ذكر المضمرات (4)
المضمر ما وضع لمتكلّم نحو: أنا أو لمخاطب نحو: أنت أو لغائب متقدم قطعا، ولا بدّ أن يكون متقدّما، إمّا لفظا تحقيقا، نحو: زيد ضربته أو تقديرا نحو:
ضرب غلامه زيد، أو يكون/ متقدّما معنى يفهم من اللّفظ نحو: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (5) أي العدل هو أقرب، فإنّ لفظ اعدلوا يدلّ على العدل، أو يفهم من سياق الكلام، نحو: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (6) أي لأبوي الميّت الموروث، لأنّه لمّا كان الكلام في الميراث لم يكن بد من موروث يعود الضمير إليه، أو يكون متقدّما حكما (7) وله عدّة صور:
الأولى: ما يعود إليه ضمير الشّأن نحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (8) أي الحديث الذي في ذهني هو كذا، والمراد من ذكره مبهما أولا، التعظيم والتفخيم لأنّ الشيء إذا ذكر مبهما ثمّ فسّر كان أوقع في النّفس.
الثانية: ما يعود إليه الضمير في نعم وبابه، نحو: نعم رجلا زيد، ففي نعم ضمير يعود إلى معهود ذهني ذي حقائق مختلفة، واسم الجنس يدلّ على حقيقة الذّات، فأتي به لتمييز الجنس المقصود - أعني المضمر في نعم - فقالوا: نعم رجلا، ونعم ضاربا زيد، أي نعم الرجل رجلا زيد، ولهذا لو قلت: نعم زيد لم يجز.
__________
(1) كالجرجاني وابن الخشاب، شرح الأشموني، 2/ 382.
(2) من الآية، 92 من سورة يوسف.
(3) شرح المفصل، 3/ 82.
(4) الكافية، 403.
(5) من الآية 8 من سورة المائدة.
(6) من الآية 11 من سورة النساء.
(7) شرح الكافية، 2/ 4.
(8) الآية 1 من سورة الإخلاص.
الثالثة: ما يعود إليه الضمير في ربّ نحو: ربّه رجلا، لما قيل في نعم واعلم أنّ ربّ دخلت هنا على الضمير، وهي لا
تدخل على المعارف؛ لأنّ الضمير لمّا لم يعد على مذكور جرى مجرى الظاهر النكرة ومن أجل ذلك احتاج هذا الضمير إلى التفسير بالنكرة المنصوبة، ولو كان كسائر المضمرات لم يحتج إلى تفسير.
الرابعة: ما يعود إليه الضمير في: ضرباني وضربت الزيدين، وإنّما جوّزوا فيه الإضمار قبل الذكر، لأنّه لمّا ذكر المفسّر بعده كان مقدّما حكما.
وبني المضمر لشبهه بالحرف في افتقاره إلى ما يرجع إليه كافتقار الحرف إلى أمر غيره، لا يتمّ معناه إلّا به إنّ وقيل: إنّ صيغها المختلفة لمّا كانت دالة على أنواع الإعراب أغنى ذلك عن إعرابها (1).