العنف يزرعه أيضا بعض الفقهاء... قصة قصيرة... بقلمي
ط¢ط®ط±
ط§ظ„طµظپط­ط©
موعد مع الفجر
  • ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 463
    ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 511
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
صاحبة ردود قصصية متألقة
ناقدة أدبية
موعد مع الفجر
كاتبة قصصية في منتدى القصص القصيرة
صاحبة ردود قصصية متألقة
ناقدة أدبية
ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ: 463
ظ†ظ‚ط§ط· ط§ظ„طھظ…ظٹط²: 511
ظ…ط¹ط¯ظ„ ط§ظ„ظ…ط´ط§ط±ظƒط§طھ ظٹظˆظ…ظٹط§: 0.1
ط§ظ„ط£ظٹط§ظ… ظ…ظ†ط° ط§ظ„ط¥ظ†ط¶ظ…ط§ظ…: 3846
  • 17:39 - 2015/01/31

العنف يزرعه أيضا بعض الفقهاء

 

     هذه المخلوقة الناشرة للخرافات في مدينتنا، يتملكني جنون طاغ لمحوها، دفعة واحدة، من الوجود!

كان الفقيه قد ندد، في عدة خطب أيام الجُمَع، بوجودها الخطير على الصغار والأحداث، والمضلل للكبار بمن فيهم الكهول والشيوخ،

وطالب مرات عديدة، وبإلحاح غريب، أن يتم التخلص منها، بأي وجه من الوجوه.

وزاد نكيره عليها لما أطلقت لسانها لخاصتها في أحواله حيث وصفته بفواحش الأفعال، مما عجب منه الحجر والشجر قبل بني البشر!

وفي خطبته الأخيرة زاد قائلا:

"ومريحنا أو مريحتنا منها لهما الجنة بدون حساب

وراح يسرد في هذا الصدد آيات كريمة وأحاديث نبوية، فأقنع كل السامعين أو جلهم،

وملأ النفوس بغاز الحقد على "زرقاء الأدغال"، لا ينقصه إلا ولاعة أو عود ثقاب لكي لينفجر كبرميل وقود مسته نار!

 

     و"زرقاء الأدغال" هذا، هو اللقب الذي اشتهرت به، إذ كانت تماثل زرقاء اليمامة في الرؤية على بعد أيام،

وكانت تشير، عندما كانت تُسأل عن أصلها ومن أين جاء مقدَمُها، بالإشارة صوب الأدغال.

 فألصق ذاك بهذا وكوّنا لقبا واحدا هو "زرقاء الأدغال".


     لا يهم، فالأهمّ هو دورها، حيث راحت تستقبل الصغير والكبير، وتعمل لهم الأعمال، وتخبر بما كان وبما سيأتي، وكأنها تقرأ في اللوح المحفوظ.

وإن كان ما تقوله وتفعله مجرد أضاليل وخزعبلات ومخترعات تجد من يمدها بها ويروّجها لها في كل بيت وزقاق.

ولم تكن تخفي أن مساعديها المتسترين أقوياء أشداء، لا يستعصي شيء على سواعدهم المفتولة.

 

     ومما أفاض كأسي تجاهها، أنني زرتها للاطلاع على حقيقة أمرها، ولأحدد المكان الملائم الذي أعضها منه،

فأخبرتني أن خطيبي سيتركني ويقترن بأخرى لا أعرفها، راحت تصفها لي حتى صارت كالماثلة أمامي،

ولدهشتي قالت لي وهي تودعني:

"إلى اللقاء يا مضمرة قتلي"!

فكدتُ أسقط أرضا، إذ قرأتْ حقيقة خواطري نحوها، وما يمور به قلبي من حقد ونقمة عليها، ورغبة أكيدة في مسح كل أثر لها من سجل الوجود البشري.

ولكن إيماني العميق كان يمنعني من ذلك كله، فالبارئ أوصانا بالحسنى في معاملتنا للناس،

وحرّم علينا تحريما باتا قتل النفس، إلا التي قررت الشريعة في حقها ذلك.

وفي جميع الأحوال، فأمر التنفيذ لذوي الأمر والنهي، وليس لكل من هب ودب.


     ولكن الفقيه منح لِجميع من سمعه يوم الجمعة تلك، جواز المرور إلى التنفيذ.

لم يقل "اقتلوها" أو "صفّوها"، ولكنه لمّح إلى ذلك تلميحا،

وجعل جزاء تغييبها جنة الخلد، مع الأولياء والصالحين الصادقين والشهداء الممجدين.

