
فـ ي تلك المدينة حيث تتبعك النظرات أينما ذهبت، لا تحلم أن تمشي وحدك أبدا،عيونهم دوما معك،وكأن سكانها خلقوا ليراقبوا بعض وليناقشوا شؤونك دون ترخيص منك!
مشت هي بثقة.. حتى وصلت أمام شج ـرة موجودة هناكـ منذ زمن لم يزعزها شيء حتى الرياح القوية التي شهدها ذلك اليوم،بقيت تلك الفتاة تنظر إلى الشجرة نظرة غريبة وكأنها تتبرك بها ،بقوتها بشموخها بوقوفها وح ـيدة دون الحاجة لمن يكون سندا لها ويبعد عنها نظرات المتطفلين الدين يتساؤلون لم هي وحيدة؟
ابتعدت بعدها عن الشجرة ووقفت في زاوية في ذلك المكان الشاهق العلو،نزعت ربطت شعرها وتركته للرياح تتقاذفه يمينا وشمالا،أخرجت يديها من جيبيها ورفعت رأسها وكأنها تتحدى شخصا ما أم تتحدى الرياح أو الواقع! ابتدأت تشعر بأنها تدخل في عالم آخر قد يكون ذلك العالم هو ع ـالمها الداخلي الذي صنعته بنفسها وابتدأت تح ـس به الآن فعليا وكأنها تلامسه.
من شدة تركيزها لم تكن تنتبه لمن حولها البتة،كانت تسقط في أذنيها أحيانا تعليقات سطح ـية "انظروا لتلك المجنونة ماذا تظن نفسها تفعل؟" "هييي يا جميلة لاتنتحري العالم يحتاجك" "أظن أنها تستجمع قوتها لتفجر العالم" أصوات قهقهاتهم الغبية كانت عالية، لكن حضورها القوي في عالمها كان أقوى من عالمهم السخيف،استطاعت أن تقاوم..!
ع ـيونها لم تكن متجهة نح ـو الجسر المقابل لها ولا إلى الوادي في الأسفل ولا حتـ ى إلى التمثال الذي لطالما أحبته لما يرمز له "تمثال النـصر"، كانت تمر على عينيها لقطات لا يراها غيـرها شعرت بالقوة والحرية والح ـرارة رغم برودة الجو.
كانـت تسمع صوتا داخلي يقول لها "أنـت راضية عن نفسـك،لم تغضبي ربك ولا والديـك كونـ ي مرتاحة" ردت "نعم ضمـيري مرتاح مادام أنـي لم أغضب الأساس ولا يهمني كلام الناس" يعود ذلك الصوت
-تـرين العالـم غير سوي،لا يج ـب أن تغيريـه فقط تج ـنبيه
- كيـف ؟ أأتخ ـذ لنفسي حياة دون بشـر، أسيـر على طريق خالـ ي ستقتلنـ ي وحدتي
- ليـس بالضبـط لكـن أجيدي إخ ـتيار من ترافقين
- اخ ـترتهم بعناية وعاشرتهم لـمدة ولـكن بعد فتـرة كان كل شيء كذبة
هنا سقطت منها دمعة،أراد ذلك الصوت أن ينطق مرة أخرى استجمعت قوتها و قاطعته لم تتركـ له فرصة أخرى للكلام وتح ـدثت هي " أتعـرف ماذا! هـذه هي الح ـياة ليس كل الناس أخيار. يج ـب أن نعيشها بحـلوها ومرها..نبكـي اليوم زعلا ونبكي غدا فرحا، نتمسك بديـننا ومبادئنا ونترك للناس الكلام في ظهرونا، فقط عليـنا أن نتأقلم"
تنفست بعدها بعمق أخرجت من جيبـها ربطة شـعرها،ربـطته عاليـا مشت ومرت أمام بعـض الشباب المتجمعين، توقعت أنهم هم من كانوا يطلقون تلكـ التعليقات السخ ـيفة كانـوا ينظرون إليها باستغراب ابـتسمت ثم قالـت لهم "أح ـيانا يجب أن نختلي بأنفسنا لنراج ـع بعض الأمـور أحسن من أن نتـابع هموم النـاس وننسـى أن التـفاهة التي نعانـ ي منها أكبـر هم"
هـم لم ينطقـوا ببنت شفة لعلـهم لم يفهموا أصلا ماذا كانـت تعني أما هـي فغادرت مرتاحـة تشعـر بالخفة وكأنـها أفرغـت حملا أثقـل قلبـها البريء وتح ـمل معها قنـاعة أن الح ـياة ألوان وستتصـادف معها جميعا.
بـ قلمـي