حينما نحتاج من يسمعنا فإننا نكلم أي شيىء نجده في طريقنا لعله يشفق لحالنا ويستمع، ﻻ يهم ما سنتكلم به بقدر ما يهم أن نخرج كل ما يعتصر بدواخلنا من آهات وأحزان و انفعاﻻت ... كل شيىء .
هذا ما حدث لي بالظبط عندما أحسست باختناق شديد بعد أن وصلت بمخيلتي إلى حدود ﻻ يمكن معه الاستمرار في التفكير فراودتني رغبة شديدة في إخراج ذلك الكم الكبير من التساؤﻻت و الفرضيات التي ظلت جاثمة على أنفاسي .
لم أجد من يستمع لما سأقوله، ﻻ صديق قريب وﻻ أي أحد ...
فما كان مني إﻻ أن أغامر وأختار الجمادات لأشاركها ما أحس به، قد ﻻ تكون الاختيار الأنسب لما سأقوم به لكن على الأقل سأظفر منها بقدر كبير من الهدوء والصمت وحسن الاستماع، فهي تبقى مجرد جمادات .. ورغم علمي اليقيني بأن الخﻻصة التي سأنتهي إليها لن تختلف عما استنتجته الآن وقبﻻ فﻻ شيىء سيتغير.
.. أفكار وتساؤﻻت وفرضيات تزاحمت في مخيلتي فأحدث الكل تفاعﻻ بسبب كثرة التناقضات .. لم يعد بإمكان مخيلتي استيعاب هذا الخليط فكان ﻻبد من إخراج الكل في محاولة لإيجاد حلول وترتيبها ثم التفكير فيها مجددا للخروج بخﻻصة، لكن بالطريقة التي انتهجتها يبقى الأمر مستحيﻻ أو لنقل مؤجل إلى وقت ﻻحق ..فما سأخرجه الآن لن يلبث طويﻻ حتى يعود لمخيلتي كما خرج .. - ﻻ يهم -
بدأت التجربة وبدأت في عرض ما يختزله عقلي من أفكار ووو ... ربما لو رآني شخص من بعيد لظن أني جننت أو لقال تخفيفا مستهزءا : يظن نفسه فيلسوفا ..
ﻻ غرابة في ذلك مع كثرة الكر والفر وتحريك اليدين وغيرها من حركات المفكرين والفﻻسفة التي سمعنا عنها أو قرأنا عنها أو ربما شاهدناها في فيلم ما .. تبقى أساليب لإيصال الفكرة رأفة بالمستمع وتجنبا لأي خلط أو سوء فهم .. استمرت التجربة زهاء الساعتين من الزمان، مدة كانت كافية لعرض كل تصوراتي حول القضايا المختلفة التي تشغل بالي .. دينية، سياسية، رياضية، أدبية وفكرية ...
الشيىء الوحيد الذي استفدته من التجربة هو كيفية محاورة الآخر الغير موجود .. وحسن التجاهل .. وترجمة فكر مهموس إلى فكر مسموع ..
بعد انتهاء التجربة لملمت أفكاري، تساؤﻻتي، وافتراضاتي وحملتها معي من جديد غير آبه بالكم الهائل من الرسائل التي يتلقاها عقلي والتي مفادها .. mémoire pleine..
بعض الآراء والأفكار يحسن مناقشتها مع الجمادات لأن عرضها على الأشخاص سيعرضك لمخاطر وتهم خطيرة ..