمكن الملك الأسطورة، سرجون الكبير، من غزو والاستيلاء على جميع مدن السومرية وأسس الإمبراطورية الأكّدية، وشرع القوانين والقواعد العامة للتجارة وغيرها من سمات الحضارات المعاصرة.
ومع أن هذه الإمبراطورية كانت تعد أقوى دولة "عظمى" في ذلك الوقت، إلا أنها بعد مضي 200 سنة على تأسيسها، اختفت مع عاصمتها، أكّد، دون أن تترك أي أثر. وبقي اختفاء تلك الحضارة موضع جدل بين المؤرخين، فمنهم من اعتقد أن مدن بلاد ما بين النهرين لم تكن راضية عن السلطة المركزية وناضلت ضد سرجون وأحفاده. أما الآخرون، فيربطون اختفاءها بغزوات قبائل جوتي التي دمرت البلاد وقوضت سلطة الملك. ولكن قبل فترة، بدأ البعض من الجيولوجيين وعلماء المناخ يتحدثون عن كارثة مناخية دمرت حضارة سومر. وبرزت هذه الآراء عقب الحفريات في سوريا المجاورة التي أظهرت أنه قبل حوالي 2200 سنة قبل الميلاد، بدأت في الشرق الأوسط مرحلة جفاف شديد، تسبب في القضاء على جميع المدن الكبيرة في هذه المنطقة. إقرأ المزيد ما أسباب انهيار الحضارة الهندية الأسطورية؟ ما أسباب انهيار الحضارة الهندية الأسطورية؟ وقد عثرت كارولين وفريقها على أول دليل يؤكد هذا من دراستهم الهوابط "ستلاكتيد" (أعمدة من ترسبات كربونات الكالسيوم من السقف إلى الأسفل) التي تشكلت على مدى خمسة آلاف سنة في كهف "جول-أي-زرد" القريب من مدينة دماوند في شمال إيران.
وتشبه هذه الأعمدة الحجرية "حلقات النمو" السنوية في الأشجار، فسمكها وتركيبها الكيميائي يعكس بصورة مباشرة كمية المياه التي سقطت في الكهف في أوقات مختلفة من تشكيلها. أي أنه يمكن استخدامها وكأنها "سجل" مناخي يعكس تقلبات درجات الحرارة ومستوى هطول الأمطار خلال فترات طويلة. ويقع هذا الكهف على مقربة من المناطق الشمالية للإمبراطورية الأكّدية، وهذا يعني أن مستوى هطول الأمطار متعادل مع الذي سقط في أراضي الإمبراطورية. وبينت نتائج الدراسة أن أول دولة عظمى في بلاد ما بين النهرين دمرها جفاف شديد قبل حوالي 4.26 ألف سنة، واستمر أكثر من ثلاثة قرون، وهذا ما يتوافق مع عصر إحياء بلاد ما بين النهرين وظهور بابل .
الــمــصــادر :
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D9%88%D9%85%D8%B1
https://weziwezi.com/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%88%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%87%D9%85/
https://weziwezi.com/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B6%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%85%D8%B1%D9%8A%D8%A9/