من تحت أمواج حرائق الذكريات // بقلمي
آخر
الصفحة
رحيل الاماني

  • المشاركات: 36554
    نقاط التميز: 7628
كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
صاحب ردود قصصية متألقة
رحيل الاماني

كاتب قصصي في منتدى القصص القصيرة
صاحب ردود قصصية متألقة
المشاركات: 36554
نقاط التميز: 7628
معدل المشاركات يوميا: 5.6
الأيام منذ الإنضمام: 6483
  • 17:54 - 2013/06/18

أنقضى ليل طويل ولا زالت تلك الأم المشتاقة لم تذق طعم الرقاد وهي هاربة مع أفكارها ، أخذت تردد مع نفسها كلمات كان لا بد لها أن تقال أمام الشخص المعني بالذات ، فتارة تصبح كالإعصار في حزنها وتارة تكون أهدأ من تنهيدة الزهرة في صمتها ، ثم بدأت تعاتب من فارقها وتلوح بمشاعرها المرهفة عله يسمع ندائها فيعود أثر تلك الصيحات ..

 أخذت تقول : ما بالها لم تنفك تلك الذكريات من عوالم وجودي ، أتراها ستظل عالقة في سقف ذاكرتي التي تنحني كل يوم لتريني أحلامي التي أنحدرت وأخذتها ساعاتها المليئة بالوحدة القاسية في كل يوم ينحسر نداء روحي في تلك الذكرى وتبدأ أحزاني بمهاجمة لحظات سكوني العميق ، حيث يعقب كل ذلك دمعٌ يهطل من مقلٍ أعياها الفراق ... لكن في ذلك اليوم عندما تبدأ أشعة الشمس بالانقضاض على الأزقة والطرقات ، ترتسم بصمت ذكريات فراق من أحببته حتى ضجت محبته داخل مدن روحي المشتاقة ، تتساقط الذكريات محببة لوحدتي ، أحببتها كثيراً  ...، أحببتها لأنها الرمق الوحيد الذي يذكرني به، وآلمتني لأنها طالما أعادت حنيني الجارف إليه ..


أصبحت في قلبي جمرة كأنها مشعل عظيم يحرقني ويحرق سروري كلما حاولت التقاطه من بين لحظاتي الهادئة ، تركت تساؤلاتي كلها وهرعت لغرفة أولادي المجاورة لغرفتي ، تفقدتهم جميعاً وهم يغطون في نومهم العميق ، أنا أم لثلاثة أبناء ووجب على روحي أن تحتمل كل تلك المرارات لكي يحيى كل من حولها بسلام ، أولادي نائمون ، وأحزاني مستيقظة لم تفارق أعنة خيالي ، جميع الناس تضغط الشمس بأناملها الندية على جفونهم لكي تشعرهم بالدفء والحنان ، أما أنا فكانت عبراتي هي من توقظني كل صباح ...

هذا اليوم بالذات أكاد أشعر بوجوده قريباً مني ، يتحرك أمامي ، ثم يبتسم ابتسامته العطوفة ماحياً معها أهوال عذابي ، وعندما أحدق أكثر أكتشف بأنه رحل ولم تعد تحمله الممرات ولا الزوايا ، سوى أركان ذاكرتي وأروقة قلبي ...
لكني رغم ذلك كنت أشعر بشعاعه يتخطف من حولي ، وأشعر بنسمات عذبة تلفح جسدي ، لعلها تلك أنفاسه المسافرة نحوي ، أو لعلها رسائل أطلقتها حنايا روحه المشتاقة لرؤية وجهي ... إذاً لماذا كان لا بد له أن يرحل عني ؟ أولم يسمع من قبل بأن نصف العدالة رحمة ! لماذا لم يرأف دموعي وحرقتي ورحل بعيداً جداً ، لماذا قرر الرحيل في أوج احتياجي إليه ،لماذا لم يفهم بأني أصبحت تائهة في براري الضياع النفسي ،لا أعلم كانت هناك العديد من الكلمات في خاطري وددت لو أنني استطعت أن أقولها لكنها ظلت تحت طيات السكون الأجوف
أخذت أسير رواحة وجيئة داخل منزلي كما لو كنت غريق داخل أمواج البحر العاتية وهو يحلم بالنجاة ...

