وقوله والخبر جملة اسمية نحو قوله:
ووجه مشرق النحر كأن ثدياه حقان
وقول الآخر:
ويكأن من يكن له نشب يحبب, ومن يفتقر يعش عيش ضر
وقوله أو فعلية مبدوءة بـ (لم) مثاله قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} , وقول الشاعر:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس, ولم يسمر بمكة سامر
ووقع في شعر عمار الكلبي ابتداؤها بـ (لما) الجازمة في قوله من قصيدته الطويلة التي أولها:
مرحبًا بالشيب من جند هجم في سواد الرأس مني, فانهزم
بددت منها الليالي شملهم فكأن لما يكونوا قبل ثم
فابتدأ بالجملة بعد (كأن) بقوله (لما) إجراء لها مجرى (لم) , وينبغي أن يتوقف في جواز ذلك حتى يسمع من العرب الذين كلامهم حجة.
وقوله أو قد مثاله:
أفد الترحل غير أن ركابنا لما تزل برحالنا, وكأن قد
وقوله أو مفرد هو معطوف على قوله (جملة) من قوله "والخبر جملة", ومثال ذلك قوله:
ويومًا تواقينا بوجه مقسم كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
أي: كأنها ظبية, في رواية من رفع الظبية.
وقال المصنف: "وتخفف كأن, فلا تلغى, بل تعمل إعمال (أن) المخففة, إلا أن خبرها إذا قدر اسمها لا يلزم كونه جملة, بل قد يكون مفردًا, بخلاف خبر (أن) إذا قدر اسمها" فظاهر كلامه في الفص وفي الشرح أنه يجوز أن يحذف اسم كأن إذا خففت, ويكون خبرها مفردًا في فصيح الكلام, وكذلك إذا حذف وكان الخبر جملة ابتدائية كما سبق, والذي ذكر س أن ذلك يجوز في الشعر, قال س: "وروى الخليل -رحمه الله- أن ناسًا يقولون: إن بك زيد مأخوذ, فقال: هذا على قوله: إنه بك زيد مأخوذ, وشبهه بما يجوز في الشعر, نحو قوله:
ويومًا توافينا, البيت
وقال: أي: كأنها ظبية, وقال الآخر:
ووجه مشرق النحر, البيت".
ثم قال: "إنه لا يحسن ههنا إلا الإضمار", يعني من حيث رفع (الظبية) ورفع (حقان) , فظاهر كلام س أن إضمار اسم (كأن) وحذفه بعد التخفيف, وإخباره عنه بالمفرد أو بالجملة الابتدائية, يجوز في الشعر لا في الكلام, وهذا إذا كان الاسم غير ضمير الأمر.
وقوله وقد يبرز اسمها في الشعر مثاله:
.................... كأن ثدييه حقان
وقوله:
كأن وريديه رشاء خلب
وقوله:
....................... كأن ظبية تعطو إلى وارق السلم
وظاهر كلام المصنف أن بروز اسمها يكون في الشعر لا في الكلام, وهو خلاف ظاهر كلام س, قال س: "وحدثنا من يوثق به أنه يسمع من العرب من يقول: إن عمرًا لمنطلق, وأهل المدينة يقرأون: {وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا} يخففون وينصبون, كما قالوا:
............................. كأن ثدييه حقان
وذلك لأن الحرف بمنزلة الفعل, فلما حذف من نفسه شيء لم يغير عمله كما لم يغير عمل (لم يك) و (لم أبل) حين حذف" انتهى, فظاهر تشبيه س "إن عمرًا لمنطلق" بقوله "كأن ثدييه حقان" جواز ذلك في الكلام, وأنه لا يختص بالشعر.
ونقل صاحب (رؤوس المسائل) أن (كأن) إذا خففت لا يجوز إعمالها عند الكوفيين, وأن البصريين أجازوا ذلك.
وفي (البسيط): كأن إذا خففت لا تلغى لقوتها في معنى الفعلية, إذ يدل على معنى الفعل من التشبيه, ولقوة معنى الفعل فيها نصب بها الظاهر, واعتبر فيها ما ليس قصة ولا شأنًا, فمن الظاهر:
...................... كأن وريديه رشاء خلب
و:
....................... كأن ظبية ............
وقد رُفع (ظبية) على الخبر, قال س: "على مثل الإضمار في: إنه من يأتنا نأته, أو يكون هذا المضمر هو الذي ذكر, كأنك قلت: كأنه ظبية, كما كان في المشددة" انتهى لفظ س.
