قصة لم تُكتَب
ألغى كل مواعيده حتى أهمها، أغلق كل أجهزة المنزل من حاسوب، تلفاز، هاتف و مذياع، و أطفأ كل الأنوار إلا واحدا، نور مكتبه. جلس أمام الورقة و القلم بيده. همّ بالكتابة لكن لا تزال القصة غير واضحة المعالم، وضع القلم جانبا و شبك أصابعه أسفل ذقنه و انخرط في تفكير عميق، كان كثير الشرود، يبتسم تارة و يقطب حاجبيه أخرى.. انتبه،لاحظ أن الظلام كثيف من حوله، مصباح المكتب كان خافتاً، لمعت في ذهنه قصّة فتقاطرت الأفكار تلو الأفكار و تحركت مخيلته، رآى الشخصية ترسم أمامه و توالت الأحداث، هم بالتقاط القلم ليظفر بأكبر قدر قبل أن تضيع في الزحام، لكنه لم يفعل، شيء ما أوحى إليه أن ينتطر ألى أن يتم نسج خيوط القصّة كاملةً.. جحظت عيناه و ارتفع حاجباه، صرخ،
-يا ويلتاه! يا ويلتاه!
قفز نحو مفتاح نور الحجرة الرئيسية، انتقل من غرفة إلى أخرى يضيء كل واحدة و كأنه يجِدُ في النّور مهرباً، تذكّر كونه وحيداً في المنزل ، زاد جحوظا و شحوبا حتى كاد يصبح في لون الثلج..
-يا للرّعب! يا للرّعب!لن أكتب قصة كهذه، لن أكتبها ...
التفت في جميع الإتجاهات و هو ينظر إلى كل ركن في الغرفة، شعر أن أحدا ما يراقبه، أحس نظراته بين كتفيه..
-مَن هناك ؟!مَن هناك ؟!
لم يستطع إغماض جفن تلك الليلة فخرج إلى إحدى الحانات..
***
نظر إليه الأخصّائي من فوق نظارته،
-لا أجد تشخيصا لحالتك، أخشى وصف دواء قد يزيدُك سوءاً..
-إذن ما العمل أيها الطبيب ؟ أعلم أنك لن تتركني أموت..
-الحل الوحيد أمامك هو أن تعالج نفسك بنفسك، أنت تفهمني أليس كذلك ؟
فانتفض و راح يمشي و يجيء مضطربا،
-لا يمكن، لن أستطيع! كيف لي أن أكتب شيئا كذلك، أن أُشرِك آلاف القُرّاء في عبءً كُتِب عليّ حمله...
***
نظر إلى ساعته، كانت تشير ألى ما بعد الرابعة صباحا، مضى نحو حجرة المكتب، خطوات متثاقلة متعثرة، كان الظلام حالكا، أضاء المصباح و جلس أمام الورقة، أمسك القلم بيد مرتعشة، كان قد شعت شعره و طالت لحيته، نحُل جسمه و شحُب لونه، جف ريقه و انحنى ظهره و كأن الثلاثة أيام قد كانت ربع قرن،
-لا أستطيع جمع شتات أفكاري، لن أكتب شيئا الليلة، لست قادرا..
-لا عليك، سأملي عليك ما تكتب، يشرفني و يسرني أن يروي كاتب كبير مثلك قصتي..
التفت نحو مصدر الصوت، سقط القلم...
"قد يكون للقصة جزء ثاني"