السّبتي .
( السّبْتِي ) جارنا في الصغر، لم أكن أحبه أبدا ، وسماع اسمه يرتبط في ذهني بشيئين اثنين ، أولاً تلك الحركة السيئة التي كثيرا ما يقوم بها بفمه فأصبحتْ عادة يُعرفُ بها،
بودي أن أكتب عن تلك الحركة لكن لا أعتقد أن الحروف ستوفيها حقّها ! إنها تشبه "تثيسسس" بالفم ، (أعلم أن أغلبكم سيجربها، لابأس جربوها ربما تضبط معكم ،

) ،
تلك الحركة ربما يقوم بها جلّ الناس عندما يلتصق بين أسنانهم
بقايا طعام و خاصة إن كان لحمًا، لكن ( سي السّبْتي ) تعوّد على القيام بها سواء أكل لحمًا أو خُبّيزة، ولذلك أصبحت تلك الحركة ممقوتة من الجميع،وخاصة أخي الصغير
هاهي تلك الذكرى معه تقفز ببالي ، حيث كان يوبّخني
أشدّ توبيخ إنْ أنا قمتُ بتلك الحركة حين يلتصق بقايا لحم بين أسناني، فيقول متذمرا : " ما بك ، تقلّدين السّبتي ؟ ، وجعني قلبي ، قومي من أمامي "
ورغم أنه أقل منّي سنّاً إلا أني كنتُ أُطيعه خوفًا من غضبه لأني أعلمُ مدى مقتِه لتلك العادة التي سبَّبَتْ مقته للسّبتي أيضا .
أما الشيء الثاني الذي علق بذاكرتي مع اسم ( السّبتي ) فهو ذاك اليوم الهادئ، كنت ألعب مع شلة بنات في إحدى شوارع الحي،لا أدري ربما تخاصمتُ مع بعض البنات،
ولا أذكر بالضبط هل كانت احدى بنات السّبتي
ممن تشاجرت معهن أم لا؟ والاحتمال الأكبر لم تكن بينهن إحدى بناته ...لا علينا فالضربة وقعتْ و انتهى الأمر ...مرت صبيحة ذاك اليوم عادية هادئة، رجعتْ كل واحدة لبيتها،
وفي المساء خرجتُ مستأنسة بالهواء البارد أمشي في ذاك الشارع
خفيفة كفراشة تتنقل بين الزهور، لكنّ الدّبور كان يتربص بي في مكان ما، دبّور طويل كناطحات السحاب، ثقيل وعملاق كجبال الألب ! ( على الأقل في نظري ) إنّه السّبْتي حطّمَ جناحي !
بدون سابق إنذار انقضّ عليَّ ضربًا وركلاً ، وصفعًا،
وهو يردد : " كيف تضربين بناتي كيف؟ " لم يترك لي فرصة للرد ...آيْ ضرباته مازالت للآن تؤلمني !
لم أقُل له شيئًا كان وحشًا كاسرًا يشبه ذاك الدبّ البشع الذي يحتفظ به في غرفة الضيوف عنده.
ذهبتُ لمنزلي مسكورة الجناح والخاطر وما حزّ في نفسي كثيرا بعد تلك الحادثة هو ردة فعل والدي بعدما أخبرتُهما بتعرضي للقصف العشوائي ركلاً ولكمًا من طرف السّبتي ،
لم يفعلا شيئًا، ابتلعا الأمر بكل خنوع !
لا أدري لمَ ؟ ربما خوفًا من التورط معه في مشادات أخرى، فقد كان معروفا عنه أنه ( متهشْكِلٌ ) بلا عقل لا يقف في طريقه شيء !
من ذلك اليوم أصبحتُ أكره السّبْتي وكل مشتقاته ( زوجته بناته ابنه الوحيد ) ، وأكثر من أكره طبعا هو السّبتي لأنه ركلني بعنف شديد ،
منذ ذلك اليوم قررتُ توريطه ...انتظرت حتى جاءت الفرصة على طبق من ذهب .
~
بدأ كل شيء مع تلك الإشاعة التي استيقظت القرية عليها صباحًا، إشاعة خطيرة لا تناسب هدوء قريتنا وحيّنا بالضبط، أخبرَتْنا جدتي أن "سنا" ابنة الجيران قالت بأنها رأتْ ليلة أمس
- بينما كانت مع والدها عائديْن من إحدى المقاهي القريبة - طيفًا لرجل يتوارى خلف التلّة الكبيرة وهو يحمل كيسًا كبيرا وفيه شيء بدا وكأنه يتخبّط، وقالت بأنها لمحت الطيف يعرج ...
وماكادت تُلوّح لوالدها كيْ يراه حتى
اختفى الطيف بيت التلال!
كانت أمي و إخوتي يستمعون للخبر بكل انتباه، وكلّ واحد التقط مايشاء من جزئية، أما أنا فقد تسرب لي من كل الحديث عبارة ( وقالت بأنها لمحت الطيف يعرج) ، فصحتُ أقطعُ حديثهم :
" إنه السّبتي ، السّبتي ، من غيره يعرج في القرية، ومن غيره يستطيع حمل جثة، ومن غيره يَقتُل !!!!! "
اِلْتفت لي الجميع و صاحت أختي : " لا تقولي بأن ذكرى الركلات هي التي تُشغِّل مخك الآن ؟ " ثم انفَجَرتْ والجميع ضحكًا . شعرت بشيء انكسر فيّ ،
فقلت لهم : " ستبيّن الأيام مدى صدقي ...ستَرَوْن ، لا يوجد أحد
غير السّبْتي يصلح قاتلاً في هذه القرية " . وغادرتُ الجمْعَ غاضبة .
في صباح اليوم الموالي شاع الخبر أكثر و قرّر أفراد القرية التجمّع مُستغلّين فرصة غياب ( السّبتي ) الذي كان منشغلاً بتحميل الحديد في إحدى الشاحنات خارج القرية، (

)كان ذلك عمله ،
باعتبار بنيته و جسمه المناسب
للأشغال الشاقة ، وكم تمنيت آنذاك أن يتحول عمله للأشغال الشاقة في السجن .
اجتمع الرجال في المقهى ، و اجتمعت بعض النسوة في صالون صاحب المقهى ، وراح الجميع يتناقشون الأمر، وفي الأخير ستُجمَع أفكار الفريقيْن
للوصول إلى حل خاصة و أن رائحة التعفن بدأت تتسرب للبيوت، يبدو أن الجثة تعفّنتْ سريعا بحكم وجودها في الخلاء و بحكم شمس الصيف الحارقة .
يُتبع .....( حبّينا نجربو سياسة التشويق

)
_____
مهداة لـــ التي سرقتُ منها فكرة الجريمة التي حدثتني عنها منذ سنوات .

و لمن مازالوا يؤمنون بقلمي ويشجعونني في الخفاء .
