ضباب كثيف يغطي ذاك المكان البعيد عن العين ، أشعر أني أمشي اتجاهه رغم كرهي للوصل لهناك ، مازلت أقترب والضباب يزداد..يا إلهِ ما هذا؟
لم أعد أرى أبداً.. أصبحت الدنيا سوادٍ ب سوادِ ، هنا أدركت تماماً أني أصبحتُ مغترباً.. لقد غادرت الطائرة أرض الجمهورية العربية السورية ، أخذتني معها لمكانٍ بعييد..
بدأت أفكر إلى أين سأصل ؟ وكيف سأعيش ؟ وهل سأستطيع مقاومة الغربة! أقصد هذه الكربة.. فمغادة الوطن هي أصعب كربةٍ للأسف..
فكم تمنيت أن تسقط الطائرة حتى لا أترك بلدي ، ولكن أمنيتي الأكبر أن أعود للزمان سنين وأنه ليتني كنت ميتاً قبل وصول هذه الحرب لبلدي ، أياريت الحرب حلمٌ أصحو منه عن قريب..
بدأت أنظر للأرض ، رأيتها كلها مثل بعضها مستوية ، لم أرى لا حدوداً بين الدول ، ولا حرباً بين دول ، رأيت الأرض جميلةً جداً من الأعلى ، وما أقسى العودة للأسفل..
لم أرى جندياً بين الحدود ، وشعوبٌ تتقاتل ، ولا دماء في الأرض ، وحتى في الطائرة كان الكل متفق جالس ، لا أحد يسأل أحد عن رأيه السياسي ، ولا عن انتمائه الديني ، فالهدف واحدٌ وهو:
الوصول لذاك البلد بأمانٍ وسلام ، وبدأت هنا أفكر في نفسي:
لو أننا نحن العرب وضعنا هدفاً واحداً لنصل إليه هل كنا سنسقط؟ لو اختلف الطيار الأول مع الثاني تسقط الطائرة ، فكيف وطيارونا في 23 دولة عربية يختلفون دوماً ولا يتفقون على أحد،
وإن اتفقوا اتفقوا علينا ، وإن توحدوا توحدوا علينا ، وأحياناً تقام الحرب علينا ، أما على عدوّنا فلا نكاد نقول : تسقط أيها العدو..
حين وصلت الطائرة لمكان مرتفع واجهت المطبات الهوائية واستطاعت مقاومتها وتابعت مسيرتها بنجاح ، فالكل دعا أن تمر المطبات بسلام.. المسلمين بطوائفهم والمسيحون بطوائفهم ،
وقبل أن تصل الطائرة وتهبط طلبوا منا ربط أحزمة الأمان كي لا نسقط إن شعرنا بالدوار أو نتأثر بضغط الهبوط ، فالهدف الأول هو راحة المسافرين ،
المضيفون والمضيفات ههم الأول راحتنا ، ومن ثم راحتهم هم ، والطيار يفكر أن برقبته 230 انسان يريدون الوصول بسلام وأمان..، وعند الهبوط سمعنا نداء:
الحمدلله على سلامتكم جميعا ، نرجوا أن تستمعوا معنا برحلات قادمة ووفقكم الله بزيارتكم لهذا البلد..
ليت من في بالي ك قائد الطائرة همه نحن ، وليست من يعمل تحت رايته يكون همه نحن ، وليتنا نحن همنا أن نتحد لنصل مع الطيار لأعلى مكان وبدون أية خوف..
انتهى..