سيدة الرف العلوي!
يمرّ امام متجر الحلويات كل يوم , لـ تهتاجه نزوة الطفولة فيها ! ,, يشبع عينيه منها , فـ يملأ ثغره شوقا ً لـ تلك القطعة في الرف العلوي , اللون الأسمر يثريه الكراميل طراوة , وشيء من بياض الكريم مكونا ً عرشا ً تعتنقه حبة الكرز !! ,,
لا ينفك يمر كل يوم من تلك الجادة , يفترش الرصيف ويناظر ملكته في الرف العلوي , يستلذ قساوة الحرمان بـ غرابة , وتنتفض فيه ثورة من نقائض , لكن بـ صمت , فـ كل حواسه مشغولة في خشوعها لـ سيدة الرف العلوي !!
هو كل ما يملكه , ذاته , ويده التي يستلها كل يوم لـ يشحذ قوته ! ,, طفولته معتقة في قنينة النبيذ منذ الولادة ! ,, لقد ولد هكذا , وحش بريئ ,, !! يمر منه نبلاء ارضه كل يوم , لـ يسبوا والده ووالدته , تجيبهم الذات : " كفاكم , فـ المقابر لا تستمع السباب !! "
جرّب مرة ان يدخل لـ متجر الحلويات , لـ يطلب يد سيدة الرف العلوي ! ,, فـ ناوله سيد المحل قليلا ً من خبز مهترئ في الجانب , وابتسم له , فـ هكذا ظن أمر دينه , وطلب منه الرحيل ! ,,
خرج مغموم الوجدان , وقلبه يهمهم : مهلا ً ان هذه الحسرات تخنق !! ,, يتسائل لم َ وُلد ,, ويسأل القدر : هل ماتت الالوان حين بلغت لوحتي ؟! ,, تلك الدموع التي تسيل ع خد اضناه موت الحياة الذي يعيشه ,, هي كل ما يرتويه لـ يطفئ جمر قلبه !!
قوته الأيام , وطعامه الزمن , لأنه لا يملك شيء يستهلكه غيرهما , وظيفته ع الرصيف يحتقرها الجميع ,, ويجد في القطط والكلاب رحمة اكثر من هذه الصخور البشرية !!
ما زال الزمن يمر , ويتناوله ع 24 وجبة في اليوم ! ,, تمر الوجبات , وهو ما زال مفترشا ً الرصيف الذي يقابل متجر الحلويات , لـ يأتي ذاك اليوم , الذي يشتري فيه نبيل قومه مع كلبه المترف سيدة الرف العلوي !
يشاهد بـ صمت النبيل وهو يخرج بعد ان خطف سيدته , ويراقبه حين يرميها لـ كلبه يلعقها بينما يشعل سيجارا ً كوبيا ً ويضحك مع نبيل قومه الآخر !! ,,
تغتال ذاته الاحقاد , لقد نصبّوه وحشا ً ,, ولقد اصبح وحشا ً ! ,, هو لم يكن يوما ً انسانا ً , لكنه اجبر ع العيش معهم , ولو بيده الأختيار , لـ ربما فضل ان يتجاوز القدر صفحته , ويتركها فارغة , بدل وجبة العذاب الدسمة التي تقدمها الحياة له كل يوم !!
-علي زهير .. 26 | 8 | 2013 ..