ممسكا ذاك الدفتر بين يديه الباردتين مزاجه متقلب هنا وهناك كحروف تطايرت معانيها في سماء الكلمات حاملة معها ورودا بدأت تذبل شيئا فشيئا

مرة يبكي ومرة يرمق ببصره صوب ذاك الأفق التائه بين حدود الذكريات  تبدو على وجهه علامات التعب المفرط كهالة سوداء تتمدد يمنة ويسرا

بأكم ردائه تتدلى تلك القلادة القديمة يراها بتأمل عميق فهي أخر ذكرى بقيت له من والدته..

مشتت الذهن قد تاهت أفكاره وسط دوامة الأهات المنسكبة بين أسطر الحزن المميت طأطأ رأسه إلى الأرض لم يعد يشعر بالوقت أو حتى بالحياة أصلا

أحلامه الطفولية تلاطمت بين أمواج القدر فإحترقت كرماد تبعثرت حباته فوق أشواك و دم ،

ذاك الدم المرتحل خلف أسوار الزمان القاسي قد أعدمت أنفاسه وسط الرفات ...

أسبلت دموعه الصامتة على وجنتيه الذابلتين قد ترقرقت بفيض الروح الهائمة التي إجتاحها الظلام

فسكن بين أذرعها الهشة مطبقا على  فاهها المشقق بحسرة الأيام ..

وبينما هو أسير بين جدران الصمت النازف إذ به يرفع رأسه ليرى رجلا كبيرا قد أهلكت التجاعيد وجهه ماسكا تلك العصا الطويلة

يرتنح في خطوه المثقل يسقط حينا و ينهض أخرى ذهب إليه مسرعا

قاله له :" دعني أساعدك يا شيخنا الفاضل "

دقق الشيخ في الشاب جيدا ثم قال " أرى أنك مهموم يا بني كأن جبلا فوق ظهرك"

تنهد تنهيدة طويلة ثم قال :" يا شيخ أنتم عشتم زمانا ليس كزماننا ..آآآآه من أيامنا الجرداء التي إكتحلت بظلل السواد الداكن فلم يعد للدنيا شوق بقاء ولا أمل يضاف "

يا بني قد تحمل الغمامة بعض الظلمة في أجزائها لكن تهل بشائرها على ذاك الثرى الجاف وتلك الأزهار اليابسة

لتعود بعدها مخضرة تتمايل سنابلها الطويلة مع نسمات الريح كذلك حالنا نحن يجب أن لا نرى للأمور بضبابية مفتعلة

و نرمي السهام بإرتجال لنحصل على الصيد بل يجب أن نعلم جيدا أنه لا شيء يأخذ بالتمني أو ببعض السطور الورقية نضعها فوق الرفوف لنتأملها كل صباح

ثم نمزقها لما تقسو علينا اللحظات وندفن رؤسنا كما النعام...

إنفض عنك غبار الأحزان يا بني ليتوهج نبضك المأسور بين الماضي ودع تلك القيود الجاثمة على قلبك لتشرق شمسك الغائبة بعد ليل طويل

فإني أتوسم فيك الخير الكبير قد أبدو رث الثياب و عاجزا لكن التجربة تعلمك ما تجهل فلا تدع المظهر يخدعك ..