~*¤®§(*§ أنهار ولدت لتحيا وسط الأزهار .. بقلمي §*)§®¤*~ˆ°
آخر
الصفحة
monty

  • المشاركات: 38819
    نقاط التميز: 8636
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
monty

كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
المشاركات: 38819
نقاط التميز: 8636
معدل المشاركات يوميا: 5.4
الأيام منذ الإنضمام: 7205
  • 02:03 - 2015/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أنهار ولدت لتحيا وسط الأزهار

 

 

https://lh4.googleusercontent.com/-ynvseXoBLgU/UhUqwtbAlSI/AAAAAAAAH3w/DQx_5wRMUtw/s500/renoir_reading.jpg 

 

رأينا النور في نفس اليوم ، لا أذكر من فينا الذي تنفس أوكسجين الحياة قبل الآخر ، لكن الجميع إحتفل بنا في نفس اللحظة ، كان قدرنا أن لا نشبه بعضنا ،

 

كل ما يربطنا ببعضنا أننا نحمل إسم نفس الوالد في البطاقة الشخصية ، سوى ذلك ؛ لكل منا أسلوبه ، نظرته ، حياته ، رؤيته ، و أسلوبه في إرتباطه بالآخر.

 

- ما أسمك ِ ؟

 

- أسمي أزهار

 

و أنت ِ ، ما أسمك يا حلوتي ؟

 

- أسمي أنهار

 

- هل أنتما أخوة ؟

 

- نعم

 

كان الكل يسألنا دائماً ، و كان علينا أن نشرح لكل من يقابلنا بأننا تواماً غيرُ متشابه ، أزهار صاحبة العيون العسلية ، و الشعر الأسود الطويل المتناثر.

 

أنهار صاحبة العيون السوداء ، و الشعر الأشقر قليلاً و المتماوج.

 

كانتا حدثاً في كل مكان ، يلفتان الإنتباه بجمالهما الآخاذ ، لا يفترقان عن بعضهما رغم إختلاف صداقاتهما ، أزهار تميل للهدوء و التعمق ، تعشق الكتب ،

 

أنهار تعشق الأضواء و تحبُ لفت الأنظار دائماً ، لديها مهارة الحوار ، و الحديث المنمق.

 

حاول والداهما كثيراً عدم التفرقة بينهما ، كان يجتهد كثيراً في عدم التفريق بينهما.

 

 

يصرخان سوياً:" أبي قد وصل من العمل "

 

يتسابقان إليه لينالا بعضاً من حنان قُبله ، ليحتضنهما معاً و يقبلهما. كانتا مرتبطتان بوالدهما كثيراً ، لا يستطيع أن يرفض لهما طلباً ،

 

كان يحاول جاهداً أن يلبي كل ما يحتاجه الأختان ، كان يحبهما بجنون.

 

- هل تعلمين .. أنا خائفٌ عليهما .. يقول لزوجته.

 

- لا تخف عليهما ، سيكبران و سيواجهان الحياة كغيرهما.

 

- لكن .. أخاف أن يفترقا ، أن لا يفهما أن في إربتاطهما سوياً قوتهما ، أن يفهما أن في إنكسار أحداهما يعني إنكسار الأخرى أيضاً.

 

- لا تبالغ كثيراً ، صدقني ستكون حياتهما أجمل مما تصور. نم يا عزيزي و أطرد خيالاتك تلك بعيداً.

 

 

مرّت الأيام ، و كبرتا ، و كُبرت أحلامهما معهما. مع مرور الزمن أضطر والدهما للغياب طويلاً ، لم يكونا يريناه كما السابق ، أصبح عليه أن يوفر لهما متطلباتهما التعليمية.

 

كان يعملُ ليلاً و نهاراً ، كانتا تشتاقان إليه دوماً ، ينتظرانه على أمل أن يلتقيا به قبل أن يخلدا للنوم ،  لكن في النهاية ينامان قبل أن يعود هو متعباً ، و يطمئن عليهما من بعيد ،

 

ليجدهما ملاكين غارقين في سباتٍ عميق.

 

و في الصباح يصحو باكراً ، ليغادر قبل أن يستقيظا.

