** .. ياسمينة الروح ..** ... بقلمي ..
آخر
الصفحة
just_another
  • المشاركات: 403
    نقاط التميز: 541
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
صاحب ردود قصصية متألقة
just_another
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
صاحب ردود قصصية متألقة
المشاركات: 403
نقاط التميز: 541
معدل المشاركات يوميا: 0.1
الأيام منذ الإنضمام: 3819
  • 00:18 - 2015/04/17

 

 

                          " ياسمينة الروح ..."

                                                         بقلمي ..

 

 

    أمام المدخل الغربي مرتديا سوادا .. بعيون حمر ،  وجه متعب و وردتين في يده كان واقفا .. شحذ ما يكفيه شجاعة و هَمَّ داخلا يتمشى في ذلك الممر الطويل ناظرا لتلك الأسماء المنتشرة يمين يسار .. لم تكن أول مرة يدخل فيها مقبرة ولكنها أول مرة يتأملها فيها ، قبور لناس كثر صغار وكبار ، إناث و ذكور بعضها مصنوع من أحسن الأحجار و شواهد من فخار منقوش عليها أسماء أصحابها و ملخص لحياتهم ، و البعض الآخر فقط حفنة من تراب وحجارة من النوع الذي تجده على عتبة الطريق متروكة للطبيعة لتنحتها .. أخذه التفكير في هذا الإختلاف و ما تعنيه حالة هته القبور من أهمية من هم تحت التراب لمن هم فوقه ، و هل يهم حقا الإعتناء بالقبور في حين أن الأحياء أحق بالإهتمام لما يقاصونه في مضارب الحياة و صراعهم مع مشاغلهم ، إضافة للحنين لمن رحلوا ..

    نفض عن رأسه هذه الأفكار و ٱستمر في المشي و كلما تقدم كلما أحس بالرهفة و الورع ينزل بصدره و هواء المكان البارد يداعب شعره الأسود .. تصاعدت لأنفه رائحة مألوفة فتبعها و مع كل خطوة يرميها قوى شداها إلى أن تصمرت عيناه و هو يراها واقفة مبتسمة أمامه ، " ياسمين .. كما عهِدتُكِ.." تمتم أمام قبرها في خشوع ..


** أهلا بك ..


~ أهلا ..


** كيف حالكَ !!؟


~ آآآآه !!.. الحمد للّه على ما أظن ..


** على ما تظن !! الآن هته إجابة غريبة من شخص لطالما عرف كل شيء .


~ الأشياء تتغير مع الوقت .


** بالتأكيد ..


    سكت لوهلة ثم تابع :


~ أنا آسف ..


** على ماذا !!؟


~ على إبقائكِ تنتظرين ..


** على ما يبدو ليست كل الأشياء تتغير !


    مسح على صدره الذي أصبح يقبض عليه فجأة مقاوما قطرات الدمع التي بدأت بالتشكل ..


** مالذي أخرك كل هذا الوقت !؟


~ لم يكن من السهل العثور على ورودكِ المفضلة .. قال وهو ينظر للوردتين التي يحمل .


** دائما المتلاعب بالأجوبة أنت .. أليس كذلك ..


    مال على قبرها و لمس شاهدها برقة بينما وضع الورود جانبا بيده الأخرى ..


~ أتمنى أن تعجبكِ .. قال بصوت مخنوق تتخلله صرخات صامتة و كأنه قناة راديو ينقطع الصوت فيها كل ثانية .


~ كيف حال الجوار هنا .. !! أكمل بعد أن ٱستقام و رمى بنظره يتأمل المقبرة وزائريها ..


** هادئ في الغالب ، ما عدا بعض المرات حين نستقبل جارا جديدا ..


~ أهذا كل شيء .. !!


** حسنا .. هنا وهناك ، بعض الأحيان ، يحظُرنا زائر مثلكَ مسلحا ببعض الورود والكثير من الشجاعة ، يتحذث بعض الوقت و يبكي أغلبه .. ثم يرحل بقلب أهدى و حالة أحسن من التي جاء بها ..


~ هذا جيد لهم .. بنبرة غير مبالية رد .


** و أنت مالذي تسعاه بحضورك اليوم !!


~ الخلاص .. و لكني لا أظنني أجد ما أبحث عنه هنا .


** أنت لن تعرف حتى تحاول ..


    استمر صامتا محاولا تجميع بعض الكلمات التي لا تفتأ تتفحم بفمه .


** إذا لم تكن تعرف فقلبك بلى ، فقط أتركه يتحذث ، فبعض الأحيان الأشياء التي لا نحب هي تلك التي تفيدنا أكثر .. 


~ أنا لم أحب فكرة رحيلك عني فكيف سيفيدني هذا في شيء .. قال ..


