الحمد لله ربّ العالمين،
والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين،
وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين،
أما بعد :
يقول الله عز وجل: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء} [آل عمران : الآية 14]
قال القرطبي: قوله تعالى: "من النساء" بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان[1] وفتنة الرجال.
و قال مالك فيما نقله النووي عنه: قال: والمرأة فتنة إلا فيما جبل الله تعالى النفوس عليه من النفرة عن محارم النسب[2].
و قال ابن كثير في الآية: يخبر تعالى عما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من أنواع الملاذ من النساء والبنين، فبدأ بالنساء لأن الفتنة بهن أشد.
و قالت عائشة رضي الله عنها : '' من شقاوتنا أن الله تعالى جعلنا رأس الشهوات و بدأ بنا في ذكرها''[3]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء''[4]
فالشهوة أمرها خطير وشرها جسيم ، فكم من عابد لله حولته الشهوة إلى فاسق ،
وكم من عالم حولته إلى جاهل ، وكم أخرجت أناسا من الدين كانوا في نظر من يعرفهم أبعد الناس عن الضلال والانحراف ،
ولذا قال أحد السلف : " لم يكن كفر من مضى إلا من قـِبَل النساء وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء "[5]
وذكر القرطبي رحمه الله بعض القصص والأمثلة التي توضح مدى خطورة هذا المرض القاتل ،
وأنه سبب قوي للانتكاس والردة عن دين الله ، و مما ذكره قصة ذلك الرجل الذي كان ملتزما مسجدا للأذان والصلاة ،
فقال : '' روى أنه كان بمصر رجل ملتزم مسجداً للأذان والصلاة،وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة ،
فرقي يوماً المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني ذمي،
فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار فافتتن بها وترك الأذان، ونزل إليها ودخل الدار فقالت له: ما شأنك ما تريد؟
فقال: أنت أريد. قالت: لماذا؟ قال لها: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك إلى ريبة.
قال لها: أتزوجك، قالت له: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك. قال لها: أتنصر، قالت: إن فعلت أفعل.
فتنصر ليتزوجها وأقام معها في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقي إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات.
فلا هو بدينه ولا هو بها، فنعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سوء العاقبة وسوء الخاتمة'' [6]. انتهى
وذكر الإمام ابن كثير في أحداث سنة( 279) '' : وفيها توفي عبدة بن عبد الرحيم- قبحه الله-
ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيراً في بلاد الروم،
فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون محاصروا بلدة من بلاد الروم إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن فهويها فراسلها،
ما السبيل إلى الوصول إليك؟ فقالت: أن تتنصر وتصعد إلي، فأجابها إلى ذلك فما راع المسلمين إلا وهو عندها،
فاغتم المسلمون بسبب ذلك غماً شديداً، وشق عليهم مشقة عظيمة فلما كان بعد مدة مروا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن
فقالوا: يلا فلان! ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعلت صلاتك؟
فقال: اعلموا أني أنسيت القرآن كله إلا قوله: رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ* ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
وقد صار لي فيهم مال وولد'' [7]
وذكر ابن حجر عن عبد الله بن سلمة الأفطس قال :
''تزوج ابن أبي الأشرس جارية نصرانية وكان يعشقها فتنصر'' .[8]
و ذكر ابن حبان في المجروحين في ترجمة حبيب بن أبي الأشرس أنه عشق امرأة نصرانية
وقد قيل : ''إنه تنصر وتزوج بها، فأما اختلافه إلى البيعة من أجلها فصحيح ''. إ.هـ
أقول : وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:
''إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار،
وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة ''[9].
وقد لهذا قال بعض الحكماء: ''النساء شر كلهن وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن
ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين
كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد''[10].
