يوم الميلاد الجديد قصة قصيرة بقلمي
ط¢ط®ط±
ط§ظ„طµظپط­ط©
موعد مع الفجر
  • ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 463
    ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 511
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
صاحبة ردود قصصية متألقة
ناقدة أدبية
موعد مع الفجر
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
صاحبة ردود قصصية متألقة
ناقدة أدبية
ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 463
ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 511
ظ…ط¹ط¯ظ„ ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ ظٹظˆظ…ظٹط§: 0.1
ط§ظ„ط£ظٹط§ظ… ظ…ظ†ط° ط§ظ„ط¥ظ†ط¶ظ…ط§ظ…: 3838
  • 13:33 - 2016/01/06

يوم الميلاد الجديد

 

     من بين اللحظات السعيدة التي تتخلل حياة زهرة الناجي، بين الفيْنة والأخرى، لحظة تواجدها في وادي أبي رقراق، وسط الأحراش وبين نباتات الوادي النامية بطريقة عشوائية، المتوزعة بشكل وحشي؛ بريئة براءة المولود الجديد الذي لأول مرة ترى عيناه الدنيا، أو يطرق الضجيجُ سمعَه فيها، ويمس رحيقُ حياتها الزاخرة منه الوِجْدان (النفس)، ويزحف رامياً أن يقطن فيه الجَنَان (القلب).

     في هذه الرحلات الذاتية التي كانت تنفرد فيها مع نفسها، كانت تطالع أسطراً عديدة من صفحات حياتها المتصرّمة، وتستعرض مواقف كاملة من أحداث نسجت سدى هذه الحياة ولُحْمتها، وتستغرب أن كان لها هذا الموقف وذاك، في هذه المسألة وتلك. وتتعجب أكثر فأكثر كيف أن لم يخطر ببالها وقتذاك هذا الجواب بدل جوابها، وكيف لم يساورها الشك في حسن نية مخاطِبتها أو مخاطِبها وقت أن كانت تعاقرهما جرعات الكلام، وتبادلهما بنات الناب ببنات الناب!

     وإن كانت تأسف لشيء، في لحظات خلواتها تلك، فإنّ أسفها لشديد على ألَّمْ تُمْنَح القدرةَ على الرجوع بعقارب الزمن إلى الوراء، حتى تتمكن من معالجة هذا الأمر أو ذاك بما يتراءى لها بأخَرة ممّا هو أنجع وأصوب، ويراودها من الأنجح والأسلم، وهي فيما هي فيه من اختلاء.

     لكنّ المرء وكأنه إنما جاء إلى الدنيا ليكدّس العِبَر التي قلما يعتبر بها، وإن حرص الحرص كله على ذلك.

     مهما يكن، فقد كانت لا تقاضي إحدى لحظاتها السعيدة تلك بنوال الدنيا كله، إن قُدِّرَ وعُرِضَ عليها، لا ولا هي تفعل ذلك حتى ولو على سبيل المُقَاضَمَة (الجزء بعد الجزء).

     وكانت كثيراً ما تسهو فتسترسل في أحلام طويلة زاخرة بالأحداث، مما يُسيغُه لها خيالها، أو تجود به على مخيّلتها أجواء المكان الواقع غير بعيد عن حصن شالّة التاريخي بأسواره العالية الحمراء وأبراجه العملاقة التي تقف كحرّاس لا يركعون ولا أمل لهم في جلوس؛ فهم أبداً في تأهب لإخبار أهل المكان بمن يقترب من البناية الشامخة ينتوي لها سوءاً أو يُضمر لها خطة تسلل أو دخول مريب.  

     والأهمّ من الأحلام، هذه الأفلام المصنوعة التي تتحقق فيها سائر النجاحات، هو ما تتوصل إليه من قرارات، في مثل تلك الخلوات التي تحتضن فيها الطبيعة ابنَ وابنةَ الإنسان، وتشبع نهمَهما بما تفيء عليهما من دواعي العودة إلى الطبيعة؛ الأم الطاهرة التي لم تدنسها بعد آثار صناعة، ولا تسرب إليها فساد أنامل إنسان.