وقال صاحب (البسيط): "وأما ما هو الأفصح فكقوله:
..................... كأن ثدياه حقان
ويجوز النصب, وقيل: إن غير الرفع لا يجوز إلا في الضرورة. وفيه نظر لأنها أقوى من (إن) , وهو جائز في الكلام".
وفي كتاب أبي الفضل الصفار: "وأما (كأن) فإنما لزم عملها لأنه لم يحفظ ولايتها للفعل في موضع, وهي تعمل في الظاهر والمضمر مضمر الشأن وغيره؛ لأنها أقوى من (إن) في العمل لتغييرها معنى الابتداء, وإحداثها معنى لم يكن, وأشبهت الأفعال, فلهذا أعلموها, وأيضًا فإنها وإن اختلت بالحذف فالكاف زائدة فيها, كأنها عوض, فلم تختل بالجملة". انتهى.
وقال ابن خروف: "أنشد أبو زيد في حذف اسم كان وخبرها:
حتى تراها وكأن وكأن أعناقها مشددات في قرن"
انتهى, ولا دليل في ذلك إذ يجوز أن يكون من باب تأكيد الحرف.
وقوله ويقال: أما إن جزاك الله خيرًا, وربما قيل: أن جزاك, والأصل: أنه قال س: "وأما قولهم (أما جزاك الله خيرًا) فإنهم إنما
أجازوه لأنه دعاء, ولا يصلون ههنا إلى قد وإلى السين, ولو قلت (أما أن يغفر الله له) جاز لأنه دعاء", قال: "وسمعناهم يقولون: أما إن جزاك الله خيرًا, شبهوه بأنه".
قال المصنف في الشرح: "و (أما) قبل (أن) المخففة المفتوحة بمعنى: حقًا, كما هي قبل المشددة, وهي بمعنى (ألا) قبل (إن) المخففة المكسورة, هذا هو مذهب س, ويجوز عندي أن تكون (أما) في الوجهتين بمعنى (ألا) , وتكون (إن) المكسورة زائدة, كما في قوله:
ألا إن سرى ليلي فبت كئيبًا ......................
وفي المفتوحة على هذا وجهان:
أحدهما: أن تكون المخففة, وتكون هي وصلتها في موضع رفع بالابتداء, والخبر محذوف, كما تقرر في (أن) الواقعة بعد (لو) على مذهب س, ويكون التقدير: أما من دعائي أن جزاك الله خيرًا, ثم حذف الخبر للعلم به.
والثاني: أن تكون زائدة كما زيدت بعد (لما) , وقبل (لو) , وبعد كاف الجر في قوله:
........................ كأن ظبية تعطو .............
على رواية الجر, وفي قوله:
جَمُومُ الشد شائلة الذنابي وهاديها كأن جذع سحيق
ويجوز أن تكون (إن) في قول الشاعر (ألا إن سرى) مخففة من (إن) ويكون الأصل: ألا إنه, ثم فعل به ما فعل بـ (أما إن جزاك الله خيرًا) في قول س".
وقال ابن الطراوة في قولهم: أما إن جزاك الله خيرًا: وتخريج س على أنه (إن) المخففة من الثقيلة, والجملة غير المحتملة للصدق والكذب لا تقع خبرًا لـ (إن).
قال في شرح أبي الفضل الصفار: "والذي سهل عندنا وقوعه دون فصل أن السين لا يمكن دخولها على هذه الصيغة, ولا (لا) لأنها نقيض المعنى؛ ألا ترى أن (لا) دعاء عليه, ولا (قد) لأنها لقوم ينتظرون الخبر, فمعنى (قد قام) أن الفعل الذي توقعته قد كان, والدعاء طلب فهي تناقضه.
وقال ابن الطراوة: أما: استفتاح, وأن: زائدة, وكأنه قال: ألا جزاك الله خيرًا.
وردوا عليه بأن (أن) لا تزاد بقياس إلا بعد (لما) , وهي هنا زائدة بغير قياس, ونقول بحذف القول الذي تجعله خبرًا, والقول كثيرًا ما يضمر, نعم رده في: أرسل إليه أن قم, وأن ما أنت وذا حق؛ لأنه وإن ثبت كما قال س من كلامهم فـ (أن) بمنزلة (أي) , فما الداعية إلى جعلها أن المخففة من الثقيلة" انتهى.
وما خرجوا / عليه ضعيف جدًا لأنهم قد حذفوا اسم (أن) , ثم حذفوا القول الذي هو الخبر, وهذا إجحاف كثير إذ فيه حذف الاسم والخبر معًا, وليس في مذهب ابن الطراوة غير دعوى زيادة (أن) , وهذا قريب, زادوها كما زادوا أختها (إن) بعد (ألا) للاستفتاح, قال:
ألا إن بليل بان مني حبائبي .........................