 

     بتُّ ليلتي تلك وأنا أرتعش، ورحت أتدبر طريقة للإجهاز على "الزرقاء".

وفي لحظة، رأيتني بعين خيالي أدخل عليها بسكين المطبخ الكبير،

أخفيه في غمد اتخذته له،

وأثبِتُه في حزامي،

وأغطيه بمعطفي الصوفي الأسود الواسع الفضفاض.

وحين اختليت بها، انحنيت عليها وكأنني أروم تقبيل رأسها،

ثم للحين غرسته في قلبها،

وعدت فسحبته وأودعته أحشاءها،

وتركته حيث هو، فقد بالغت في تنظيفه،

ويداي محميتان بقفازين جلديين،

فلا أثر لي، أتركه خلفي، يدل عليّ،

بعد أن أكون آخر من تستقبلهم من الزوار،

فعدد من يتشرفون بالجلوس أمامها كل يوم،

لا يتجاوز الأربعين،

حتى إنها أشاعت أنها إن تجاوزت هذا العدد "المقدس"، ولو بشخص واحد، فإن صحتها تعتل،

وسماء خاطرها تتلبد بغيوم كثيفة تحجب عنها الرؤية عدة أيام متوالية.

وقد جرّبتْ هذا مرتين، تحت وطأة الإغراء بمبالغ خيالية،

وهي تخشى إن أقدمت على الثالثة، أن يذهب ما يعتريها من أحوال إلى غير رجعة!  


     وكذلك قتلتُها أوحش قتلة، عدة مرات،

في جلسات عديدة مع خيالي.

 

والحق أن معظم الأفعال إنما يسبقها التوهم والخيال، وتنبني عليهما، قبل التجسد في عالم الأعمال.

 

     وبعد سماع تلك الخطبة العصماء، المشحونة بألوان التحريض والوصف المغري للفوز بمجاورة المقام المحمود،

أديتُ ديوني، وبرّأتُ ذمتي من سائر العهود، واستخرت الله في أمر جهادي، وتمنطقت بسلاحي، وقصدت بيتها.


     ولمفاجأتي ــ ولا أدري أسعيدة هي أم ليست كذلك ــ وجدتُ باب بيتها غاصّا بالجمهور،

ورجالَ الأمن محيطين بالمكان، وسياراتهم موزعة في على طول الشارع وعرضه، تمنع السيارات من المرور، وتوجههم إلى اتجاهات أخرى.

واللغط يشتد ويتعالى، والصخب سيد الموقف كله.

وأول من التقيته أخبرني بمقتلها خنقا بجورب نسائي طويل، وأن الفاعل أو الفاعلة، في حالة فرار!

 

     سبقني إذن من سبقني، فعدت إلى البيت منكسرة الخاطر، وإن وجدت عزائي في قول الخطيب الذي كان يرنّ في أذنيّ:

"... ومن نواها صادقا في نيته، فله نفس أجر من نفذها،

كأجر البئر التي نوى أحدهم حفرها لينال ثوابها فسبقه إلى الحفر غيره، فكانا متساويين في عين الأجر والثواب...".

 

ولم يوقظني من سباتي العميق سوى ظهور خطباء ومفتين على قنوات المدينة المحلية والفضائية،

يجرّمون ما تمّ،

ويكشفون تضليل خطيب الجمعة للناس،

هذا الذي سرعان ما تم إلقاء القبض عليه، وتوقيفه بالمرة عن الخطابة، وإحالته على مكتب التحقيق.

وتوسعت الحملة لتشمل مماثليه، فعُوّضوا بغيرهم، ونُبّه الجميع إلى سوء العاقبة في حالة أدنى شرود.


     كنتُ كالمغيّبَة،

مسلوبة الإرادة ومغيَّمَة الفكر،

فجاءتني الصحوة الحقة،

فعلمتُأن الدين قد يقود هو أيضا إلى مهاوي الهلاك

إن أبيح لمن يسيء استخدامه،

إطلاقُ لسانه فيه،

وتأويل الآيات والأحاديث

وفق ما يخدم الأغراض المبيّتة

القابعة في أعماقه.

 العنف يزرعه أيضا بعض الفقهاء... قصة قصيرة... بقلمي
ط¨ط¯ط§ظٹط©
ط§ظ„طµظپط­ط©