فتح باب الشرفة بيد تكاد تتجمّد من البرودة ، وربما إثر صقيع الخوف وسرعة جريان دمائه في العروق . سحب كرسيا لطالما تحمل جثته طوال السنين الماضية وقرر الصعود !
ساعده في ذلك صدى الأقاويل التي تلاحقه أينما حل وارتحل فرفع رجله اليسرى بخفة ﻻ تعكس سنه المتقدمة وأتبعها بأختها التي لم تملك هذه المرة جرأة التقدم ،
وأخيرا استوى واقفا بجسمه النحيف في صراع مع ريح تحاول ثنيه عما هو عازم على فعله فاستجمع ما يكفي من القوة لينظر للأسفل نحو الشارع الرمادي الصامت على عكس ما يبدو عليه بصباحه الكريه .
--
بآخر مرّة رأيت فيها زوجتي كانت مسجاه على سرير غرفة النوم تحيطها أمها بذراعيها وهي تهتزّ جرّاء بكائها المكتوم ناظرة لي شزرا وكأنني من ساقها لطريق الموت .
لم يكن بيدي ما أفعله سوى مناولتها الدواء والتخفيف عنها إن سمح لي وعيي الغائب تحت سكرات الخمر الحاضر أحيانا بذلك !
لم أستطع تحمّل كل ذلك وحدي .. أعلم أنه توجّب عليّ ذلك ولكنني لم أتحمله.
نظرات حماتي ما زالت تجلدني ، وهي تسترق النظر لكأسي المُلقي بإهمال على منضدةٍ احتفظت ببقايا طعامٍ تجاوز ربما أسبوعًا.
--
وضع قدمه على مشارف السور بارتجاف متناولا باقي جسده ورائها وقفز .. دون تردد!
--
" لم يكن عليها وضع حياتها مع فاشلٍ مثله " .. " هو من أطفأ زهرة شبابها بعبثه المستمرّ واستهتاره الذي لم يجلب لها خيرًا " اخترقت كلماتهم جسدي قبل أن تخترق مسامعي
فحاولت ردّها بنظرات علّهم يكفّون تاركين لي مقام توديعها .
--
لفحت برودة الهواء المرتطم بوجهه قسماته الفاقدة لأيّ معنى إلا من نظرة خاوية تراقب الأرض وهى تقترب في سرعة أنساه عناق الارتطام إيّاها ..
--
ابتعادهم كان أفضل ، يكفيني ما سمعته منهم بحياتها ، لا داعٍ للاستمرار في تلك المهزلة بعد رحيلها .
--
أغلق عيناه محتضنا الأرض برضا شابه احتضانها للحظة موتها التي لم تدعه يعتذر لها أو يخبرها بأنهم على حقٍ ولكنّه لم يملك من الشجاعة ما يجعله يفصح عن خطئه ولو لمرّة ،
وطرقت أذناه صرخة تزامنت مع ارتطامه نافضة صمت ليلته الهادئة فالتفت علّه يرى من قد يجزع لرحيله لكن القدر لم يمهله ! .
هناك سقط جسده النحيف ، ولم يعلق به سوى دماء تناثرت على طرقات باهتة ، ودويّ صرخة انطلقت مع سقطته ، وأقاويل ستنتشر برحيله كما انتشرت بحياته ! .