و مما زاد الطين بلة و المرض علة هجوم النساء على المواقع العنكبوتية (الأنترنت)
التي سهلت لكل من في قلبه مرض أن يتصل بأي امرأة يريدها و لو كانت متزوجة ، ذلك في مكالمات رخيصةٍ خبيثةٍ ،
و منها دخل الشيطان كثيرا من البيوت المؤمنة ، فحول صالحيها رجالا و نساء إلى مدمني شهوات حتى استنكر خلق الحياء و العفة ،
فيا من يقبل صداقة النساء و يا من يقبل مخالطتهن اتقي الله ففتنة النساء كما ترون عظيمة فالرسول صلى الله عليه و سلم قال فتنة أشد على الرجال ،
فهي شديدة و مؤثرة تأثيرا قوي فاتقوها يرحمكم الله ، قال العيني:'' و فتنتهن أشد الفتن و أعظمها ،
و يشهد له قوله عزوجل : '' زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء '' فقدمهن على جميع الشهوات ،
لأن المحنة بهن أعظم المحن على قدر الفتنة بهن..''[11]
لهذا فيجب على كل شاب يقبل صداقة النساء أن يتقي الله فهل يرضى أن يفعل بأخته ما يفعله هو بمن يصادقهن ؟
الجواب: لا، و لن يرضى أبدا بل لو قلت له أن أختك تصادق فلان لهاجمك أولا ، فالعجب العجب ،
وعلى كتبة الانترنت أن يلغوا كل الصداقات اتقاءً للفتنة فالملاحظ هذه الأيام على الشبكة تأثر بعض من ينتسب للدين
بفكرة تبادل المعارف ففي كل يوم يخرج لي تعليق لفلانة أم فلان و المجاهدة فلانة ،
و حاملة راية الإسلام و المدافعة عن الإسلام و السلفي الأثري يعلق على السلفية أم فلان و غيرها من الألقاب و في الحقيقة هي ألقاب الهر ،
نعم ألقاب الهر :
مما يزهدني في أرض أندلــس **** أسمـاء معتمـــد فيــها و معتضــد.
ألقاب مملكة في غير موضعها **** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد.[12]
وأقول هذا و أحذر منه و لست معصوما و لا ادعي العصمة من الوقوع في هذه الفتنة ، و لهذا فكما أخاف على نفسي أخاف على إخوتي .
و لا يتصور من هذا الكلام أن المرأة في حد ذاتها شر فالحديث الذي ذكرناه سابقا فيه
''إشارة إلى تخصيص الشؤم بمن تحصل منها العداوة والفتنة، لا كما يفهمه بعض الناس من التشاؤم بكعبها أو أن لها تأثيرا في ذلك،
وهو شيء لا يقول به أحد من العلماء، ومن قال إنها سبب في ذلك فهو جاهل،
وقد أطلق الشارع على من ينسب المطر إلى النوء الكفر فكيف بمن ينسب ما يقع من الشر إلى المرأة مما ليس لها فيه مدخل،
وإنما يتفق موافقة قضاء وقدر فتنفر النفس من ذلك، فمن وقع له ذلك فلا يضره أن يتركها من غير أن يعتقد نسبة الفعل إليها''.[13]
و اعلم أخي المسلم أن الإنسان ضعيف بطبعه فلا تؤمن عليه الفتنة بحال فقد قال الله تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: 28] ،
يقول ابن جزي الغرناطي رحمه الله: ''(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ) قيل : معناه : لا يصبر على النساء ، وذلك مقتضى سياق الكلام ، واللفظ أعم من ذلك[14]"،
ويقول ابن عطية الأندلسي رحمه الله : '' المقصد الظاهر بهذه الآية أنها في تخفيف الله تعالى ترك نكاح الإماء بإباحة ذلك ، وأن إخباره عن ضعف الإنسان إنما هو في باب النساء ،
أي : لمَّا علمنا ضعفكم عن الصبر عن النساء خففنا عنكم بإباحة الإماء ، وكذلك قال مجاهد وابن زيد طاوس .
ثم بعد هذا المقصد تخرج الآية في مخرج التفضل ؛ لأنها تتناول كل ما خفف الله تعالى عن عباده ، وجعله الدين يسرا ،
ويقع الإخبار عن ضعف الإنسان عاما ، حسبما هو في نفسه ضعيف يستميله هواه في الأغلب[15] "
وذكر ابن الجوزي رحمه الله ثلاثة أقوال في الآية فقال: ''في المراد بـ ( ضعْف الإنسان ) ثلاثة أقوال :
وذكر منها :والثاني : أنه قلة الصبر عن النساء ،
قاله طاوس ، ومقاتل .''[16] ، و قال وكيع : ''يذهب عقله عندهن ''.
