الحب الأول
رغم موقفها المتذبذب الراهن من الحب،
كحركة الجندي في نقطة وقوفه وقد تلقى الأمر: "مكانك سِرْ"،
فإن زهرة الناجي لا تنكر أن قد كان لها مغامرة أولى في هذا المجال،
وأنها أحبّت في المدرسة الابتدائية الشاب محمود الذكر سعيد جمعة،
وتعلقت به، في البدء، كأخ أكبر،
ثم ضاقت الشقة بين القلبين،
وتقاربت الأماني والمتمنيات،
وارتاحت النفسان إلى ما تلا من لقاءات،
واختلاسات للحظات تحليق
في خيال الرابطة النقية الطاهرة
التي لا يبدو في أفقها ما يقرّبها إلى الزفاف؛
فما أبعد الشقة بين السن التي هما فيها
وبين سن المتأهلين للزواج!
فهو إذن حب صادق مخلص
ليس بعده طمع في أمل إطالة عمر الاتصال وحبل الاقتران.
ورغم ذلك،
فقد كان حباً لا تزال تستحضره،
كلما هزتها الذكرى،
أو طرق أذنيها تعبير "الحب الأول".
نعم،
قد كان لها حب أول،
وإن لم يكن لها أمل في تحقيق ما بعده،
إذ سرعان ما جرتها مقاعد الدراسة إلى إعدادي فثانوي فجامعة.
وعبر كل هذه المسيرة،
ظل،
ويا للعجب،
وجه سعيد جمعة هو أول ما يقفز إلى فضاء ذكراها
كلما أغار على سمعها
هذا التعبير المركب من كلمتين
"الحب الأول".
فهل كان ذاك الحب بمثابة الدرع
الذي تنكسر عليه رماح سائر المتوددين إليها،
والمحاولين بشتى الوسائل التقرب منها؟
الحق أنها لم تدرك حقيقة الجواب عن هذا السؤال إلا بعد أن التقت به،
بحبها الأول سعيد جمعة،
في ردهة المطار الواسعة المترامية الأطراف،
يقبض بيده على يد صغير،
وتقف بجواره طفلة تتشبث بلباس امرأة.
فهمتْ للتو الأمر،
ورأته يحدّق إليها بحبّ مكتوم،
ولكنه كان قد تم قمعه منذ زمان بعيد.
والأغرب، مع ذلك، أنهما بمجرد تبادل النظرات،
تبادلا حديثاً طويلا،
وبثا أحدهما للآخر لواعج حب وأشواق،
واقتنعا بأن الطرق رسمها من رسمها وبالطريقة التي رسمها بها،
لم يكن في أفقها نقطة تلاق،
وليس أمامهما سوى الصبر والسلوان،
والقناعة بما قيض لهما من فصول حياة وقعتها الأقدار
ومهرها قلم الغيب،
ووضع في كل جيب النوال الذي قدّر أنه له،
لا يتجاوزه إلى غيره.
منذ لحظتها
وهي تحس أنها قد تخلصت من قيد ثقيل،
تحوّل في خيالها إلى أسطورة ضمتها إلى ما قرأته من أساطير،
وما سمعته من حكايات.
الحب الأول هو الحب الحق الذي ترتبط فيه بشخص بنية متبادلة بالعيش معاً مدى الحياة.
فإن هبت الرياح في اتجاه سفينتيهما،
فذاك لعمري المأمول والمبتغى،
وإن كانت الأخرى،
فهي الأخرى،
والأمر قبل ذلك وبعده لصاحب الأمر.
في هذا المرفأ،
رست سفينة قناعتها،
وبذلك تخلصت من عقابيل موضوع "الحب الأول"،
الذي تتوزع حوله القناعات،
وتتصادم الرؤى
وتتباين الاختيارات.
*****