مع إشراقة صباح تنفست بين جنبيه غيوم السماء و زهور زينت شوارع المدينة كان أحمد وصديقه سامي يستقلان سيارتهما في رحلة عودة إلى الديار
بعد زيارة خفيفة قادتهما إلى عم أحمد الذي أصيب بوعكة صحية ألزمته الفراش،بأيادي مودعة وألسن بالشفاء داعية غادر أحمد بيت عمه و البشاشة ترتسم على وجنتيه
بعد أن إطمأن عليه بحكم تعلقه الشديد به.
وبينما هما في الطريق إذ بالسيارة تتعطل فجأة أومأ أحمد بوجهه تجاه صديقه تكاد أوداجه المحمرة تثور بركانا
" يا لحظنا السيء لا أدري ما حصل لها رغم أني تفقدتها مسبقا !! "
ليرد عليه سامي
" لا عليك لعله خير المهم لا تقلق يا صديقي ، صفها على جنب ولنحتمي بتلك الشجرة من حر الشمس لعلا وعسى يأتي من يساعدنا"
تسمر الوقت بين عقاربه ببطء والتأفف بدا واضحا على أحمد المعروف بسرعة الغضب وهو جالس يحرك عينيه يمنة ويسرة ،
وبعدها بثواني إذ بهما يلمحان شيخا قد لونت التجاعيد جبينه الأبيض يترنح في مشيته بثيابه البالية وعصاه الطويلة التي لا تفارقه
قد بدى على محياه طيبة تأسر القلوب و جمال يداعب النفس لتجعلها تركن إليه دنى منهما والبسمة تعلو شفتيه .
تعجبا منه ليبادر أحمد بسؤاله " أراك مبتسما يا ترى ما السر في ذلك ؟"
تنهد الشيخ تنهيدة طويلة ثم أشار بيديه صوب الشجرتين اللتان كانتا أشبه بعاشقين يحتضنان بعضهما البعض
و أردف قائلا : " إقتربا مني لأقص عليكما قصتهما "
تسلل الفضول إليهما واستذكرا أيام الصغر لما كان الجميع ينتظر إسدال الليل ستاره والغطاء يلتحف الجسد والأذان ترقب بشوق سماع قصة النوم .
بين شوق الحب تزهر الأساطير وتتفنن الكلمات لتهمس على وقعها الحروف وينبض القلب في لهفة كتغريد الطيور في سراج الهيام،
هذا ما عاشه زياد صاحب الإبتسامة الواسعة والوجه الأنور و سلمى تلك الفتاة الجميلة ذات الشعر المنسدل كحبات اللؤلؤ
قد شغفها حبا و أصبحت جليسة الليل بطيفها الذي يكتب له رسائل النور الأحمر، زاد القرب أكثر فأكثر و البوح أزهرت وروده مع نسمات يوم جميل
أمسك يديها الدافئتين والمقل تلمع في سحر من نوع خاص
"أحببتك و الروح إليك ترنو في صمت يا قمرا أرقب مشيته فتتجمل عيناي برؤيته، قد شجوت في ترانيم العشق كلاما فارتسمت على خد الجمال ألحان الهوى"
زاد تعلق الحبيبين ببعضهما البعض و تلامست الأرواح في سماء العشق كشجرتين تعانقت أغصانهما فإرتمى الفؤاد في لوعة يتحسس أنفاس المحب و قربه،
غير أن هذا التعلق سرعان ما تطايرت أوراقه المزركشة لما علم والدها بما تفعل فأمر إخوتها أن يأتوه بزياد هذا
وفعلا جثى على ركبتيه و هوى الحب لا يزال يتلألأ في ناظريه شد على طرف ردائه بقوه ثم بسطه أرضا
" هيا خذوه إلى خارج المدينة و ادفنوه حيا "..
قاموا بسحبه من رجليه والرمل يلتحف جسده الذي أصبح قبلة للضربات وبين القهقهة الساخرة ردموه وهموا بالعودة،
مسح الشيخ بعض الدموع التي بدأت تتسلل بين خديه ليسترسل قائلا: كانت سلمى تقف عند هذا المكان دائما قد روت مقل عينيها الباكية الثرى،
والحزن قد ربت على صدرها المنكسر تائهة في حدود الفراق لتثمر الأيام هاتين الشجرتين لتخلدا حبا جميلا أشرق ذات يوم ثم ضاع بين وقع الأقدام.
إلتفت سامي والأسى باد بوجنتيه صوب صديقه أحمد ليردف قائلا:
ما أوسع خيال الانسان وما أقدره على ابتكار أحاديث الهوى وأقاصيص الغرام،
كل شئ لديه إلى العشق مرجعه ، ومن الحب منبته وإليه مآله ومنتهاه.