المساء يبدو ملبدا ببعض السحب ، عندما عاد عباس من السوق محملا ببعض الأغراض( خضر و لحم و خبز و مشروبات ) التي جلبها من أجل إعداد عشاء فاخر لسيادة المدير و حرمه و عياله . لأن المدير شخصية محترمة و حديث العهد بالتعيين على رأس المؤسسة التربوية التي يشتغل فيها عباس ...
دعوة المدير للعشاء جاءت بتنسيق تام مع زوجته رقية.فانهمك الزوجان في تحضير الأجواء المناسبة لهذه المناسبة الكبيرة .في الشرفة رتبت رقية الكراسي و الورود و الفوط بشكل أنيق ، و أعدت مشروبا أوليا في الصالون ، فشرعت في إخفاء الأشياء البالية عن العيون الزائغة التي قد تزور المكان و ذلك بوضعها تحت الأسرة أو خلف الدواليب . عندما دخلت الى بيت أب عباس ، وجدته مستلقيا يغط في نوم عميق ، استدارت مذهولة فنادت عباس و سألته و والدك ؟...
فوقف عباس مذهولا بدوره ، لكن الزوجة استدركت قائلة : ممكن نرسله عند أحد الجيران ليمضي الليل هناك . نظر عباس الى زوجته قائلا و قد اسودت الدنيا في عينيه أنا لا أريد أن أكون مدينا لأحد ، أو أصبح حديث أهل الحي .ثم استطرد مقطبا جبينه بعد أن سحب نفسا طويلا من سيجارته ، إسمعي سيتناول الوالد عشاءه مبكرا و ينسحب دون ضوضاء الى غرفته لينام قبل أن يصل المدير و من معه . بدت الفكرة في محلها ، لكن رقية استدركت قائلة : لكن إذا نام نومه العميق و بدأ في الشخير و غرفته لا يفصلها عن الصالون سوى الباب . قاطعها عباس بعصبية ألم أقل لك البارحة دعيه يذهب لزيارة أخيه فجاء تدخلك مخالفا و أنت لا تبحثين أمام صديقاتك سوى عن تبييض وجهك . و الآن مالعمل ؟..أووف ! استطردت رقية لماذا علي أن أبحث عن حل و أتدخل بين أب و ابنه ، إسمح لي أنا سأنفض يدي من هذه المسألة و افعل ما يناسبك .لأنني لن أجني من هذا سوى الشتائم .هدأ السيد عباس من روعه فهذا ليس وقتا للشجار هكذا بدا له ، بل ينبغي إيجاد حل للمشكلة .اندفع مسرعا الى غرفة والده ، وجده جالسا على مقعد خشبي ، مسندا ظهره الى الحائط و ممسكا بمسبحيته ، كعادته مشغول بالذكر . فقاطعه قائلا : أبي الليلة سأستقبل ضيوفا هنا بالمنزل ، و الضيف الرسمي هو مدير المؤسسة التي أشتغل بها، لذا أتمنى أن تسير الأمور هنا على أحسن ما يرام . و ما المطلوب مني يا بني ؟ رد والده .
الليلة أتمم عشاءك مبكرا و ألزم حدودك و لا تقتحم على الضيوف جلستهم ، و لا للصراخ ثم إياك أن تنام حتى ينفض الضيوف لأن شخيرك قد يسبب الضوضاء و الصخب و هذا قد يسيء الى الضيوف .أحس الأب بزلزال قوي يجتاح كيانه نظر بصعوبة الى إبنه فتراءت له صورة شبح ضبابي لم يحلم برؤيتها يوما ثم قال بصوت ضعيف متحسرج سأفعل يا ولدي لكن لا أستطيع أن أمنع نفسي من الشخير لأنك تعرف أني أعاني من صعوبة التنفس .و أن بيعي لكل ما أملك من أجل دراستك و تعليمك جعلني كما ترى لا أستطيع الإنفاق على صحتي .
-عباس : لماذا الحديث عن تعليمي كلما حاولت معك لتكون أفضل أليس كل ما بعته من أجل قضية تستحق ؟ و ها أنا الآن أعيد لك كل ما بعته لأجلي مضاعفا .
- الأب : لم يكن ذلك قصدي و لا تغضب مني يا ولدي ، و لا يمكن أن أطالبك بتعويضي عما قدمته لأجلك و ضيعته من أيام عمري
عباس : أتعرف يا هذا ضيفي هو مسؤولي المباشر ، إنه مدير مؤسستنا ، و أنا صراحة أطمع أن تساهم هذه الضيافة في ترقيتي و تحسين رتبتي بهذه المؤسسة، لذا عليك أن تصمت و لا تجادلني .إقترب الموعد كان عباس قد استعد لكل صغيرة و كبيرة ، فهو صاحب القرار في كل التفاصيل و له الكلمة الأخيرة في كل مل يدور .عاد ليراقب كل ما قام به نقطة نقطة لأنه يرغب في أن تمر زيارة المدير على أحسن وجه . هنيهة حشرجة تخترق مسامع رقية و هي تمر بقرب غرفة أب عباس ، أنين خافت ، إنه الأب يصارع أزمة ألمت به . صرخت رقية بأعلى صوتها مستنجدة بعباس ، إلحقني فأبوك يحتضر .في الوقت نفسه كان عباس يستقبل المدير و عياله عندما شقت مسامعه استغاثة رقية . هرول بلا شعور في اتجاه الغرفة ، و ما أن وصل حتى أسلم الأب روحه لبارئها ...
- تمت بحمدالله -