كانت تشرق بنظرها نحو ذاك الخيط الرفيع للدخان المتصاعد للسماء , تلك التعرجات تحملها قسرا نحو خطوط حياة تشبه تفرعاته في الهواء .
كان التمدد الأول للدخان يرسم وجه امرأة عجوز لعب الزمن بتقاسيم وجهها فجعله كثوب خرق ؛ كلما تمدد ظهرت تلك الاخاديد عميقا عليه . ترى كم تملت تلك العيون الخامدة لعثرات الزمن ؟ وكم عدد الاطفال الذين أودعتهم الثرى قبل الرحيل ؟ وكم كانت أمانيها وهي تغزل فتيل الصوف على مدارات العجل الدوار ؟ وكم ثملت حبيبتاها وهي تعد الأنفاس في تلك الليالي الطويلة الباردة بحثا عن ظلال أنس؟؟؟؟
زفرت أنفاسي وأنا اراه يتخذ شكلا آخر , تحول في تمدده إلى وجه صبوح , وجه فتاة ندية تحمل أكفا خضبها الحناء , مخضلة العيون , جدلى في انتظار حبيب جاد به الزمن بعد عد طويل للنجوم في لياليها الطويلة الباردة الممتلئة بلهفة اللقاء .
شعرت برعشة قوية وأنا أراه يتخذ شكل وجه الفته كثيرا , كان في تطاوله نحو السماء يرسم تقاسيم فاطمة , برعونتها وكبريائها , ابتسمت وانا أتذكر مقالبها الكثيرة في الصف , وكيف كانت كفرس جموح يصعب لجمها , كنت وإياها ذاك النقيض المتجانس . ابتعد خط الدخان لترحل معه ذكرياتي حيث رحلت هي ؛ بحياة أخرى وتفاصيل أخرى , وقدر راح يرسم معالم جديدة لي ولها , ودعته وقلبي يهفو إلى الخضراء تونس حيث استقر ذاك الوريد مني....