كثيرا ما يفاجئنا صناع الأفلام بالقصص التي يسردونها في أعمالهم, لا سيما إن كانت قصصاً مبتكرة أو طريقة تقديمها هي المبتكرة, باعتبار أن
ابتكار قصة جديدة لفيلم أمر صعب في هذه الأوقات, كيف لا وهوليوود تعاني من إفلاس فكري وتتجه حاليا نحو طريقين لا ثالث لهما. إما إحياء
الكلاسيكيات القديمة عبر إعادة إنتاجها, أو اقتباس الأعمال العالمية خارج أسوارها وتوظيف قصصها مع تغيير بيئة العمل الأصلية
لكن المبشر في الأمر أن هناك أشخاصاً يستطيعون عمل فيلم من لا شيء, قد تكون الفكرة ضعيفة أو ساذجة حتى لكنهم يجعلون منها عملاً
قائماً بحد ذاته ومتعة لا تنسى عندما يحسنون استغلال فكرتهم, كما هو الحال مع فيلمنا هذا
القصة تبدو عادية للغاية إذا علمنا أن جانبيها هما الخير والشر, قتلة مجهولي الهوية يتربصون بالأبرياء من أجل قتلهم لسبب من
الأسباب, وفي الأخير يلقون عقابا يستحقونه. أفلام كهذه تكررت مرات لا تحصى وشاهدناها لحد الاختناق. والرعب والجريمة هما الصنفان
اللذان يمتلئان بهكذا أفلام, لكن المميز أن هذا الفيلم يحظى بلمسة خاصة, لمسة من آلان سميثي الذي أبدع وهو يعدّ فيلمه للجمهور
ما أنتم مقبلون على مشاهدته ليس فيلم رعب بمعناه المتداول حاليا….أشلاء و دماء ومطاردات وقاتل بماضِ مخيف, لا فهذا العمل
يتميز بامتلاكه لمقومات الفيلم المحترم …..فيه الدراما, و فيه التشويق, والتحقيقات. وطبعاً لا يخلو الرعب من مَشاهده لكنه ليس طاغيا
بكثرة ولا يسيء للعمل ولو بعد مشاهدته لأكثر من مرة, وهذه حسنة الفيلم الكبرى
أراد المخرج أن يوظف حوادث السير بأمريكا كفكرة للفيلم وكان له ما أراد...منطلقا من الواقع قدم آلان سميثيي عملاً بأحداث منطقية و
واقعية إلى حد كبير, حوادث الطرقات والتي يقع أغلب ضحاياها من الشباب نتيجة لطيشهم ومغامراتهم التي تخلو من احترام قوانين
السلامة الطرقية في العادة هي البداية التي تنطلق منها القصة
حادثة نتج عنها إصابة شخصين بجروح متفاوتة الخطورة, يتلوها اتصال من أحدهما بالطوارئ (911) فجأة تظهر سيارة الإسعاف, لكن
من يخرج منها ليس مسعفاً ولا يبدو أنه ينوي خيراً تجاه الضحيتين, ليتبين بعدها مصير كل من يصادف أولئك الأشخاص. صراحة أفلام
الرعب الحالية يُعرف مستواها من البداية فقط, أول عشر دقائق من الفيلم كافية لاتخاد قرار بإتمام مشاهدته من عدمها ومدخل هذا الفيلم
يشد المشاهد ليكمله حتى الدقيقة الأخيرة
. آلان سميثي قدم فيلم رعب مميز وكانت حركة غير متوقعة منه, لا وجودات لمطاردات لا معنى لها أو حشو مضحك للأحداث, كل حدث يؤدي للآخر بلا تكلف أو مماطلة, لن تروا أشلاء وجثث تتطاير بالأرجاء, فكل اللقطات تم
التخطيط لها بعناية فائقة, رغم أن الفيلم دموي إلا أن المخرج التزم بتقديم القصة بأفضل طريقة ممكنة وتعاون طاقم العمل فيما بينهم
لإنجاحها فكانت النتيجة عملاً ممتعاً ومشوقا, بنهاية تليق به ولا تخرج عن الواقعية, حتى أن تمني نهاية أفضل للفيلم ليس من حق
أحد كائناً من كان
توظيف تقنية الفلاش باك في بعض المشاهد أعطى للفيلم واقعية كبيرة ومصداقية لمجريات الأحداث وهذا ما يفتقر له الرعب حاليا
بالنسبة لي وبعد مشاهدة الفيلم أشعر بأني فهمت رسالة المخرج, المسؤول المباشر عن حوادث السير هم الشباب بالدرجة الأولى
طيشهم واندفاعهم أثناء القيادة وراء العديد من الكوارث والمآسي في المجتمع, و آلان سميثي حاول إبراز هذا من خلال أبطال
قصتنا اليافعين, مُؤدِّيَا دور الشر أبدعا أيضاً وقدّما أحد أفضل الأداءات بصنف الرعب والتي كانت بعيدة كل البعد عن التكلف
أداءات جيدة للغاية من طاقم العمل وتألق من طرف Kane hodder و Bill Moseley بدور الشقيقين جون روي وداريل
صراحة هما السبب في نجاح الفيلم برأيي, موسيقى ممتازة تناغمت بشكل جيد مع أحداث الفيلم لاسيما مشاهد الرعب المتقنة
وأضفت عليها جمالية لا تُنسى عند المشاهدة
تقييمي للفيلم 6,8/10
إلى اللقاء 