" بريق أمل...."
"من يفقد الأمل، يفقد الحياة و كان الأفضل له أن لم يولد أصلا"
- تشابهتْ أيام "أمين" و سنواته و ساعات نهاره، يومه كأمسه و مثلهما غده أيضا ، نهاره و ليْــلِه يقضيهما كادا،جاهدا من أجل جمع دراهم معدودة تقيه ذل السؤال...."أمين" شاب متخرج من الجامعة منذ حوالي خمس سنوات، في الثلاثين من عمره،أسمر البشرة،ذو عينان بنيتين تحملان دفئا كبيرا رغم ما يكتنفهما من ألم و حزن....جسده نحيل أضناه العمل الطويل ، لم تنفعه شهادته و لا ذكاؤه و لا كفاءته في الحصول على عمل مناسب ، و مع ذلك قرر ألاّ يفقد الأمل، وظل يبحث حتى حصل على عمل بسيط يسترزق منه حتى يأتي الفرج....
و رغم فقره و مستقبله المجهول إلا أنه لم يستطع أن يفرط في "حنان" الفتاة التي خفق قلبه لها ، لم يرد أن يخسرها و يتركها لغيره، فتقدم لخطبتها حاملا معه بدل الهدايا الثمينة آمالا و أخلاقا و دينا يشهد له الجميع به....
في ذلك اليوم لم تسعه كل الدنيا من شدة فرحه،لم يصدق أن "حنان" اختارته من بين كل الرجال الذين تقدموا لها....فعاهدها و عاهد نفسه أن يبذل كل جهده حتى لا تضيع منه...كان يعتبرها بسمة حياته و حظه السعيد،فهي لم تكن مثل فتيات جيلها المتكلفات، بل هي لم تُحمِّله أبدا أكثر من طاقته، كانت تكتفي بأي شيء بسيط يقدمه لها، و تجعله يبدو في عينيها كبيرا أغلى من كل مال الدنيا...
ابتسم لنفسه و هو يتذكر كلماتها لما كان يسألها كيف فضّلتْه هو :
- بالنسبة لي لم يُشكِل المال فارقًا في اختياري لك أبدا..لقد كانت تلك النظرات الخجولة التي كنت ترمقني بها كفيلة بأن تجعلني أفهمك،و أقرأ أفكارك و آمالك التي تحملها لي....وما فائدة المال يا عزيزي إن قدمه لي شخص ليس بتوأم روحي و أفكاري،سيكون كمن يقدم لي قلبا بلا روح أو حياة....
-أصبحتْ كلماتك هذه روح حياتي و دافعي للعيش و الأمل...لكن قد يطول انتظارنا حتى نجتمع تحت سقف واحد...
- لا يهم ،فانتظاري لكَ سيزيدني شوقا و احتياجا لك ،ويزيدك أنت لهفة علي ، فيكبر حبنا أكثر...كما أننا سنبني معًا عُشنا الزوجي السعيد ،بجهدنا و عملنا ، و هذا ما سيجعلنا نُـقدِّره و نُـقدسه و نحافظ عليه أكثر....ألا يقولون بأن الأشياء التي تأتي بصعوبة تكون أكثر حلاوة ؟؟
-كم أنتِ فاضلة يا زوجتي، ربي يحفظك لي دائما...سنصنع حياتنا معا ، أجل لن نسمح بأن تُمحى أحلامنا.
"حنان" كانت تقول كل تلك الكلمات عن قناعة تامة ، فهي لم تعتبر تسهيلها الأمور على "أمين" ضعفا منها أو إهانة لنفسها، بل كانت تعتبرها تعاونا و مودة و دليلا على حبها و تمسكها برجلها...
و بذلك كانت "حنان" ملاذ "أمين" في لحظات ضعفه و يأسه إذ يصبح طفلا صغيرا أمامها يبث شكواه بكل اطمئنان ....فتحمل عنه أتعابه و همومه ...
هذه كانت حالة "أمين" لما يكون مع "حنانه" التي منحتْ حياتَه بابتسامتها و رضاها ألوانا زاهية ،أما في أيام كده و تعبه و انتظاره يصبح اللون الأسود القاتم غطاء حياته....كانت تنتابه لحظات يأس عميق كلما قوبلت طلبات عمله بالرفض و المحسوبية غالبا و الاستهزاء أحيانا ،لكنه أبدا لم يفكر في ذلك الحل السريع السهل الغير مكلف المسمى" الانتحار"، بل كان يتفاجأ و يقف مدهوشا كلما قرأ خبرا : بإنتحار هذا حرقا ، وذاك ذبحا و بتقطيع جسده بشفرة حلاقة ، كل واحد بطريقته الدرامية....في هذه المواقف كان سهلا حضور الشيطان و وساوسه بأن الحل سريع و جاهز فلمَ يعاني ؟ و هل تستحق "حنان" أو غيرها أن يعذب نفسه و ينتظر لأجلها ؟؟
لكن " أمين" كان قنوعا ، حالما ، و مطمئنا بأن رزقه سيأتي في يومه و لن يأخذه أحد سواه ،فلم يستجب لتلك الوساوس بل استغفر ربه و شكره على نعمة الهداية و الصبر
- ذات يوم و بينما هو منهمك في عمله ،رن هاتفه برقم لا يعرفه ، فتح السماعة ، ليجد صوتا يقول له :
- معي السيد "أمين " ؟
- أجل ،من معي ؟
- نحن من قسم التوظيف ،نكلمك بخصوص مقابلة العمل التي أجريتها في الشهر الماضي
- نعم
- لقد نجحت مبروك عليك مرتبة مهندس....
- هل تمزح معي؟ أنا نجحت ؟ إن كان هذا مقلبا فلترتاح سيدي ، قلبي لم يعد يتفاجأ....
- ألست "أمين " ابن فلان و مولود بتاريخ كذا و متخرج من كليه الهندسة...و....و..؟.
- نعم نعم....أنا هو
- إذن تعال غدا للعنوان التالي على الساعة الثامنة و نحن بانتظارك.....لا تتأخر سيدي، احضر معك الوثائق التالية.....، ثم أقفل السماعة
....دق قلب "أمين " سريعا و بشدة ،و أول ما خطر بباله "حنان" ،كلّمها ليبشرها بقرب لقائهما في بيت واحد بإذن الله .......
من قال أن الفقراء لا يحبون؟
" همسة : نهاية القصة مقتبسة من أحداث واقعية تماما....(:"