ورحت أفكر مع نفسي بأني أريد أن أراه الآن بالذات ، أقبل عينيه و أسأله فيما إذا كان يشعر بالاشتياق تجاهي كما أشتاق إلى عبيره وإلى عناقه أنه يحبني والمحبون لا تفرقهم حتى الأبدية ، أنه شريك حياتي وأب أولادي ، والعائلة لا يتوجب عليها أن يتمزق شملها أن كانت المحبة تعلو سقفها ، أحببته وأحبني منذ أولى اللحظات ،وها هي اللحظات تعود نحوي عندما كنت في سنة الخامسة عشر لحظة وقوعي في حبه ، آه لو كان يعلم بأني عندما رأيته سجدت داخل نفسي مثلما فعل نبي الله موسى عندما رأى العليقة مشتعلة من بعيد، وأنا كنت أناجي ظلمتي فانقشع ضبابي برؤية ملامحه البريئة ، ثم مرت الأيام طاوية بداخلها الأحلام وصرنا أبويين وربطتنا هالة القداسة بوشاحها المكرم .. أما الآن وأنا أقف على تلك الذكريات وأراها بعيدة ، كأني أقف من أعلى قمة الجبل ناظرة نحو الأسفل ولا أجد بقربي غير صدى صوتي من يترفق بحالي ...
مرت ساعة منذ أطلت الشمس ولا زلت أختنق مع تصاعد عبراتي وأحزاني ، وفكرت بأني ما زلت أحمل كثيرا من الكلام لم تسع الساعات الأخيرة أن تبوحها إليه ، لعلي إذا كتبتها إليه سيقرؤها ويعلم كم ذقت من الحرمان والحسرة في ظل غيابه ،سرت صوب غرفتي ومسكت قلمي وبدأت أكتب ...
زوجي العزيز وحبيبي :
كما وعدتك بأن أكتب أسمك على حافات الياسمين ، وأن أنقش أجزائه في ثانويات أنفاسي ، وها أنا أحيا مرددة أسمك على مسارح الأبدية والعالم أجمع ، حبيبي سامحني أن عتبت على رحيلك ، فأنا  أنثى بقلب أم .. وكيف لها أن تنظر الأم إلى الحياة من دون شريكها وقرينها في هذا العالم .. أنا أم والأم تتطلع إلى زوجها في أحلامها ويقظتها بأن يبقيها بسلامٍ وأمان ، حقاً لو تعلم بأني أحتاج إليك كثيرا ، أكثر من أي وقت مضى ، أرغب بقدومك الآن لكي تفني لحظات ضعفي وانكساري منذ رحيلك المفاجئ ، أريدك أن ترى بأن أطفالك يكبرون وتكبر معهم رؤى الأحلام ، ولكنهم مثلي يستفهمون سفرك البعيد، حبيبي ونور عيوني ..

أفتخر كثيرا بهم فهم أحبوك مثلي ووضعوا أسمك وذكرك جنب طموحاتهم ، فأنت منارٌ لهم وأنت كانت أنوارك منطفئة ، وأنت دليل وجودهم وأن كانت روحك بعيدة ...
في أعماق قلبي يا حبيبي كلمة لا ترتضي الألفاظ ثوباً لها ، ولا ترغب بأن تسيل على الأوراق ، كلمة أخشى أن أقولها لكي لا تزعجها خشونة الآذان ، أنها (( أحبك)) ..
أحبك يا حبيبي مثلما يحب البجع معانقة بعضه البعض فوق سطح البحيرة الصافية وأحبك مثلما تحب الأرواح التحليق بأجنحتها بعيداً عن هذا العالم ...، تعال نحوي وضمني نحوك أو أخبرني أين أنت فآتي إليك حتى وأن كنت تحت موجات الحرائق الفينيقية ، سأنتفض لمجرد سماع صوتك وأخبرك عن الذي جرى بحالي بعد رحيلك عني ، فتلك العيون التي طالما أحببتها ، قد أنكأها الفراق وأعماها غيابك ، وتلك البسمة المرسومة على شفاهي هي ظلال ابتسامة منسحقة، وعندما أبتسم فذلك لأني لا أريد أن تضمحل ابتسامتي بفعل النسيان .. أو أبتسم رغبة مني في البكاء عليك بعدها عندما أكون وحدي ،

