سلام الله عليكم
مقهى اللوحات
يوم آخر من أيام الشتاء الباردة، مساء ممطر غاضب كباقي أيام فصل يستحمله البشر رغم أنوفهم..
دخل المقهى بعد أن نفض مظلته و علقها في مكانها المخصص بالمدخل.. لاحظ غياب صوت الجرس الذي كان يقرع مسامعه كلما دخل.. طالعه صاحب المقهى ببسمته الودودة الهادئة كعادته، ألقى عليه التحية و قصد غرفة اللوحات، بحث فيها إلى أن وجد لوحته التي رسمها مؤخرا..
وقف أمامها متأملا للحظات، فتح الكُتَيِّبَ الخاص بتعليقات الزوار.. قرأ كلمات، رغم قِلّتها جميلة مشجعة تبث الحماس في روحه و تدفعه نحو تقديم المزيد، رغم مستواه الذي لا يكاد يتعدى المتوسط، هو على علم يقين بذلك..
عاد إلى الحجرة الرئيسية للمقهى فبادره صاحبه يعلمه بأن لديه رسالة من إحدى الزائرات و هي في الحقيقة رسامة مثله تملك أيضاً لوحة بالداخل.
جلس و فتح الرسالة، عبارات و جُملٌ تحويها الرسالة قصدها التشجيع و الثناء لا غير..
رفع بصره باتجاه الغرفة، دخلها ثانية باحثاً عن لوحة الرسامة إلى أن وقع عليها بصره، تأملها فألفاها وديعة جميلة تحمل من شتى المعاني ما قد يملأ الأرواح و يصلح الأحوال، أحوال مجتمعاتنا الجريحة المصابة بطلقات لا يعلم مصدرها إلا القليل..
أخرج قلمه لكتابة رسالة رد يبادلها مثل العبارات، أقر من نافلة الفعل ترك تعليق في الكتيب ففعل..
عاد في اليوم التالي فوجد رسالة جواباً على التعليق، فردّ.. كذلك كان في اليوم الموالي و هكذا دواليك، إلى أن صارت الرسائل تحمل عوض كلمات التشجيع أسئلة و أجوبة، شخصية تروم التقرب و التعارف، أخبرته بعنوانها فأصبح ساعي البريد صلة الوصل عوض صاحب المقهى، فكانت أكثر سرعة و فعالية..
عرفت عنه كل شيء و عرف عنها معظم الأشياء.
تحولت الرسائل إلى حوارات للإطمئنان على الأحوال و السؤال عن ما جدّ من جديد في الحياة.. أرفق صورته بإحدى رسائله بعد تردد.. سألها نفس الشيء فأبت متحججة بذرائع لم تقنعه، لكنها أخرسته...
لم يعد يقصد المقهى، نسي لوحاته فنسي هوايته.. إلى أن طلبت منه رسم واحدة من أجلها، لم يرفض فقد فعلت ذلك من أجله من قبل و هو لا يريد أن يخسر رسائلها التي أمست من الضروريات.. لا يتكاسل عن فتح صندوق الواردات صباح مساء دون ملل...
تحياتي