 

*

 

     وفي إحدى تلك الخلوات، استعرضت العناوين الكبرى لما مرّ من سنّي عمرها، فتبيّن لها مسار حياتها، وانتهى بها الأمر إلى اتخاذ القرار الذي وقر في نفسها ألا رجعة لها عنه أبداً. قرار كهذا الذي يُصطلح عليه بالقرار التاريخي. وكان نتيجة حوار تخيّلي قام بينها وبين جدها الشيخ عبد القادر الشمسي. وكان من أجمل لحظات تزجيتها للوقت، في مثل هذه المواقع المنعشة للخيال، استحضارها لشخص ما ـ يقوم بكامل هيئته أمامها على ركح مسرح خيالها ـ وإدارتها معه لحوار تجريه كما تشاء، وتقطعه وقتما تريد.

     قال الشيخ عبد القادر الذي استحق لقبه الشمسي بالمكانة الفذة التي تربّع عليها في قلوب السكان، بما أتقنه من تلاوة الكتاب الحكيم، وإلمامه التام المستوعب لسائر أبواب الفقه، وإحاطته بأصول العقيدة وفصولها، فضلا عن اطلاعه الواسع على جانب عريق من التراث العربي شعراً ونثراً، قديماً ـ وهو الأعظم ـ وحديثاً، مع متابعات يسيرة لما تروج به السوق الثقافية والفكرية المعاصرة؛ قال وهو ينتصب أمامها كقائد حربي صارم:

     ـ متى كان التردد من طبعنا؟ لم يُخلق من صلبنا مَن ينتمي إلينا ويتسم مساره بالتردد والتذبذب في اتخاذ المواقف الحاسمة، وخاصة في القضايا الهامة التي لا تحتمل أكثر من أحد طرفين لا وسط ولا واسطة بينهما.

     ـ حقاً، حقاً..

     ـ وقضيتك من هذا النوع. والمضحّي عليه تحمّلُ التبعات.

     ـ طبعاً، طبعاً.

     ـ سليلة المجد التليد، حفيدة عبد القادر الشمسي، الفهمُ والتوفيقُ لها معطيان من السماء!

     سرعان ما امتلأت بروح العزم وصرامة الإقدام على اتخاذ القرار. "الآن هناك خلل في المجتمع. وأنا ابنة هذا المجتمع الأصيلة. فهل أتردد في الإقبال على التقدم نحو الحل الأوفق، خطوةً خطوةً، إلى أن يحالف النُّجْحُ مساري؟!" هكذا راحت زهرة الناجي تخاطب نفسها، وقد تحركت بداخلها كل دواعي النخوة والغيرة على ربوع الحِمى وحدوده.

     في لحظة، برق في خاطرها حلٌّ لمست فيه المَطيّة الأضمن المؤدية إلى الغرض المأمول. "لسوف أنطلق من أحاديث عامّة على ’الفيسبوك’ و’التويتر’، ثم أوسّع الدائرة لتشمل مجموعة من التعليقات أنثرها هنا وهناك في سائر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها سأرى ما أنا فاعلة، بناء على ردود الفعل وما توحي به من حركات وأعمال."

