على الهامش : قصة تحكي عن شاب عاد به الزمن إلى العصور الغابرة_ حتى تتضح الصورة_
أسكب ذاك الضباب البارد وشاحه الهش بين تلك الأبنية التي تلاطمت على أسوارها المتهرئة دموع الرهبة و أنفاس اختلجت بصدر الموت
فلامس أسطح المباني بعنف و انكسر الزجاج الأملس مع أول ارتطام، كانت الشوارع تعج بأنصاف أشباح تتوه بأرجل دمت فاحترق القلب في أول محطة
و بعثر رسائله المودعة بشق تلك الغرفة المطلة على سطور الفناء مغمض العينين قد لف الظلام ذاك المحيط الصامت و ألجمته ريح تسللت من نافذة العذاب
فارتعش جسمه وهوت فرائسه في كل مرة ولمعان الضوء يأتيه حينا ثم يتلاشى إلى أخر رمق فبقي أسيرا تتعاقب على راحتي يديه دقائق لا نهاية لها ...
كان وقع الأرجل خلف باب الزنزانة كضجيج مدينة كبيرة و أضواء العربات العسكرية و أصوات محركاتها قد أبان عن مشكلة كبيرة وقع فيها نضال
فبين حدود الحرية المرتحلة بعيدا يسند ركبتيه منتظرا ذاك المصير الغامض وبعدها بلحظة إذ بالنور يخرق أرجاء الغرفة والسلاح يعتلي رفوف تلك الأيادي الضخمة
ومن دون سابق إنذار أحس نضال بلكمة قوية تطايرت معها لون الحمرة في شفتيه
تتالت الدقائق و الوضع لا يزال يكتنفه شعور الضيق و الألم جراء التعذيب وما هي إلا ثواني حتى سمع دوي إنفجار بأحد زوايا الغرفة ورصاصات لامست الجدار بعنف شديد
ورجال قد إكتست جباههم الناصعة وزرقة طفيفة غارت بين المقل أتى أحدهم وهم بإخراج نضال والإبتسامة تعتلي محياه كأنه شوق ذكريات لازم تلك اللحظة
بخطوات متعرجة دلف من تلك الزنزانة لتلدغه نسمات الصقيع الباردة وتصطك أسنانه كمعزوفة الغريب ، محاولا إدارك ما يحصل له وشتات الحين لا يزال يراود أفكاره
لم يدم الكلام طويلا فالبندقية ارتطمت بكفيه معلنة بدأ العمل توثب على عجل يسير خلف ذاك الركب الكبير و ألسنة تميل إلى الاحمرار عانقت ذاك الضباب البارد
لتسكب ثلجا حارا غطى تلك الأرجل التي إعتلاها تدفق الأدرينالين الزائد ،لقد كان مشهد الأبنية التي عبث بها الخراب و الرماد المتحصن بالسطح في رثاء السواد المحشور بين الزوايا
يختزل الصورة عند نضال توقف عند أحد النقاط المهمة يلتقط أنفاسا هربت من جوفه وبينما هو كذلك إذ به يلمح يدا تطل بنافذة تهشمت مقدمتها تلوح يمنة ويسرا في نداء إستغاثة
وضعت على فوهة الدبابة التي تترصد المنزل .
حاول أن يتسلل بصمت إلى الداخل مطأطأ رأسه ومحتميا بجزء الباب المكسور زاد من تقدمه إلى أن وصل بأرضية نثرت زجاجها المتفرق هنا وهناك وصوت خافت يقول له
" تعال إلى هنا وساعدني في حمل الوالدة والدموع تثخن وجنتيها المحمرتين".
(بهمس يلامس القلب ) " لا تقلقي أنا هنا لنرفعها معا في لحظة واحدة "
أمسكا بها على مهل و توجها صوب الخارج و العيون ترقب تلك الفوهة الثقيلة التي تتحرك ببطء دلفا من هناك و ما هي إلا لحظة زمن حتى اخترقت أحد القذائف الأسوار الهشة
لينفجر كل شيء ويرتفع الدخان محتضنا أنفاس الصقيع ، بوجه تجاذبه السواد ليغطي شفتيه و دقات تصاعدت بصعوبة
نظر نضال صوب الأم و ابنتها التي لم تخف الحرب ملامحها الجميلة باخضرار العين و شعر أشقر انسدل كموج البحر .
بزحام الشارع و نار اشتعلت بتلك الدبابة أعلن الإنتصار وصد العدوان الألماني لترفع الأيادي ملوحة بشارة الحمرة القوقازية تتوسطها النجوم الصفراء
ببرودة الثلج الذي غارت به تشققات الشفاه ، كان نضال يمعن النظر في تلك الشقراء التي لاقت بعينيها بريق القمر حرك يديه معلنا الرحيل