نسيان فرح

يفرك أصابعه توثرا؛ ويحذق بعمق مشفق إلى تلك الوجوه المبتسمة إليه بعد أن كانت قد أنهت وجبتها الدسمة...
جفف النادل بقع المشروب على الطاولة؛ كما جففت أيادي الفقر كل مصادر الرزق التي طرق أبوابها؛ حتى تلك الصداقات التي كانت تدعي يوما أنها ستقف بجانبه في السراء كما الضراء قد أقفلت هواتفها؛ وغيرت عناوينها؛ بل أسماءها أيضا. أما هو فقد عجز عن مد يده في محاولة أخرى لحفظ ماء الوجه؛ هذا الأخير الذي تكدر في حلكة واقع مادي لا يلقي بالا إلى البؤساء بل يمضي مارا على جثثها المرمية على رصيف المجتمع كما تًنتزع عنوة أوراق الأغصان حين تعصف بها رياح الشتاء...
تسمرت مقلتاه في واجهة العمارة حين ابتلع ريقه للمرة السابعة؛ للسنة السابعة؛ فبعد أن تدحرج في سراديب الدراسة سنون عجاف وسمان؛ استطاع أخيرا أن ينال شهادته تلك؛ فربما غيرت هذه الأخيرة من أوضاعه ليدخل الفرحة على أبويه المركونين بعد أن دب في أوصالهما الوهن ولربما استطاع أن يحي جثة حبه الملقية في بيداء صمت أعوام وأعوام...
ينتظر الدقيقة الأخيرة؛ حيث ستُعلن نتائج المباراة؛ وكعادته يستبق كل المرشحين يوم النتائج؛ يجلس ليبني أحلامه الصغيرة: وظيفة محترمة؛ ودخل يعوض ما كان بالأمس من حرمان؛ لكنه في كل مرة كان يفاجئ بحظه العاثر؛ فيسقط من جديد في أخيلته؛ في صمته؛ وفي احتضانه لأمل متلاشي كأعواد الكبريت تلك المرمية على حصير غرفته...
" لعلهم الآن قد أنهوا آخر ترتيباتهم" يحدث نفسه باستمرار مطمئننا إياها ببشارة الخير؛ وواعد في الآن ذاته هذا الجسم بتعويضات جمة؛ حذاء جديد؛ وبذلة رسمية تغنيه عن استعارتها كل مرة من صديقه؛ وفراش يقيهم من برودة الأرضية والصقيع...
قفزة في الأعالي فرحا؛ وصرخة مدوية أثارت المارين والسائقين؛ كل ذلك تعبيرا منه عن سعادته؛ فأخيرا تمكن النجاح منه وجعله يحتضن أوائل خانات المقبولين. حتى طقوس الفرحة كان قد نسيها مند زمن؛ فأطلق ساقاه للريح جريا وهو يفرك أ أصابعه توثرا؛ ويحذق بعمق مشفق إلى تلك الوجوه المبتسمة إليه بعد أن كانت قد أنهت وجبتها الدسمة ...
بقلمي
12-1-2013
|