قلة الأسماء
مشكلة عويصة أخرى تلقي بنا كبشر في طيات التشتت النفسي والمعنوي ، إنها التقريب إلى أقرب اسم . وهذا أمر مختلف عما يحدث في عملية التشبيه بين مسمّيين.
في عملية التشبيه بين مسمّيين، نعلم نحن تماماً، بعدم الانطباق المعنوي بين المشبه والمشبه به .ونعلم أن وجه الشبه بينهما، بوصفه الجزء المشترك بينهما إنما هو في الحقيقة مجرد جزء، وتمنعنا الأجزاء الأخرى -وهي الأجزاء غير المتطابقة- من مواصلة القياس بين المشبه والمشبه به. لذا، فإن خطر الإسقاط الكلي يزول مع تبيننا الفروق بين المسميين، وبشكل عفوي وطبيعي، يتمسك عقلنا البشري بضرورة وجود اسمين مختلفين لذانك المسمّيين.
لكن على خلاف ذلك ، فإن ما يحدث في عملية "التقريب إلى أقرب اسم" هو إقحام مسمّى ما تحت اسم غير ممثل له بدقة، لعدم وجود اسم بديل يمثل المسمى المفهوم بالفعل . إنها عملية تصنيف عقلي خاطئة ، يقوم بها العقل مضطراً، لعدم توفر الاسم المناسب للمسمى المناسب. فيضطر العقل لإلحاق المسمى بأقرب اسم لمفهوم آخر مجاور له وشبيه به.و يترتب على ذلك أن يتعامل العقل مع (المفهوم المسمى) في كل ما يخصه وفق التصنيف الخاطئ الذي صنفّه فيه أساساً. فهكذا يفترض العقل قسراً خصائص معينة للمفهوم المسمى الخاطئ تناسب خصائص التصنيف الذي صنّفه فيه،ويبدأ العقل بمحاكمة المسمى وفقاً لخصائص تصنيفه الخاطئ. وعندما يكون هذا المسمّى "عاطفة " يصبح الإشكال مستفحل الخطر. لأن العقل الذي يعمل وفق مبدأ السبب والنتيجة ، يفرض على النفس تصوّرا قسرياً لمجال تقلبات العاطفة وتغيراتها. كما أنه يفرض احتمالات خاطئة لتفسير ما يصدر عن تلك العاطفة من ارتباطات وتعلقات وتفاعلات . العقل هكذا يبدأ بتقصّي النتائج المتوقعة حسب تصنيفه الخاطئ . وبهذا فإن فرصة تقبل الجديد من النتائج المحتملة تكون معدومة . وبهذا يحرم العقل نفسه من فرصة اكتشاف مسارات جديدة ومختلفة لأبعاد نفسية عاطفية جديدة .
إن هذه المشكلة برمتها قد خلقتها مشكلة اكتفاء العقل بما هو مطروح اجتماعياً من أسماء مفهومية قديمة ومتداولة ، فقلة الأسماء القديمة وعدم كفايتها، مع عدم تكريس أسماء جديدة لحالات نفسية معنوية تبدو متقاربة للوهلة الأولى على غير ما تضمر خصائصها الحقيقية ، كل ذلك يؤدي إلى أن يغشّ العقل نفسه فيقع في " فقه موهوم ". ويفرض على النفس محاكمات ومحاسبات عقلية ونفسية تديرها قوانين غير مطابقة لواقع الحال ..وسنأتي بأمثلة عن هذه المحاكمات _ إن شاء الله - تشرح مأزق العقل في التصنيف الخاطئ الذي يتبعه بالتقريب إلى أقرب اسم ، وما يترتب عليه من قسر عاطفي.
يتبع بإذن الله