زمن عجيب غريب، طال فيه اللسان حتى سبق الطموح، هي ساعة يزور فيها الماء هذا الحي ذا العمارات القديمة
تسارع (حجيلة) زوجة (بن يحيى) إلى ملء الدلاء والأواني، ووضعها في شرفة المطبخ المحاذية لشرفة مطبخ جارتها
(أم الخير) زوجة (عبد المالك) حيث تدور أحاديث عجيبة ما إن تنتهي ساعة السقاء وتصطف الدلاء في مكانها
تحكي كل منهما مغامراتها مع زوجها خاصة فيما يتعلق بالجيب والمصروف والهدايا، تبحث كل منهما عن شيء
تفخر به أمام الأخرى لتشعرها أنها أفضل حالا...
بن يحيى وعبد المالك، يعملان في شركة واحدة، بنفس الدرجة ونفس المنصب لكن في مصلحتين مختلفتين..
لم يكن يعلم أي منهما أن شهر الكذب أفريل سيحمل لهما مفاجأة كبيرة ستغير حياتهما وتؤثر في أحاديث
الشرفة بين زوجتيهما...
- مبروك عليك يا بن يحيى، هذه 200.000 دج منحة من الشركة خاصة بزوجتك، أرجو أن تحسن استغلالها..
هذا ما قاله مسؤول الخدمات الاجتماعية في الشركة لبن يحيى ذات صباح من شهر أفريل وهو يناوله شيكا بذاك المبلغ..
لولا أنه استلم الشيك لظن أنها (بواصون دافريل) كما تقول الصحافة عندنا، لكنه تأكد من أنها حقيقة..
وكما مر مسؤول الخدمات الاجتماعية على مكتب بن يحيى مر أيضا على مكتب عبد المالك وناوله شيكا بنفس المبلغ..
أشعل بن يحيى سيجارته المعتادة وبدأ يفكر بعمق وينظر إلى الأفق البعيد يبحث عن طريقة ليصرف هذا المبلغ على زوجته
يصطاد بها سربا من العصافير بحجر واحد، ينال حبها، وطاعتها وإعجابها، ويحتفظ بأغلبية المبلغ للأوقات الصعبة
ويتجنب أن تألف زوجته مثل هذه المبالغ الكبيرة التي لا تأتي إلا نادرا...
أما عبد المالك فقد كان يريد أن يبهر زوجته، أن يخلعها من نفسها، أن يجعلها تصيح وتطير من الفرحة، أن يفاجئها جدا...
فقرر أن يشتري لها عقدا من الألماس بـ 190.000 دج، ويحتفظ بـ 10.000 دج لوقت الحاجة..
بن يحيى وبعد استلامه المبلغ وفي طريقه إلى المنزل اشترى علبة شيكولاطة بـ 30 دج
وأخذ كل منهما هديته إلى زوجته، كانت الفرحة في بيت عبد المالك عارمة، وصادمة، طارت الزوجة من الفرح
وفي بيت بن يحيى فرحت حجيلة بعلبة الشيكولاطة فرحة عادية، سرعان ما تبخرت وصارت حسرة لما زار الماء
الحي وسمعت من جارتها أم الخير خبر العقد الثمين... كم أحست بالغباء وهي تتذكر علبة الشيكولاطة
عاد بن يحيى مساء يحمل وردة حمراء هدية لزوجته التي كانت تريد أن تقيم معه معركة، لكنها هدأت نوعا ما
لما رأت الوردة، مر شهر على استلام مبلغ أفريل، بن يحيى يدخل كل يوم على زوجته بهدية لا يتجاوز ثمنها
40 دج، وعبد المالك لا يزال يعيش على أخبار العقد الثمين التي بدأت تصبح مملة مع حرارة الصيف التي باتت على الأبواب
حجيلة تحكي لأم الخير كل يوم عن هدية رخيصة جديدة، وهذه الأخيرة تحكي عن العقد كيف مسحته وكيف اردته وكيف... الخ
صارت حكاية العقد مملة بعد مرور 03 أشهر، وبقيت حكايات الشكولاطة والحلوى والورود والرسائل حية متجددة كل يوم..
ثارت الثائرة في منزل عبد المالك، وبات يسمع الشتائم والسباب ويعاير بجاره الحكيم بن يحيى وحبه لزوجته..
وقع عبد المالك في مشكلة كبيرة، منحة الزوجات تمنح مرة كل خمس سنوات، وصارت هديته لا شيء يذكر بمجرد مرور عام واحد
فماذا يكمل السنوات الباقية... كثيرا ما كان يسقط مغشيا عليه ليسارع عمي الهواري الكلونديستا بحمله إلى مصلحة الاستعجالات
بعد مرور 05 سنوات، بن يحيى كان يعيش حياة هنيئة مع زوجته التي صارت مثل الخاتم في إصبعه، فرغم أنهما كانا يتشاجران
مرة على مرة ويستعمل معها القمع أو العنف مرات إلا أنه كان محافظا على مشروع الهدية كل يوم...
1826 هدية قدمها لزوجته طوال هذه السنوات الخمس، كلفته أقل من 75.000 دج
أما عبد المالك، فقد... الله يستر.
هرب من المنزل ورفعت عليه زوجته قضية إهمال ورغم محاولاته تدارك الوضع باللجوء إلى المديونية مرة
وإلى الرشوة مرة، وإلى السرقة والسلب والنهب.. إلا أنه لم يستطع أن يستعيد أيامه السعيدة مع زوجته..