 

لم تستطع أزهار مقاومة رغبتها في الكتابة إلى والدها ، إشتاقت إليه كثيراً لتجد نفسها تكتب له :

 

 

والدي العزيز 

 

مرّ أسبوعان دون أن نراك ، إشتقتُ لقبلاتك الصباحية ، و ضمتك المسائية.

 

إشتقت لصوتك و أنت تقرأ لي القصص و تروي لي الحكايات.

 

غداً سأكمل عامي العاشر ، لكنني لستُ بسعيدة يا والدي ، لأنني كلما كبرت ، زادت مساحة ابتعادك عنا !

 

أرجوك عد باكراً في الغد ، لأن وجودك حولنا سيكون أعظم هدية بالنسبة لنا.

 

 

~~~~~~~~~~~~~~~~~~

 

 

كانت الغرفة مليئة بتلك الرائحة التي تثير في نفسك شيئاً من المرض ، تلك الصافرة التي تنطلق كل دقيقتين ، و كأنها تؤكد بأنك هنا تحت رحمة هذه الغرفة.

 

المكان نظيف و أبيض ، و صورة جسم الإنسان معلقة في كل ركن.

 

- كيف حالك اليوم ؟

 

- بخير الحمدلله.

 

 

 

 - هل تواظب على تناول الأدوية ؟

 

- نعم

 

- كيف تقبّلت عائلتك الخبر.

 

يتمتم قليلاً ، ثم يصمت ، تدمع عيناه ، ترتسم ومضة سريعة في ذاكرته ، يرى زوجته وحيدة تبكي غيابه ، و إبنتاه تبحثان عنه غير مصدقتين رحيله.

 

- لا .. لم أخبرهم.

 

- لماذا ؟

 

- لم أستطع ، من الصعب علي أن أخبرهم بأنني سأودعهم قريباً ، سأحاول أن أقضي معهم الفترة القادمة ، أفكر في تكوين ذكريات كثيرة معهم.

أود ُ أن أشاركهم ما تبقى لي من عمر ، أن أرسم مستقبلهم و أسافر مع خيالهم ، أود أن اظل ممسكاً بيديهم طوال اليوم ، و أن ينهالون علي بقبّلهم كل ساعة.

اود أن أحيا ما يعادل السنة معهم في شهر ، و أن احيا في أسبوع ٍ ما أمارسه معهم في شهر ، و أن نمارس في اليوم ما كنا نفعله في أسبوع.

 لا أستطيع تخيلَ حياتهم من دوني ، لا أستطيع أن أقول لهم ودعوني ، أنا أحبهم يا دكتور.

 

- أفهمك ، لكن أن تهيئتهم لغيابك ، خيراً من يفاجؤا بإختفائك !

 

لم يرد عليه ، أغرورقت عيناه بالدموع و في مخيلته أزهار و أنهار.

 

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

 

 

أبي لما أخترت لنا أزهار و أنهار كأسماء:

 

من أكثر مخلوقات الله هشاشة و جمالاً هي الأزهار ، تلك التي تحيا على شمس الصباح ، و تتنفس رائحة جميلة تبعث بالدفء في كل مكان.

 

الأزهار يا أبنتي نعمة كبيرة ، يستخرج النحل منها العسل ، يتبادلها المحبون تعبيراً لحبهم ، و نأخذها ألى المرضى لأنها تشعرهم بالأمل.

 

أما أنهار ، لأن الله جعل من الماء كل شيء حي ، و مياه النهر عذبة و نقية ، أكثر من البحار و المحيطات ،

 

النهر مدخر لكل دولة ، يساعدها على توفير المياه عند الجفاف.

 

و ما يميز الأنهار و الأزهار ، أنهما يمران بنفس المراحل مع إختلاف الأزمان الشباب ، النضج ثم الشيخوخة التي يجف فيها النهر ، و تموت عندها الزهرة.

 

كانت تسمعه بكل جوارحها ، عيناه اللامعتان و اللتان تخفيان دموعه كادت أن تكشفه ، لكنه ضمهما بسرعة قبل أن تلحظا.

 

 ~~~~~~~~~~~~~

 

- لم تكن تود أن تخبرنا ؟

 

- فكرتُ كثيراً ألا أخبركم ، لكن لم أستطع ، شعرتُ بأنني أحتاج من يشاركني ، لم أعد أستطع تحمل فكرة وداعي لكم. 