     فكان أن كتبت كلمة، تلتها أخرى، وتلاهما غيرهما من الكلمات، ولكنها كلها تتوحّد في الموضوع: إنه استنكار المنكر جهاراً، وبأسلوب غير موارب، ولكن بطريقة مهذبة تشي باحترام النفس واحترام الآخر في نفس الآن. وبما أنها سبق أن كانت من أنشط بنات وأبناء حيّها، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، فقد سهُل عليها دخول سائر المعاقل من أبوابها. وبدأت المعركة من أقرب مقرّبيها: فهذا، البارحة فقط كان يدور في الدروب ويطرق الأبواب بحثاً عن عمل، ثم اهتدى إلى خدمة هذا وذاك في أحد الأحزاب النافذة، وجاءت الانتخابات، فحملته الموجة إلى البرلمان، وفي لمح البصر، صار له راتب يسيل له اللعاب، وامتيازات ينحني أمامها حفظة الأمن أنفسهم في كل مكان، ثم هو بعد خمس سنوات، سيحصل على معاش شهري، وطيلة العمر، مع العلم أنه الآن في منتصف عقده الثالث، لا يبلغه معظم من جدّ واجتهد وسهر الليالي آملا أن ينال العُلى ذات يوم من الأيام. تبخرت الآمال كلها وكأنها الأحلام تُقدّم لك تُفاحاً، وتستيقظ، فلا تُفاح!  فابن الحيّ، صديق الأمس، نفخ أنفه كالكير يقترب من الجمر ويُنذر الحيّ بسائر ألوان الحرق والدمار!

 

*

 

     في ذلك الوادي المزدهي بالخضرة والزاخر بعشرات النغمات والتغاريد تتبادلها العصافير والطيور من مختلف الجهات في تناغم وانسجام يقرّب البعيد، ويوضح الخفيّ، ويصبّ على النفس شآبيب حبّ الحياة دون أن يغيب عن الخاطر الحرص على العمل للآخرة، ترامت أمامها دروب العمل. كل المواطنين سواسية، نعم، ولكن هذا لا ينبغي أن يبقى فقط مسطوراً على الورق، تماماً كالشعارات النارية ترتفع من الحناجر، وتستقر خطوطاً على مئات اللافتات، ولا نتيجة تُجنى من ورائها اللهم إلا إرضاء دواعي الغرور الداخلي بأن في أغوار الجسد نفساً لمّا يزل بها شريانٌ ينبض ويغار! وقالت في نفسها: "أناس لهم الفضل في كشف المستور، وإزاحة الغطاء عما كان متوارياً عن الأنظار، ولكن، لا ينبغي بتاتاً أن ينضموا إلى الجوقة ويتحوّلوا إلى مستفيدين من نفس الوضع. فما أغرب هذا الوضع ؟!"

     وصارت تتنقّل بمنجلها عبر الحقول، فتبحث عن الجذور والنبتات الضارة المُضرّة، وتحاول بكل ما أوتيته من قوة، أن تجتثها من الأصول.

     وانضمّ إلى عرينها لبؤاتٌ وأسودٌ وأشبال من شتى أقطار المعمور؛ فالنشاط كبُر وتضخم، وانضمت إليه جمعيات ومنظمات، وفاعلات وفاعلون اجتماعيون، وصار للصوت حضور يزلزل المستفيدين الآمنين وراء حصونهم، حتى إنّ مآقيهم لم تعد تعرف طعماً للنوم. وفي بيوت أولئك المستفيدين من وقت الغفلة، قام بعض الأولاد أنفسهم بخرجات احتجاجية على والديهم؛ فيا لقوة الحق عندما يرتفع لواؤه في الأعالي، وتشاهده سائر الأعين، وخاصة منها الباحثة عن الطريق السويّ!

 

*

 

إن تنسَ زهرة الناجي، فلن تنسى ذلك اليوم الذي زارت فيه وادي أبي رقراق،

وقرأ الوادي ما يتصادم في أعماقها من مواقف حائرة،

فدعا جدَّها إليها،

أو طعَّم خيالها بما سهّل إقبالَ عريق عائلتها عليها،

فتلاحقت أمام ناظريْها السبل،

وأُقْصِيَ ما شان منها وخامره ما خامره من لبس وغموض،

واتضح الصراط أمام نفسها وقلبها وعقلها جميعاً،

مستقيماً لا التواء فيه ولا اعوجاج،

أفلا يحقُّ لها بعد ذلك أن تعتبر هذا اليوم بمثابة يوم ميلادها الجديد؟!!

 

*****

 يوم الميلاد الجديد قصة قصيرة بقلمي
ط¨ط¯ط§ظٹط©
ط§ظ„طµظپط­ط©