وقوله وقد يقال في لعل: عل إلى آخرها, ذكر فيها عشر لغات, فأما (عل) فحكاها س وغيره, وقال الكسائي: هي لغة بني تيم الله من ربيعة, وقال الشاعر:
لا تهين الفقير علك أن تركع يومًا والدهر قد رفعه
واختلف في لا (لعل) الأولى: فقيل: اللام للتوكيد, وقيل: حذفت لأن كل ما زاد على ثلاثة في الحروف ليس بأصل, كما أن ما زاد على أربعة في الأفعال وعلى خمسة في الأسماء ليس بأصل.
وقال السهيلي: "اللام الأولى أصل في (لعل) في أقوى القولين لأن الزيادة تصرف, والحرف وضع اختصارًا, والزيادة عليه تنافيه, ومجيئها بغير لام لغة, أو حذف الحرف الأصلي, والحذف من جنس الاختصار, فهو أولى من الزيادة". انتهى.
وفي (البسيط): "وأما لام (لعل) فهي أصلية عند الكوفيين وأكثر النحويين, وذهب قوم إلى زيادتها, وبعضهم إلى أنها لام الابتداء".
وفي شرخ الخفاف: " (لعل) مركبة لأنهم قالوا (عل) في معناها, فلا يخلو أن تجعل اللام من أصل الكلمة, وتجعل (عل) محذوفة منها, أو يدعى أن اللام زائدة, ضمت إلى (عل) , فالأول لا ينبغي أن يقال به لأن الحروف لا يتصرف فيها, فلم يبق إلا أن تكون زائدة لغير معنى إلا لمجرد التكثير, ضمت إلى (عل) , وهذا القدر ليس بتصرف لأنا لم نضمها إليها على أن تكون من الكلمة على حد اللام في عبدل, بل ركبناها معها كما ركبنا (بعل) مع (بك) , وهذا ليس بتصرف لأنه ضم كلمة إلى كلمة" انتهى.
والذي اختاره أنها بسيطة, وقد تصرف فيها أنواعًا من التصرف إذ ذكروا فيها عشر لغات.
وأما قوله "إنها زيدت للتكثير" فهو ينافي قوله "إنه ضم كلمة إلى كلمة" لأن الكلمة إذا كانت حرفًا فلابد أن تدل على معنى في غيرها.
وأما (لعن) فحكاها الفراء, وقال الفرزدق:
ألستم عائجين بنا لعنا نرى العرصات أو أثر الخيام
وأنشد الباهلي:
ولا تحرم المولى الكريم فإنه أخوك, ولا تدري لعنك سائله
وقوله "لعنا نرى العرصات" أصله: لعننا, فحذف كما حذف في إنا, وأصله: إننا.
وأما (عن) فحكاها الكسائي, وأما (لأن) فقال امرؤ القيس:
عوجًا على الطلل المحيل لأننا نبكي الديار كما بكى ابن حذام
وأما (أن) فحكاها الخليل وهشام, وجعلا منه قوله تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} أي: لعلها, وحكي الخليل من قول بعض العرب: "ائت السوق أنك تشتري لنا شيئًا".
واستشهد الأخفش على ذلك بقول الشاعر:
قلت لشيبان: اذن من لقائه أنا نغدي القوم من شوائه
وقال الكسائي: "سمعت رجلًا يقول: ما أدري أنه صاحبها, يريد: لعله صاحبها".
وأما (رعن) فيمكن أن تكون الراء بدلًا من اللام, كما قالوا في وجل وأوجل: وجر وأوجر, والنون بدل من اللام, كما أبدلت اللام منها في أصيلال, وأصله أصيلان.
وأما (رغن) و (لغن) فاختلفوا في الغين: فقيل: هي بدل من العين,
كما قالوا في ارمعل: ارمغل؛ لأنها قريبة منها, إذ هما من حروف الحلق, وإذ يجتمعان في القافية الواحدة, كقوله:
قبحت من سالفة ومن صدغ كأنها كشية ضب في صقع
وقيل: إنها لغتان, وليس الغين بدلًا من العين, وهو الأظهر لقلة وجود الغين بدلًا من العين.
وقال المصنف: "والأربعة - يعني المتأخرة- قليلة الاستعمال, وأقلها استعمالًا لعلت, ذكرها أبو علي في التذكرة", انتهى.
وزاد بعض أصحابنا (غن) بالغين المعجمة والنون, وفي الغرة (رعل) بالراء بدلًا من اللام.