 

يمكن لقلبي أن يتوقف في أي دقيقة ، بل في أية لحظة ، حياتي قصيرة الآن. لا أدري كيف أخبر أزهار و أنهار ، هل سيتفهمان ؟؟

 

كانت تراه ممزقاً ، مكسوراً ، فاقداً لكل معاني الأمل ، ذلك الأمل الذي كان يشع دوماً من عينيه ، حتى في أحلك الظروف ، لتراه مستسلماً لأول مرة.

 

ضمته إلى قلبها ، قبلت جبينه و قالت:" لا تخف ، الله موجود ، لا تيأس من رحمته "

 

 

أستمعت أنهار لحديثهما بالصدفة ، كانت تريد أن تُري والدها لوحتها التي سهرت ترسمها خلال عطلة الأسبوع ، لم تصدق ما وقع على مسمع أذنيها ، سقطت اللوحة من بين يديها ،

 

ركضت إلى أختها لتخبرها ، صعقها أختها بحديثها ، لم يصدقا ، ليأتي صراخ والدتهما من بعيد ، معلناً الوداع الأبدي لوالدهما.

 

~~~~~~~~~~~~~~~~~

 

والدي العزيز :

 

اليوم أكملنا عامنا الثالث و العشرين ، غداً سيكون حفل تخرجنا و أنا أختي أنهار.

 

 

 أمي سعيدة بنا ، لكننا نفتقد فرحتك ، نفتقد تلك القبلات التي كنت تضمنا بها عند كل صباح ، لقد وهبتني أجمل هدية عند وجودك في عيد ميلادنا العاشر ،

 

لكنك غبت دون وداعنا. لا أعي منك سوى عشرُ سنوات ، أذكر منها فقط لحظة واحدة ،

 

صوت أمي يصرخ ، و عينيك مغمضتين ، معلنتين غيابك الدائم عنا.

 

لم يتبقى منك سوى صورة ، أحملها في حقيبتي أينما حللت ، أنظر اليها كلما أشتقت إليك.

 

في داخلي ذلك الحنين المطلق ، لصوتك الدافيء ، و عينيك الضاحكتين ، نظرتك الصامتة المليئة بشتى الكلمات ، و عطرك الذي يفوح من خديك كلما لامسني.

 

أمي .. منذ رحيلك ليست كما هي ، لم تعد توبخنا ، لم تعد تشعر بغيابنا أو وجودنا ، كلما كبرنا تزداد مساحة غربتها في غيابك ، كما يزداد شجن الحنين إلى وجودك.

 

أنهار الثرثارة ، تخرجت بدرجة إمتياز من كلية الفنون ، كانت لوحة تخرجها أنت ، بكاملك ، بكل ما يحمله وجهك من قسمات ، رسمت عيناك فقط في أسبوع ،

 

كانت تقول:" لوالدي عينان عميقتان ، بيضاويتنان كمياه النهر ، و نقيتين كالزهرة " ، و كلما إنغمست فيهما ، زاد تعلقها برسم تفاصيلهما !!.

 

أما أنا و كما كنت تقول دائماً:" ستكونين كاتبة مميزة ، سيأتي يوماً نراك ِ في صفحات الجرائد و المجلات و حينها سأقول هذه أبنتي "

 

هأنا أنشر روايتي الأولى بعنوان " أنهار ولدت لتحيا وسط الأزهار " ، و التي نالت إعجاب الكثيرين ، لكنني لم أجدك لتقرأها !!

 

 

 هانحن أزهاراً مكسورة ، و أنهاراً جافة ، نحيا في صحراء الحياة ، نفتقد سرابك ، و ننتظر ظهورك ، ليروي حياتنا الجافة بغيابك.

 

رحمة الله عليك يا والدي ......

                                                     أزهار

 

 

 

 

 

 

                                                                                                                               إنتهت .. وليدة اللحظة .. الساعة الثانية صباحاً .. 28-3-2015

                                                                                                                                                                     ،، منتصر

 

 

 

 

                                                                                                                                             

 

 

 

 

 

 ~*¤®§(*§ أنهار ولدت لتحيا وسط الأزهار .. بقلمي §*)§®¤*~ˆ°
بداية
الصفحة