على جدار الصمت علقت كلماتها
.. واستسلمت لواقع غرز أنيابه في ذاكرتها
لم تكن تعلم أن قارب الوحدة الذي امطته سيأخذها بعيدا.. أبعد مما كان عقلها الواقع خارج جسدها يتوقع
لطالما انزوت في أركان كل غرفة من كل بيت
كل زاوية من كل شارع أو مكان تطأ قدماها أرضه ..
ظلت دائما حبيسة توجساتها وخوفها من الظهور والمواجهة .. بل كانت تكتفي بالمراقبة عن بعد وتدوين مﻻحظاتها وانتقاداتها وكثير من الحلول في مذكرتها ..
حديثها لقلة كلماته وتقطع حروفه كان كله حكمة.. وكثير من المشاكل بسبب سوء الفهم ..
عقلها الواقع الخارج جسدها يقسمها نصفين .. ويروي حكاية اثنين ﻻزالا يبحثان عن بعضهما البعض ..
بينها وبين نفسها حكاية ..
تلك القريبة منها التي تمثلها الغائبة عنها قسرا..
وتلك البعيدة منها الثائرة فيها الساكنة بين أضلعها عمدا ..
ﻻ تتفق معها إﻻ في أنها ﻻ تعرف أيهما تكون ..
- الآن تكشف كل شيء وعلمت سبب نفورها من كل شيء .. قالها وهو يغرق في دخان سيجارته محدقا في تقرير الطبيب النفسي الذي عرض حالتها عليه ..
وعلى سطح نفس المكتب مذكرتها أو هي في سطور مكتوبة
كانت هي في ذات اللحظة منشغلة بالبحث عن مذكرتها ..
سمعت طرقا خفيفا على باب غرفتها .. لم تكن سوى الخادمة عرضت مساعدة ملغومة لإيجاد مذكرتها المفقودة ..
دلتها على مكانها على أن تتوسط لها عند أبيها لتستطيع التغيب اليوم ..
لم يظهر من ردة فعلها أنها وافقت أم ﻻ .. دفعت الخادمة واتجهت في غضب عارم صوب مكتب أبيها وقبل أن تلج المكتب استوقفتها كلمات تخترق كيانها قبل أن تخترق جدار المكتب ..
- يعني أنني أعيش مع فتاة حمقاء ؟ أعقبها ضحكة غادرة
كانت هي في هذه اللحظة أمام خيارين ثالثهما مر
الحسم في قرار إلى إيها ستنتمي
الثورة عليهما معا _ شخصيتين فيها _
أو الانتحار ..
تبعتها الخادمة في محاولة لتهدأتها .. كانت هي أسرع من أن تدركها خطوات عجوز متثاقلة ..
دخلت الغرفة وأقفلت على نفسها مرتين
ما إن وصلت العجوز حتى سمعت صوتا كأنه طلق رصاص ..
عادت بخطوات أثقل من الأولى لمكتب سيدها وهي تناديه .. لقد انتحرت .. تتبع صدى الصوت وهاجم باب الغرفة في قلق ..
وجدها ساجدة في منظر هز قلبه .. تأملها في حنين .. وقلب متعطش لعناقها وتقبيلها ..
أغلق الباب وتركها تكمل ثورتها عليها..