و السلف رحمهم الله كانوا أشد الخوف من فتنة النساء و لم يقولوا يوما كقول الناس اليوم :
'' نعم نحن نعلم هذا و مستحيل أن نقع فيها أو هي مجرد كلام ليس فيه مخالفة أو نحن نتبادل المعارف و الخبرات '' ،
فعن أبي المليح سمعت ميمونا - أي ابن مهران - يقول:'' لأن أوتمن على بيت مال أحب إلي من أن أوتمن على امرأة''. [17]
و عن فرات ابن السائب عن ميمون بن مهران قال:'' ثلاث لا تبلون نفسك بهن:
لا تدخل على السلطان وإن قلت: آمره بطاعة الله،
ولا تصغين سمعك إلى هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه،
ولا تدخل على امرأة ولو قلت: أعلمها كتاب الله''.[18]
و عن عطاء قال: ''لو ائتمنت على بيت مال لكنت أمينا ولا آمن نفسي على أمة شوهاء.''،قلت - أي الإمام الذهبي - : '' صدق رحمه الله''.[19]
و ذكر الإمام الذهبي أيضا:''عن سفيان بن عيينة ،عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسِّيب، قال : ما أيِسَ الشيطان مِنْ شيء إلا أتاه مِن قِبَل النساء .
ثم قال لنا سعيد ـ وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى :ما شيء أخوف عندي من النساء''.[20]
و ذكر أيضا : ''عن سلَّام بن مسكين :حدثنا عمران بن عبد الله الخزاعي قال: قال سعيد بن المسِّيب:
ما خِفْتُ على نفسي شيئاً مخافةَ النساء ،قالوا: يا أبا محمد! إن مثلك لا يُريدُ النساء ،ولا تُريدُهُ النساء ،
فقال: هو ما أقول لكم. وكان شيخاً كبيراً أعمش.''[21]
قلت : لاحظوا بارك الله فيكم كيف كان السلف يخافون أشد الخوف من فتنة النساء
وأما الآن أنت تقول له يا أخي اتقي فتنة النساء وهو يقول أنا أعلم لا تقلق علي .
فاللهم سلم سلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]: حديث : '' النساء حبائل الشيطان '' انظر ضعيف الجامع رقم (1239) و (3428).
[2]: شرح صحيح مسلم للنووي (9/105).
[3]: انظر آداب النساء لعبد الملك بن حبيب .
[4]:أخرجه البخاري في النكاح (4706) وفي باب ما يُتَّقَى من شؤم المرأة (5096)، ومسلم في الرقاق (2740) و(7121) ،
والترمذي في الأدب (3007)، وابن ماجه في الفتن (4133)، وأحمد (22463)، والحميدي في مسنده (574)،
والبيهقي (13905)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
[5]: رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ( رقم 17643) ، (4 / 46)
[6]: التذكرة في أمور الآخرة ، القرطبي ، ( ص43) ، باب (ما جاء في سوء الخاتمة وما جاء أن الأعمال بالخواتيم).
وذكرها ابن الجوزي في كتابه (ذم الهوى) في ذكر من كفر بسبب العشق،
وذكرها ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في كبيرة (الكبر والعجب والخيلاء).
[7]:انظرالبداية والنهاية.
[8]:انظر لسان الميزان.
[9]: رواه مسلم.
[10]: انظر فتح الباري باب ما يتقى من شؤم المرأة.
[11]: عمدة القاري.
[12]: هذه الأبيات قيل اقتبسها أبو عمر البغدادي من قصيدة الشاعر الأندلسى
أبوالبقاء الرندي يرثى فيها حال الأندلس و قيل هي لابن رشق القيرواني و الله أعلم.
[13]: انظر فتح الباري باب ما يتقى من شؤم المرأة.
[14]:التسهيل (1/188).
[15]:المحرر الوجيز " (2/40-41).
[16]:زاد المسير (1/395).
[17]: سير أعلام النبلاء (5/77).
[18]:المصدر السابق (5/77).
[19]:المصدر السابق (5/ 87-88).
[20]: المصدر السابق (4/237).
[21]: المصدر السابق (4/241).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للحديــث بقيّــة في الرد القادمــ،