 حبيبي ما زلت أفتش عن صورك وذكرياتك في أحلام يقظتي ، لأن أحلام اليقظة هي أعمق من أحلام النوم وأصدقها، يا حبيبي قد صار خيالك ينعكس من روحي مثلما تنعكس النجمة المتلألئة على ضفاف الأنهار ،حبيبي أحياناً أراك قريباً مني وأنا سائرة فابتسم لك ويبتسم كل من حولي ، وأظل انظر مرة أخرى حولي لعلهم لمحوك مثلي وابتسموا ...

إذن يا حبيبي قل لي بربك من يحيل أحلامي إلى حقيقة وفي نفسي مجاعة إلى حبك وفي قلبي توق إلى عناقك ، يقولون أن الأرواح تتهامس فيلتقي بعضها البعض ، فما بال روحك لم تصطدم بهديل روحي عليك ، أرفع أجنحة روحك وحلق بهما لعلي أشعر بخفقاتها ، يا حبيبي وأملي الباسم لو أمكنك الآن النظر في عيوني لشاهدت خيالك حبك داخلي ، ولو كان باستطاعتك أن تلامس أصابعي لشعرت بأهتزازات حنيني إليك ، يا حبيبي يا حبيبي ما أجمل هذه الكلمة وما أحبها إلى روحي ، لم تشأ هي بذاتها أن تهرول إلا إليك ولم ترضى بصياغتها إلا بك ، يا حبيبي حتى كلماتي صارت تحبك مثلما أحببتك في كل وقت عرفتك فيه ، إذن لماذا رحلت ؟ لماذا قرر الرحيل في أوج احتياجي إليه ،لماذا لم يفهم بأني أصبحت تائهة في براري الضياع النفسي ،لا أعلم كانت هناك العديد من الكلمات في خاطري وددت لو أنني استطعت أن أقولها لكنها ظلت تحت طيات السكون الأجوف ، انا بدونك كسفينة مثقوبة القعر وما اهتدى ربناها إلى ومضة فنار ،
أريد أن أراه الآن بالذات ..

أقبل عينيه و أسأله فيما إذا كان يشعر بالاشتياق تجاهي كما أشتاق إلى عبيره وإلى عناقه ، يا حبيبي ما زلت أتذكر ابتسامتك البريئة وما زلت أتذكر كيف تبتهج لسماعك خبر سار ، ولا زلت أتذكرك عندما تشعر بالغضب عن شيء ما ..، لا زلت أحتفظ بكل تلك الذكريات التي تجعلني أوقن بأن الحياة في ظل المحبة تصبح كالفرودس الأبدي .. ولكنك رحلت .. لو تعلم أن معاني الفراق هي من تشل أفكاري وتفقدني الرغبة في التركيز وتهبني الشجن العميق الذي لن ينجلي إلا بقبلة وعناق .. ولكن لا أظن بأني قادرة على ذلك ، لأنك الآن في عالم آخر ، عالم ما خلف الشفق الأزرق ،تقبل مني هذه الكلمات يا حبيبي وليرحمك الله برحمته التي وسعت كل شيء.. زوجتك المحبة .

*********

بقلمي

 من تحت أمواج حرائق الذكريات // بقلمي
بداية
الصفحة