ذاكرة على باب النسيان ....الجزء الثاني بقلمي
آخر
الصفحة
سلمى قباني

  • المشاركات: 15873
    نقاط التميز: 5660
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
سلمى قباني

كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
المشاركات: 15873
نقاط التميز: 5660
معدل المشاركات يوميا: 2.8
الأيام منذ الإنضمام: 5715
  • 02:48 - 2016/01/11

ذاكرة على باب النسيان

اهداء

اليك حبيبتي الجزائر 

حبي و عشقي و كلماتي وعتابي أيضا

 

هناك في خريف التسعينيات توقف بها العمر و في عينيها تجد حزن العالم مخزنا ..بعض الذكريات لا تموت مع الزمن ..يوما بعد يوم تنتصب أمامك ..تقابلك في مرآتك كل صباح ..تقفز كالسمكة بين سطور كتبك ..وحيدة هي و في عيون المارة تبحث عن عيون من قتلوا غدرا ذاك المساء ..في ابتسامات الأطفال تستعيد ابتسامة صديقتها "كوثر" و في واجهة المحلات تنظر إليها فترى روح طفلة تجوب حقول القمح و تسرق لصبي قبعته و تمضي ضاحكة يملأها الفرح ..

 

الفرح ..أين الفرح ..تغلق باب سيارتها بقوة ..شيء من العنف بداخلها لن يختفي و غضب من العالم كله يسيطر عليها فترغب بالصراخ  "أعيدوا لي أمي" "أعيدوا لي أبي " أعيدوا لي حقول القمح و شقائق النعمان " "أعيدوا لي دميتي( زهرة) أعيدوا لي صديقتي "كوثر" ارغب في لعب الحبل معها  مرة أخرى ..وعدتها أن نلعب سويا غدا ..أعيدوا لي جدتي "العالية" هي لم تكمل لي بعد "حكاية مقيدش" ..أعيدوا لي إخوتي " رابح" و "محمد" و "نسيم" اشعر بالوحدة .."

 

أحيانا ترغب في أن تضم أحد المارة وتخبره سرا أن المرأة الناجحة التي ترتدي صرامتها و تسير لعملها في اكبر البنوك هي امرأة من رماد و أن جديتها قناع يمنعها من البكاء ..تود لو ترتمي في حضن أحد المارة و تخبره كم هو موجع الفراق المفاجئ و البقاء المميت ..تود لو تخبره أن كل الأموال الموجودة في البنك و تراها كل يوم لا تشتري لحظة سعادة بقرب من نحب ..تخبره أن كل الرجال ليسوا بحنان والدها و أن من يفقد حضن أمه يموت قلبه للأبد ..

 

بين ليلة و ضحاها وجدت نفسها تحمل لقب يتيمة و الشفقة أنهار تنساب ممن تقابلهم و قلبها الصغير يدق خوفا و عيونها شاخصة للسراب ..هذا السراب يلف المكان و دخان ممزوج برائحة الدم و أجساد من كل الأحجام تملأ المكان ..هنا كانت الحياة بالأمس تحتفل بعرس ابن شيخ القرية فهاجمها "صناع الموت" ليحتفلوا على طريقتهم ..هنا كانت صحون الكسكس موضوعة و هناك كانت "غادة" الجميلة تتباهى بشعرها الأسود الجميل و تترنم بأغنية قديمة ..غادة لم يجدوا جثتها هي حتما ماتت بطريقة أخرى في الجبال ..تغرورق عيناها بالدموع عندما تتذكر النشيد الذي أحبته:

من جبالنا طلع صوت الأحرار ينادينا للاستقلال ...ينادينا للاستقلال لاستقلال وطننا

و من جبالنا أيضا طلع صوت الموت و الرعب و الخوف و صوت من أخمدوا أصوات من نحب !

عشرون سنة و كلما أغمضت عينيها تتدفق أنهار الدم من كل جانب ..عشرون سنة و الكوابيس تلاحقها ..في منتصف الليل تستيقظ مرتجفة ..عشرون سنة و الطبيب النفسي الذي تزوره لم يغير و لم يتغير فيه شيء فقط ملأت التجاعيد وجهه..عشرون سنة تهيم باحثة عن السلام و الراحة فتجهد نفسها بالعمل و تقرأ حتى تتعب عيونها لكن حتى سطور الكتب تقف ضدها أحيانا: "الحقيقة مثل العدالة بحاجة للشهود حتى الشهود الصغار يستطيعون كتابة أشياء تبقى و تستمر"

«La vérité est comme la justice, elle a besoin de témoins…même les tous petits témoins qui peuvent écrire des choses qui restent et qui durent. »

 

و هي تلك الشاهدة الصغيرة على جريمة بشعة..تغلق الكتاب لا رغبة لها في البكاء أكثر و عندما تطفئ الأضواء لتنام ترتمي جثث أترابها الصغار يمينا و شمالا ..تغلق كل النوافذ طالبة الصمت و عندما تضع رأسها على الوسادة تسمع أغنية عرس ابن شيخ القرية "النجمة في السما علات و العروسة كما القمر راها ضوات " منذ ذاك الزمن انطفأ بعيونها ضوء الحياة ..

لا سبيل للنوم الليلة ستعود لسيارتها و تقود بسرعة لتنسى كل شيء و تفكر بالطريق و إشارات المرور ..تتمنى لو تصاب بفقدان للذاكرة فترتاح و يرتاح طبيبها النفسي..تريد أن تصرخ "أيها العالم سأعطيك ما أملك فهل إلى نسيان من سبيل ..أيها العالم سأعطيك سيارتي و بيتي و رصيدي في البنك و أعطني ليلة نوم هادئة دون كوابيس ..يا أيها العالم مازال بجيوبي حبات"غريبية" و مازلت أخبئ ما تبقى من دميتي "زهرة" في صندوق الألعاب فأعد لي طفولتي ..أيها العالم أخبر "إرهابهم الدموي" أني مجرد طفلة و بسببهم كبرت فجأة ..أيها العالم اسأل "زعيمهم الملتحي" "بأي ذنب وأدوا طفولتي" أيها العالم أخبرهم أن ذاكرتي أتمنى لو أمنحها للنسيان لكن لا سبيل للغفران ......

 ذاكرة على باب النسيان ....الجزء الثاني بقلمي
بداية
الصفحة