لم يكن يوما مختلفا عن باقي أيام الأسبوع ولم يكن هناك شئ في المكان يشير إلى شئ غير معهود ,حتى ابتسامات الجالسين كانت معهودة ومملة وباعتة على القنوط وكنت اراقب الكل من مكاني لا التفت إلى أحد وإنما اراقب من منضور بصري ما جال امامي.
ايامي تمر عصيبة وتقيلة وبحتي المتواصل عن العمل بدد اوراقي وبعت اليأس في خيوط مسعاي .
لا أفهم لما يبتسمون ولا أفهم سر ربطات العنق الفضية البراقة حول رقابهم ,أكاد أجد نفسي خارج دائرة المألوف ببدلتي المتهالكة وحدائي المنهوك بأسفلت الطرقات ,تعبت كتيرا والبحت المتواصل أضناني.
يا ايها الحظ العاتر إن كنت مختبئا وتنتظر يوما لتفاجئني فقد طال اختباؤك وأنهنكني انتظاري ويا أيتها الأيام الغادرة إن كان نصيبي الفقر والبحت عن العمل بعد سنين الدراسة فقد شقت معك نفسي وخارت منك دموعي.
راقبت بصمت محروق شعاع الضوء المتسلل عبر النافدة وحنيت رأسي لكي لا أواجه ببصري نظر الفتاة الجالسة أمامي تساءلت من أين لها قوة الإبتسام وكدت لا أفهم تحجر محياي وغلبة اليأس في نفسي, كنت مؤمنا ولكن إيماني لم ينفعني في إقتلاع ابتسامة من فمي.
لم يكن عددنا يفوق العشرة وبين الجالسين كنت كالطائر نصف المدبوح فلا أنا بالميت ولا أنا بالحي تحاشيت بكل ما جمعت من يأس نضراتهم المستمرة إلي وكنت ألمس في جسدي أشعة عيونهم تتفحص ملابسي وجلستي , طال انتظاري وطال إفتحاصي فضممت قدمي وسكبت رأسي إلى فخدي وذراعاي وقلت لن تجود الأيام بأقسى مما انا فيه.
رفعت رأسي قليلا باحثا عن شعاع الضوء المتسلل
انتبهت إلى نظرات الفتاة الجالسة امامي فأزحت بصري بسرعة مستغنيا عن شعاع الضوء وقلت أن سنوات من الضلمة أرحم لي من مخاطبة فتاة وخجلي لا يكاد إلا يقتلني .
ربي إنها تواجهني تم تبتسم وتخاطبني
قالت أنت ايضا لديك دبلوم.(.......)
تصرفت كاني لم أسمع شئا وغالبت موجة الإحمرار التي تسللت من حذائي المنهوك وبدأت تتسلق ذاتي في اتجاه وجهي لعنت نفسي في قرارتي وأدركت أني لابد اليوم متضرع برحمة الرحمن فطوال حياتي لم أخاطب فتاة بسبب خجلي وكنت في سنوات دراستي كلما حاولت تخطي عقبة خجلي إلا وتفضحني موجة أحمرار قاهر تتلبس بوجهى فحاولت وحاولت حتى استغنيت واستسلمت لإحمراري الأبدي.
ابتسمت من جديد وقالت كأنما تسمع الجالسين حولي صباح الخير اخي روح عن نفسك ودع عنك الهم القاتل العطلة عن العمل مشكلتنا جميعا هنا .
بغصة تكاد تخنق صوتي أجبتها صباح الخير أختي وابتلع لساني نصف الكلمة الأخيرة , فابتسمت في حنان غريب وقالت أرجوك روح عن نفسك لن تكون إلا مشيئة الرحمن.
اومأت إليها برأسي وحنيت رأسي غارقا في بحر غصتي فغلفتني بابتسامتها الحنونة حتى أشفقت على نفسي من حرارة مقعدي وهممت بالمغادرة لأسمع صوتا ينادي بإسمي
محسن عبد التواب
سكت قلبي وتوقفت حواسي من الهلع ورفعت أصبعي قائلا حاضر نعم سيدي
انفجر الحضور بالضحك وغلفت موجة من الضحك الهستري جو القاعة وغيبت شعاع الضوء الجميل عن ناظري
أضلم المكان في عيني ووقفت
وفي وقوفي لاحت مني نضرة إلى الفتاة وجدتها تبتسم ابتسامتها الحنونة فقط وعينيها مغرورقتان بدمع مشع
قلت مع نفسي أن الأيام كفيلة بمحو أثار خطواتي البائسة وقلت أيضا ان سر الكون سيضل دائما غامقا متلبسا ولن يكتوي بناره إلا الفقراء
تقدمت إلى الواقف وتبعته في خنوع إلى مكتب تعلوه لافتة منقوش عليها مكتب مدير الموارد البشرية
أحنيت أمام الجالس خلف المكتب رأسي وتركته يطالع تيابي وهلاك حالي عاسرت فمي المتحجر ليفرج عن ابتسامة لكنه رفض ونطقت عيني الجاحظتين بإيمان قلبي
قال وهو يشير إلي اين البطاقة التقنية أليس لديك اي فترة تمرين هل اشتغلت من قبل هل ...... هل
وانطلقت هلهلاته تمزق أحشاء كبدي وتديب ما تبقى من طاقتي للوقوف
ودون سابق إنذار التفت إلى الواقف وأشرت إليه أني اود الإنصراف
غالبتني دموعي وقهرني بحثي الطويل وقلت مع نفسي أن فترة التمرين ستلاحقني إلى أبد الأبدين وأن الدبلوم لم ينفعني رغم سنوات وفائي وإخلاصي لدراسته
وجدت صاحبة الدمع المشع واقفة بالباب تنتظر دورها كان لباسها جميلا جدا وبهائها ينير جدران الممر الطويل غالبتني بابتسامة حنونة وأوقفتني فرفعت إليها بصري خاشعا إلى مشقة خجلي
قالت لن تكون إلا مشيئة الرحمن أخي
أومات إليها برأسي والتهمت بقدماي ما تبقى من أمتار الممر تم القيت بجسدي خارج المبنى في طريقي وقلت لنفسي ودموعي تشق طريقها على خدي
يوما ما ستنفجر سحائب الظلمة ومهما حييت لن انساك يا شعاع الضوء البراق.
بقلمي مع تحياتي
من وحي خيالي الأدبي