وقوله وقد يقع خبرها (أن يفعل) بعد اسم عين حملًا على عسى قال المصنف: "إذا كان الاسم في هذا الباب وغيره اسم معنى جاز كون الخبر فعلًا مقرونًا بـ (أن) كقولك: إن الصلاح أن يعصى الهوى, فلو كان الاسم اسم عين امتنع ذلك كما يمتنع في الابتداء, وقد يستباح في لعل حملًا على عسى, ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (لعلك أن تخلف حتى ينتفع
بك أقوام ويضر بك آخرون") انتهى. وقد تقدم كلامنا على هذه المسألة, وذكرنا أبياتًا شواهد على ذلك.
وقال آخر:
لعل الذي قاد النوى أن يردها إلينا, وقد يدنى البعيد من البعد
وهي لغة مشهورة كثيرة الوقوع في كلام العرب, حملوا (لعل) على (عسى) كما حملوا (عسى) على (لعل) في نصب اسمها ورفع الخبر في قوله:
فقلت: عساها نار كأس, وعلها ........................
وقوله:
يا أبتا علك أو عساكا
وذلك للمشاركة بينهما في الترجي, إلا أن الترجي في (عسى) مشروط بمعنى المقاربة, والمقاربة إخبار, فمن ثم كانت من الله -سبحانه- واجبة لأن الخبر منه واجب, والترجي لا يجوز على الله تعالى, إنما هو مصروف إلى المخاطب.
وقوله والجر بـ (لعل) إلى آخره, حكي الأخفش أن من العرب من يجر بـ (لعل) , وروى أبو زيد أن بني عقيل يجرون بـ (لعل) مفتوحة
الآخر ومكسورته, ومن ذلك قوله:
لعل الله يمكنني عليها جهارًا من زهير أو أسيد
وقال آخر:
لعل الله فضلكم علينا بشيء أن أمكم شريم
أنشده يعقوب بكسر اللام والجر بعدها, وقال آخر:
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة لعل أبي المغوار منك قريب
وروى الفراء الجر بـ (عل) , وأنشد:
عل صروف الدهر أو دولاتها يدلننا اللمة من لماتها
وفي (الإفصاح): "وزعم أبو زيد أن من العرب من يجر بـ (لعل) , وهي لغة عقيل, ويبنونها على الكسر ليكون بناؤها على لفظ عملها, وقال أبو الحسن: ذكر أبو عبيدة أنه سمع لام لعل مفتوحة في لغة من يجر
بها. وظاهر كلام أبي زيد أنها لغة, فهي على هذا حرف جر زائد, كالباء في: بحسبك زيد, وكـ (لولا) في لغة من يقول: لولاي ولولاك في مذهب س" انتهى.
وفي (البسيط): ويكون موضعها رفعًا, ولها محل, فتقل: لعل زيد قائم, كما تقول: بحسبك زيد, كأنك قلت: زيد قائم, كما لم تغير (إن) إلا اللفظ, بدليل الحمل عليها في العطف, وبقي الخبر مرفوعًا كما كان؛ إذ حرف الجر لا يعمل في اسمين, كما يقول الكوفي في أخواتها, فتكون على هذا زائدة, وأما إن لم تكن زائدة فتشكل.
ومن الناس من تأول ذلك على تقدير مضاف محذوف, والتقدير: لعل قضاء الله فضلكم, ولعل جواب أبي المغوار, ولعل قضاء الله يمكنني عليها, حذف المضاف, وأقام ما أضيف إليه على إعرابه, على حد قراءة من قرأ {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}.
وزعم الفارسي أن (لعل) خففت, وأعملت في ضمير الشأن محذوفًا, ووليها في اللفظ لام الجر مفتوحًا تارة ومكسورًا تارة, والجر به.
وتأول بعض أصحابنا قوله "لعل أبي المغوار" على أن في (لعل) ضمير الشأن, و"أبي المغوار" مجرور بلام محذوفة, أبقي عملها, و (قريب) صفة لـ (جواب) محذوف, والتقدير: لعله - أي: الشأن - لأبي المغوار منك جواب قريب.
ولا يخفى ما في هذه التخاريج من التكلف, وحكاية الأخفش وأبي زيد وغيرهم أنها لغة لبعض العرب مانع من هذه التأويلات, ومرجح جواز الجر بها على مذهب من منع ذلك, وهم الجمهور, وما أحسن قول الجزولي في ذلك: "وقد جروا بـ (لعل) منبهة على الأصل", يعني أن القياس كان يقتضي لهذه الحروف أن تجر الأسماء بها لأنها مختصة بها, وقياس ما اختص بالاسم ولم يتنزل منزلة الجزء منه أن يعمل ما اختص بالاسم من الإعراب, وهو الجر.
