قدح منكَ يا قدري...
أن تقتل من أحببت ذات يوم بسلاح ~النكران~
أفظع جريمة...يُعاقب عليها ~ الضمير~
أن تُنهضك إبتسامات الفجر الزائــفة...
وتقتلك ليلاً آهات المناجاة النادمة...
أن تملأك الشهوة ...قبل أن تُسند رأسك
لأنغام الكوابيس التي تتقطر دمًا...
من قلوبٍ لم تُبْكِــــك يومًا،
خطيـــــئتها الأزلية أنها ~أحبتــك~
حتـــــــــــــــــى آخر...عـــذاب...
،،
لم أرد ـ يومًا ـ أن أدوّن ذاتي ولا نفسي،لم أستطع أن أسترق من آهاتي حبرًا أنثره على ورق اعتاد دموعي،لطالما عرفت
معنى أن تقتل أحب الناس إلى قلبك بإبتسامة مُصنطعة،لا تريد فراقهم ولا بُعدهم،لكن الظروف تُجبرك في الأخير... أن تقتل نفسك!!
لم أطلب شيئا من الحياة سوى أن تدعني أسير فيها بذاتي،في غفلة منها و من عيون البشر،أخطيئتنا الكبرى أننا نحلم؟
أننا نأمل كما يأمل الكل؟ أليست الأحلام منفى النهايات للمعدمين؟أم أن الحياة قد سلبت منا حتى براعم سعادة
بنيناها على فُتات واقع الأغنياء؟ لطالما سمعتُ من أفواه البائسين أننا نستطيع أن نقهر
القدر،بضمة عين،بإنتفاضة حلم،بتحرير الأفواه،بممارسة ما نريد...
فلماذا نُحس دومًا بالألم؟
لم أستطع أن أسحب نفسي ـ ولو لمرة ـ من سنين وجعي،كانت تماثيلي حين تأتيني أيادي البشر معانقة
تنْكَّب بإبتسامة منحوتة بعناية،صامتة إلا من أنفاس تجعلها تمارس الحياة قهرًا عنها،كنتُ أعرف أنه
لا ماضي لي...لا طفولة تُمثلني ولا ذكريات تُعيدني لها،سوى زوارقي الورقية التي أبعثها على ضفة بحر الشقاء...
وُلدت ذات أمسية مُهملة،و رُميت على طرف سرير بكى ميلادي،كنتُ أعيش بقصص من والدتي الأرمل أن الحياة عطاء،
و أن الإبتسامة لا تخلقها مائدة اللذة،و لا غرفة الشهوة، أن ميلاد فجر السعادة المفقودة يكون حين يمزج
صرخةً من الألم وعاطفةً من الحب و الحنان "عاطــفة الأمومة" ..."ولكن البشر يتغيرون،
حتى الأمهات"هذا ما لم تخبريني به يا سيدتي!!
عشنا مع الأيام نداولها وتداولنا كما تريد دون معارضة منا،إلا أن فرقنا القدر بحادث... نجت هي و هلكت
أنا ـ كما أرادت هي أن تؤمن به ـ، تزوجت بعيداً عني... حزنًا على فراقي،بينما عشتُ أطلب وجودي،تقاذفتني الأيام
سنينا طويلة في منزلي... وحيدة أنشد رجائي المُعدم في الحياة،أجمع قناعتي من دنانير أجنيها من مسح الأحذية
كي أبتاع حاجات تسد الرمق،أشاركه و الأطياف.
حين يريد الزمان أن يلقنك بعضًا من ألاعيبه يبعث فيك ضيقًا منذ أول نسمات الفجر...كأنه يمهد لصفعك ببطء،
تماما كما فعل لي في صباح يوم باردٍ يُجمد الصقيعُ فيه حتى الحجر...مرت قافلة ذكرياتي على حذائها حينما سمعت
صوتها يُكلم الولد الصغير بجانبها،كان نفس الصوت الذي ألفته يغني لي قبل النوم...نهرتني على وجهي
بقدمها لتأخري في مسح حذائها،لم أتألم لضربتها ولا لقطرات الدم تلك التي تشققت بها جروح إحتواها وجهي،
ربما لأني إعتدت ذلك،أو لأنني ـ حينها ـ سلمت حواسي للعدم،نهضت أتأملها وعيوني تغرغرها الدموع،
أتيت وجهها أتحسسه بأطراف أصابعي المتسخة بالغبار،كنتُ الوحيدة ـ فينا ـ أتلعثم بدموعي أنكِ أمي حية،
لم تجبني،لم تتأملني ..بل لم تحقق في ملامحي حتى!!كأنها كانت تدرك أنني لم أمت و أنني في نفس بلدتها،
نَظَرَت في بإشمئزاز بعد أن أيقنت ملامحي،اهتزت جفونها قليلًا،تطلعت في،ذكرت إسمي،عرفتني أجل،
فلماذا لا تسكنني صدرها؟تراجعت قليلًا إلى الوراء تهز رأسها كأنها رأت ما يعيب ذاكرتها،وهي تحمل
حقيبتها تبحث فيها عن ملاذ تُسقط فيها أعينها غير وجهي،عن خنجر يدميها غير كلماتي،أو حتى
عن لاشيء وسط ركام الموجودات المكتظ بصدى شهقاتي...
كثيرًا ما سمعت من أفواه "العتقاء من جحيم الرذائل" أن التعاسة تُخلق مع المُعْدمين في الحياة،
من ماتوا قبل أن يولدوا...ذنبهم أنهم يسعوون إلى الإيمان بالأحلام و التمسك بالمستحيل وسط عالم
لا يتحقق فيه الحلم إلا لمن مَلَك "الحياة" وليس لأولئك " الأموات من الأحياء"...السعادة لم ـ ولن ـ تُكتب يومًا للمنفيين
في عالم التعاسة،لم تُوجد لمن يتمسك بأمل يعلم أنه سيتبخر مع أول محاولة للخوض فيه،تلك مجرد أمنيات
ساذجة،تُرمى في سلة النسيان...بل خطيئة تفتح أبواق العذاب الممتد،وربما القتل الذي لا هوية له!
ذلك القتل الذي يجمد حواسك في عالم تقطنه آلاف المؤثرات،قتلٌ من النكران الممارس بعناية...حين نُقتل نرتاح كثيرًا ،
لأننا حينها نكون قد فقدنا الأمل،قد سُحبنا من حياة لم تنزّل من لهط البشر...لا يمكننا أن نحس بالألم ولا بالعذاب،
فالتعود يخلق فينا حالة من الإنصياع،نوعٌ من الحب الذي لم يعرفه ـ ولن يعرفه ـ أي بشر من أولئك معدمي الضمير،
من تناسوا أرحامهم بحفنة من المال... إنه حبٌ للموت نحن البؤساء...
عدّلت من ثوبها كأنها تنزع عنه بصماتي، زمجرت في بملامحها تنفض عنه غبار أصابعي،مررتني