ممسكة ذاك القلم الذي تداعب به أحرفه تلك الأوراق البيضاء بنظارات زينت عينيها وهي ترقب الشاشة حينا ثم تخفض رأسها
منهمكة في كتابة مقال بخصوص الأحداث الجارية بسوريا بين نبض القلب عطفا
و حداد إلتحفته تلك الكلمات قد ألفت أن تتميز بأخبارها الحصرية فالشجاعة والمغامرة كانتا صفتان لا تفارقانها،
كيف لا وذاك الحلم الطفولي الذي دون بين كتيب الأحلام أضحى واقعا ملموسا
و تلك العيون التي ما فتئت أن تقابل مرآة الأمنية لترتسم على حدودها كلمة الصحفية هدى،
فتاة عانقت الوحدة أناملها الباردة إلا من رؤية والدتها التي سطرت تجاعيد الزمن عليها هموما ثقالا.
وبينما هي منشغلة بين تلك الحروف إذ بهاتف المكتب يرن (قد كان صوت المدير)
"إلتحقي بمكتبي فورا أملك لك خبرا رائعا يا مبدعتنا"
بخطى متسارعة و عقل تقاذفته أفكار كثيرة دلفت إلى ذاك الممر الطويل والقلب يتهلل في دقاته ألف سؤال " خيرا أراك طلبتني"
نظر فيها جيدا ثم قال :" نعم لديك مهمة خاصة و أراك جديرة بتحملها، نحاول وضع تقرير مفصل بخصوص جبهة النصرة
وعملها في الميدان قد حضرنا كل الإجراءات والسفر يوم غد فتجهزي "
حملت حقيبتها الجلدية بعد أن وضعت تلك الأوراق بسرعة وإتجهت صوب المنزل وصورة والدتها لم تفارقها
فالبعد والشوق لا تتحمله وميدان العمل الخطير لكن التضحية من أجل الحقيقة مهمة أيضا
بتلك الحروف الصارخة أجابت هدى توسلات أمها بالعدول عن قرار الذهاب غير أنها أصرت وبشدة.
بأجواء ساخنة كتب فيها اللون الأحمر كلماته الدامية و بنايات عانقتها القذائف بقسوة فأسقطت من أسطح الجمال زهور الصباح
وثرى تبدلت بين أسواره الدانية أوراق الشجر لتميل للصفرة وتطير مع الريح إلى حيث يقف الموت مبتسما
يلمح أطياف الضباب تتلاشى الواحدة تلو الأخرى، هكذا بدأت هدى تصوير تقريرها وهي واقفة بجوار أحد العربات القتالية
التي كانت تصب رمادها الأسود بين نسمات الهواء لترسل رصاصات القتل بينما كانت الأجواء تتسيدها طائرات الموت
تلقي على روادها رسائل العنف و الغضب،و أيادي تلوح في كل صوب وجحافل الأقدام تتحرك في صمت خوفا من عيون ترقب ببطء .
أرادت أن تقترب من أحد الأبية القريبة في توثيق لأحد المجازر غير مدركة من أنها قد تكون هي أيضا ضمن مرمى الإستهداف،
وفي لحظة إذ بقذيفة مدفعية ترج الأرض والزجاج متطاير في كل مكان والغبار الصاعد أعتم الرؤية و أنفس إعلت حدود السماء،
في الجهة المقابلة كانت والدة هدى تتنقل بين القنوات تتبع أخبار إبنتها وهذه أول مرة تحس بقلق إرتمى بصدرها البارد
وفي خبر عاجل تذيل أسفل الشاشة
" وفاة مراسلة في تغطية الأحداث بسوريا" دققت في الفتاة التي انزوت على الهامش
"إنها هي نعم إنها هدى"
هذه كانت أخر الكلمات التي قالتها قبل أن تسقط على فراش الحزن تقلب صور هدى التي حلمت يوما