الهدية وصلت قصة قصيرة بقلمي
ط¢ط®ط±
ط§ظ„طµظپط­ط©
موعد مع الفجر
  • ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 463
    ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 511
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
صاحبة ردود قصصية متألقة
ناقدة أدبية
موعد مع الفجر
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
صاحبة ردود قصصية متألقة
ناقدة أدبية
ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 463
ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 511
ظ…ط¹ط¯ظ„ ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ ظٹظˆظ…ظٹط§: 0.1
ط§ظ„ط£ظٹط§ظ… ظ…ظ†ط° ط§ظ„ط¥ظ†ط¶ظ…ط§ظ…: 3829
  • 01:50 - 2016/01/28

الهدية وصلت

 

     فأما أن جدته كانت هي أمه الأولى، فتلك حقيقة تعترف بها أمه نفسها التي أتى بواسطتها إلى الوجود.

     وأما أنه يكنّ لها من الحب أضعاف ما يخفق به قلبه نحو والدته، فتلك مفاضلة لم يُقِمْ لها يوماً مّا وزناً.

     فهما اثنتاهما هناك وكفى. يتقلب، منذ أن وعى، بين هذا الحضن وذاك، فلا ينبو به أحدهما لحظة حتى يتلقفه الآخر لحظات.

 

     ومن أغرب ما يستعيده الآن في استحضاره لصور من الماضي، وقد صارت له حياته الخاصة التي أبعدته عنهما، أنه لم يكن يخطر له ببال مطلقاً تصوّر اليوم الذي يراهما فيه مفترقتين، حتى لكان يقول "أمي"، فتقفز إلى ذهنه صورتاهما معاً؛ فلا هذه تتقدم على تلك، ولا تلك الأخرى تسبق هذه أو تحاول أن تحلّ محلّها وتستقلّ بحبه هو دونها.

     لم تتنافسا في حبّه، لأن حبه هو لهما كان يسعهما معاً بدون تمييز لإحداهما عن الأخرى.

.

     في صباح ذلك اليوم الذي لن ينساه أبداً، أشرقت الشمس، فكانت شمساً أخرى! من قال إن الشمس واحدة، والقمر واحد، وهما شاهدان معاً على تلاحق الأيَاوِيم، ودفعها لعجلة العمر نحو لحظة الخلاص من قفص الوجود الأرضي؟

     فذاك اليوم قد شهد تنفيذ أمر تعيينه في المركز الذي أوكلت إليه مهمة إدارته. رحل، فانقطعت الصلة اليومية بين أمه وأمه الأولى. وفي عزلته تلك، صار الحنين لديه يقوى ويشتد ويزداد اليوم بعد الآخر، وهنا فحسب، تميّزت له المرأتان، وراح حبّه لجدته يهزّه هزّاً، وإنه ليَأُزُّ أَزّاً بفعل ما توافد على ذاكرته من لحظات جمعته بالجدة أكثر مما فعلته مع الوالدة.

     حينها استعجل الأيام ليعود إلى الوالدة، وإلى الجدة قبل أمّه الطبيعية المباشرة.

     وتساءل عن كيفية التعبير عن حبّه العميق للمرأتين كلتيهما، فراح يطوف بالأسواق يقتني الهدية تلو الهدية؛ فهاته تليق بالجدة، وتلك تصلح للوالدة. وخصص ظرفيْن وضع بداخلهما مبلغاً من المال، وكان ظرف الجدّة منتفخاً بقرابة الضِّعف عن ظرف الوالدة. ولو كان الوالد حاضراً، لفعل معه أكثر مما فعله معهما. بذلك حدثه قلبه، وصادق عليه عقله، دون أدنى تردد يذكر.

     ولكم استحضر صورتيهما، وعجلات السيارة التي تقله تنهب الطريق نهباً، فكان يتشمم رائحة الحضنين الحنونين، ويقبّل الرأسين والأيادي الأربع جميعاً، ويستمتع بنبرات الصوت تتفنن في غزل حلو الكلام.

     ولكن القدرَ، أبا المفاجآت، حمله إلى بيت سجا فيه جسد الجدة بعد أن ودعته روحه، وكان يعلم بمرضها، ولم يكن يتوقع هذه النهاية السريعة. قال صارخاً بحزن كاد يتفطر من هوله الفؤاد:

     ـ جدتي، أمي الأولى! هلا مكثتِ لحظة فحسب.. لحظة واحدة.. واحدة لا أكثر.. إلى أن أقدم لك باكورة عملي، هديتي، عنوان حبّي، والتعبير الملموس عن تعلقي بقلبك الكبير!!

     عاد إلى نفسه، وتمتم يخاطبها ويطمئنها في نفس الآن: "الحمد لله أن فتح لنا باب الصدقة لتصل الودائع كلها لأصحابها، دون الحاجة إلى ساعي بريد!"

     وخرج محمّلا بهديته لجدّته ـ التي كانت مُعدّة لجدته ـ والظرف المخصّص لها، وزاد عليهما أضعافاً أخرى، وشمل بالكل ذوي أكفٍّ ممدودة، وأصحابَ عيون متطلعة، من قانع ومُعْتَرّ.

     وتذكّر أنها كانت كلما توفرت على مبلغ من المال تلتمس منه أن يقتني به مصاحف ويهديها لأحد المساجد، أو يوزّعها على أكثر من واحد. فاقتنى هذه المرة باسمها حملا كبيراً من المصاحف، ودبّج في صفحتها الأولى الفارغة كلمات إهداء باسمها، وأودعها بيوت الله.

 

     وعاد إلى البيت، ومنه إلى مقر العمل، وهو يرفل في حلل حبٍّ، لهيبُ شعلتِه لا يَخمد ولا يخفت، وراحة بالٍ، خزّانُها الممتلئ لا ينفد ولا يُستنفد.

 الهدية وصلت قصة قصيرة بقلمي
ط¨ط¯ط§ظٹط©
ط§ظ„طµظپط­ط©