** أنا أشير أكثر إلى فكرة زيارتك اليوم ..


~ من قال أنِّيَ جئت لزيارتكِ أنتِ .. أنا جئت أزورُ نفسي .. أردف بعزم و تابع :


~ ومهما قلت فلن أرى خيرا في عدم وجودك جنبي الآن ، على أية حال لست أرى سوى الحزن و الضياع بك أو بدونك .. قال وهو يرمِقُ شيخا جانبه بغصَّة ..


** هيا أفشي ما بصدركَ ..


    تسارعت دقات قلبه و تدارجت أنفاسه .. ضوء الشمس في تراجع و السماء ترتدي عباءتها اليلية و القلة من الزوار يرجعون لبيوتهم .. فتخاطفته همسات الظلام المزين بحمرة الغروب تخز كيانه .. إنحنى على ركبتيه و غط في هستيريا من النواح محتظنا إياها كمن يحتظن الشوق ، مطلقا العنان لدمعه يسقي التربة تحته ..


~ أنا أشتاقُ .. صرخ وشعور بحرقة تذيبه من الداخل ..


~ ليس لكِ و لا لعينيك ، و إنما أشتاق لقلبي الذي دفن معك ، لأيامي و ضحكاتي قبلكِ ..


** ألهذا الحدِّ تحبني .. ألهذا الحد تعاني !!؟؟


~ من قال أحبكِ .. أنا أكرهك و أكره الحب ، أكره الشروق و الغروب ، أكره ذكرياتكِ التي ما زالت تتملكني ، و كل أغنية بك تذكرني .. أكره نيرانا أشعلتِها بقلبي ، هي تكويني و تحرقني .. أكره هذا الوجع الذي يُخرسني و يعميني ..


~ يا ساذجة .. كيف بعد أن صارت ألامي سجيتي ، و نضب الدمع بعيوني .. أنت سرقتِ مني حريتي و وضعتني أمام وحدة الخيار ، فإن لم أبككِ أنا أبكي أيامي .. أنا أكرهك و وحده القادرُ على الحب يعاني .


~ أنا أ..ك..ر..هـ..ك .


    ٱختفت الشمس كليا و كأنها سمعت كفاية ، مزينة الأفق بدماء محبيها ، و غشى المقبرة سكون يصرخ بالأفئدة لم تكسِّره سوى ذبذبات صوت ذلك الشيخ يتلوا آيات قرآنية ..


هل أنت بخير يا بني !!


    دون رد ٱلتفت نحوه بلحيته الرمادية تتخللها شعيرات سوداء متكئ بيديه على عصا نحيلة .


" ياسمينةَ الرُّوح " ..إنه إسم جميل .. أردف دون أن ينظر بعيني الشاب ..


~ إنه كذلك بالفعل ..


    ٱلتفت الشيخ نحوه و بنظرات مستغربة قال :


أنا أراك هنا واقفا من دون حراك دون أن تنطق بشفا كلمة أو تذرف دمعة واحدة ، و هته الورود بيدك ، ألن تضعها على قبرها !؟؟


~ هي ليست لها .. بل هي لك أنت .. وبنبرة استهزاء تابع : 


~ لقد أنساك الهرم كل شيء إلا اسمها ..


    ٱستدار نحوها و بعينين فارغتين من أي إحساس أكمل :


~ أنا لن أعطيك إياها يا شيخ ، بل سأضعها على قبرك يوما ما .. فهي ورودها المفضلة ، ألستَ تتذكَّر !!


    فرك الشيخ لحيته في ٱستغراب و في الحين الذي هم برَدٍّ أحس بيدٍ تمسكه من كتفه فٱلتفت ليرى حارس المقبرة ينظر إليه بحزن قائلا :


°° هيا يا عم ، لقد حان وقت الذهاب .. ستعود الأسبوع القادم كما تفعل منذ أن عرفتك .


آه أُعذرني .. لقد شردت قليلا في حذيثي مع هذا الشاب .


    بحركة من رأسه رد هذا الأخير :


°° كما كل مرة أقول لك يا عم ، ليس هناك أي شاب .. أنت فقط من يزور هذا القبر الغريب الإسم و المالك .


إنه قبر حبيبتي " ياسمينة الروح " .. قال و عيناه محمَرَّتان من دون دموع .."  ألم أُخبركَ بذلك ..!! " .


°° بلى يا عم .. في كل مرة .


    رافقه الحارس خارجا و هو يتلفت وراءه إلى ذلك الشاب الذي مازال واقفا هناك .. بعيونه الحمر ، بسوادِ ملبَسه و وردتين أذبلهما الزمان ..

 

 

                                             تمت والحمد للّه .


 ** .. ياسمينة الروح ..** ... بقلمي ..
بداية
الصفحة