ومن غرائب المنقول أن الفراء ذهب إلى جواز الخفض بـ (لعل) , وإجازة نصب الخبر ورفعه, قال: والأصل: لعا لعبد الله, قال: فمن نصب قال: لا يكون الاسم مخفوضًا, وفعله مرفوع, ونصبه عنده على التفسير, كقولك: ما أظرفك رجلًا, ومن رفعه رفعه باللام, قال الفراء: فمن قال: لعا لعبد الله قائمًا, أو قائمًا, ثم كنى عن عبد الله, قال: لعله, فنصب لامه.
وهذا عند البصريين خطأ؛ لأنه إن أراد أن يخفض بـ (لعل) جاء بخلاف ما جاء به القرآن وما نقله أهل اللغة, وإن أراد (لعا) التي تقال لمن عثر, بمعنى: نعشك الله, ضد تعسًا, فلا معنى لها هنا, ولا لذكرها مع (إن) وأخواتها, وقال الأعشى:
........................... فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا
وقد قيل: لعا مقلوب من علا, وهو دعاء في موضع: أعلاه الله.
فلا يُنون على هذا لأنه فعل, ولا يدغم لأنه لا تنوين فيه.
-[ص: يجوز رفع المعطوف على اسم (إن) و (لكن) بعد الخبر بإجماع, لا قبله مطلقًا, خلافًا للكسائي, ولا بشرط خفاء إعراب الاسم, خلافًا للفراء, وإن توهم ما رأياه قدر تأخير المعطوف أو حذف قبله, و (أن) في ذلك كـ (إن) على الأصح, وكذا البواقي عند الفراء.]-
ش: ذكر أنه يجوز في قولك "إن زيدًا منطلق وعمرو" رفع (عمرو) بالعطف على اسم (إن) بالإجماع, وفي قوله مناقشة من وجهين:
أحدهما: قوله" رفع المعطوف على اسم إن", واسم إن منصوب, فكيف يجوز عطف المرفوع على المنصوب, وقد صرح في ألفيته بأن المعطوف المرفوع هو بالعطف على منصوب اسم (إن) قال فيها:
وجائز رفعك معطوفًا على منصوب إن بعد أن تستكملا
وإصلاحه أن يقول: "على اسم إن ولكن باعتبار الموضع", أو يقول: "على موضع اسم إن ولكن" لأن موضعه كان رفعًا قبل دخول إن ولكن.
والثاني: قوله "بالإجماع", وليس بصحيح, بل العطف بالرفع على موضع اسم (إن) فيه خلاف, والصحيح أن ذلك لا يجوز, والرفع إنما هو على الابتداء, والخبر محذوف لدلالة الخبر قبله عليه, هذا هو المتفهم من كلام س, ونص عليه الجرمي في (الفرخ) , وإليه ذهب أصحابنا.
وأيضًا فقد نقل النحاس عن الفراء والطوال أنه إنما يرفع الثاني بالعطف على الاسم المستتر في فعل الأول, فعلى هذا يكون الإجماع إنما هو على جواز رفع الاسم, أما على ماذا ففيه خلاف.
ونقول: الاسم الذي له موضع يخالف لفظه على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون ذلك الموضع لا يظهر في فصيح الكلام, نحو: مررت بزيد, فـ (زيد) وإن كان مخفوضًا بالباء هو في موضع نصب لأنه مفعول في المعنى, يدل على ذلك نصبه في الاضطرار, فهذا النوع لا يجوز فيه العطف على هذا الموضع, فإن جاء ما ظاهره ذلك حمل على أنه منصوب على إضمار فعل.
والثاني: أن يظهر في فصيح الكلام, نحو: ليس زيد بقائم, فيجوز (قائمًا) , وسواء أكان حرف الجر زائدًا كهذا, أو غير زائد, نحو قوله:
فإن لم تجد من دون عدنان والدًا ودون معد فلتزعم العواذل
فإنه يجوز فصيحًا: فإن لم تجد دون عدنان.
والثالث: أن يظهر في فصيح الكلام, لكنه ليس محرز, نحو: هذا ضارب زيد غدًا, فيجوز نصب (زيد) , لكنه يحتاج إلى تنوين (ضارب) , فهذا النوع مختلف فيه: فمنهم من أجاز النصب في العطف على الموضع, ومنهم من نصب بإضمار فعل.